ليقتصر الأمر علي عرض33% فقط من قيمة هذه الشركات في شكل أسهم في البورصة يكتتب فيها المصريون مع الإبقاء علي الشركات المهمة التي تحتكر إنتاج سلع استراتيجية في حوزة الدولة مثل شركات السكر ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي وعدد من شركات الأدوية.
وفي إطار حوار شامل لا تنقصه شجاعة السؤال أو صراحة الإجابة, اعترف الوزير بأن الدولة تأخرت كثيرا في تطبيق بنود الدستور التي تمنع أصحاب المناصب من البيع والشراء, وتعديل قوانين العمل بما يضمن الأسبقية القانونية لحقوق العمال علي مستحقات البنوك والضرائب والتأمينات حال توقف المنشأة الاقتصادية عن العمل, كما أعلن بوضوح قاطع ضرورة إعادة تنظيم الأسواق المصرية بما يحفظ المنافسة ويضمن نوعا من الرقابة علي الأسواق لأنه لا خير في سوق لا تخضع للرقابة والإشراف.
} سيادة الوزير: البعض يعتقد أن الاضطرابات الأخيرة التي حدثت في بعض شركات الأعمال, وخروج عمال هذه الشركات في وقفات احتجاجية أمام مجلس الشعب, هي من مثالب الخصخصة التي أهدرت حقوق عمال هذه الشركات, خاصة أن بعض المستثمرين يلجأون إلي تخسير أعمالهم حتي يتمكنوا من تحويل الأراضي التي تتبع نشاطهم الصناعي أو التجاري إلي النشاط العقاري ويجنون المليارات من وراء ذلك كما أن بعض المستثمرين الآخرين يحاولون التخلص من العمالة بدعوي أنها عمالة زائدة رغم عقود البيع التي تحظر ذلك, وأظن أن توقفكم الآن عن بيع مشروعات قطاع الأعمال لمستثمر رئيسي يكاد يكون اعترافا بنقائص الخصخصة, وأظن أيضا أنكم لابد أن تكونوا قد درستم حالات الشركات التي خرج عمالها للاعتصام في شارع مجلس الشعب علي الأقل لمراجعة بعض بنود عقود الخصخصة؟!
}} الوزير: أود أن أوضح أولا أنه ليس صحيحا ما يشاع من أن معظم الاعتصامات والاضطرابات حدثت في شركات قطاع الأعمال العام سواء الموجودة الآن في حوزة الدولة لم يتم خصخصتها أو الشركات الأخري التي تم بيعها للقطاع الخاص, صحيح أن هناك مشكلات حدثت في بعض هذه الشركات التي تمت خصخصتها لكنها تعد علي أصابع اليد الواحدة ومعظمها تمت خصخصته في فترة التسعينيات, كما أن هناك مشكلات حدثت في شركات تتبع في الأصل القطاع الخاص, وأكاد أقطع بأن غالبية الاحتجاجات تمت في قطاعات حكومية مثل الضرائب العقارية وموظفي مراكز المعلومات والمعوقين, وهذا في حد ذاته ليس اعتراضا علي السؤال, لكنني أود أن نحدد حالات قطاع الأعمال المحددة بمعزل عن حالات الاعتصام الأخري, لأنه يبدو أن الكثيرين في وقت الهرج والمرج يحاولون لأسباب عقائدية وسياسية أن يعلقوا المشكلات كلها علي عملية الخصخصة, وإذا كان صحيحا أن بعض الشركات التي تم خصخصتها قد حققت نجاحا كبيرا تمثل في زيادة النشاط, وتحديث تكنولوجيات العملية الإنتاجية والوفاء بحقوق العاملين, واستطيع أن أتحدث بالتفصيل هنا عن أمثلة عديدة محددة, فإن هناك عددا من الحالات غير الناجحة لأسباب متعددة, لعل أهمها سوء اختيار المستثمرين لعدد من معاونيهم ومدراء أعمالهم الذين لم يكونوا علي قدر من الكفاءة والخبرة يؤهلهم لحسن إدارة هذه الأعمال, أما السبب الثاني فيعود بالفعل إلي ما ذكرته من أن بعض المستثمرين يحاول التخلص من العمالة حتي تخلو له الشركة كأراض فضاء يسعي لاستثمارها في النشاط العقاري.
} ماهي نسبة هذه الحالات؟
}} في عهدي لا توجد حالة واحدة, صحيح أن بعض المستثمرين حاولوا لكننا قطعنا الطريق علي هؤلاء بتفعيل القوانين التي في أيدينا والتي تكفل ذلك, وتكاد تكون معظم الحالات قد وقعت في عدد من الشركات التي تم خصخصتها في التسعينيات وأنا لا أقول ذلك لكي أخلي ذمتي من المسئولية فالمسئولية في النهاية تقع علي حكومة مصر أيا كان القائمون علي أمر هذه الحكومة.
} سيادة الوزير: الحالة الأشهر في مصر, هي حالة شركة المراجل البخارية الذي تعهد فيها المستثمر باستمرار النشاط التجاري لكنه نقل نشاط الشركة إلي مدينة6 أكتوبر كي يقوم بالاستفادة من الأراضي الخلاء الواسعة التي يقع معظمها علي نيل القاهرة؟
}} الوزير: هذا صحيح لكن الدولة لم تقف عاجزة أمام هذا الأمر خصوصا أن القوانين المنظمة للبناء وبينها القانون الموحد تضع ضوابط واضحة تجعل مسألة الموافقة علي تغيير النشاط في يد المجلس الأعلي للتخطيط والعمران الذي يرأسه رئيس الوزراء ويشارك في عضويته عدد كبير من الوزراء والمختصين إضافة إلي محافظ الإقليم هذا المجلس الذي له وحده حق المنح أو المنع بتحويل نشاط هذه الأراضي من النشاط الإنتاجي إلي عقاري مقابل استحقاق مالي واضح يعود إلي خزانة الدولة.
} ألا يعد ذلك مخالفا للدستور واعتداء علي حقوق الملكية الخاصة؟
}} الوزير: الدستور والقانون يحميان الملكية الخاصة إن كانت مطلقة من شروط محددة تم اقرارها من الجانبين في عقود البيع, وبالتالي إذا أراد المالك أو المستثمر أن يبني في هذه الأرض عنابر جديدة تتعلق بالنشاط التجاري أو الصناعي التي حددتها العقود فهذا حقه, أما إذا أراد تحويل المكان إلي نشاط عقاري فإن عليه أن يمتثل للقواعد التي تنظم تغيير النشاط التي يحددها المجلس الأعلي للتخطيط العمراني, وأتحدي أن يكون هناك مستثمر واحد من هذه الأراضي تم تغيير نشاطه خارج هذه القواعد المعلنة.
} علي أي أساس تتحدد قيمة التعويض الذي يدفعه المستثمر إن أراد تغيير النشاط المخصصة له هذ الأراضي؟
}} الوزير: سوف أجيبك من خلال مثالين يوضحان كيف تتعامل الدولة مع الدولة في مشكلة تغيير النشاط, المثال الأول في كفر الشيخ حيث يوجد مساحة من الأرض تبلغ مساحتها60 ألف متر تقع في الحيز العمراني لعاصمة المحافظة, كانت تتبع الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج التي لم تكن تريد بناء مصنع وسط المدينة وقد أقر المجلس الأعلي تغيير النشاط مقابل حصول المحافظ علي33% من مساحة الأرض أو ثمنها طبقا لأسعار السوق الجارية, وهناك مثال آخر في أسيوط تحصلت فيه المحافظة علي قيمة ثلث الأرض بما يعادل54 مليون جنيه, وفي محافظة6 أكتوبر دفعت الشركة القابضة للنقل البحري108 ملايين جنيه لتغيير النشاط في مساحة126 ألف متر.
} سيادة الوزير: في الأمثلة الثلاثة التي ذكرتها كان الأمر يتعلق بالعلاقات بين الدولة والدولة, ألم تحدث محاولة مماثلة لتغيير النشاط في أرض تابعة لمستثمر رئيسي؟
}} الوزير: لم يتم إبلاغي بأنه تم تغيير النشاط في أرض تابعة لمستثمر رئيسي ولو في حالة واحدة, وربما يصل إلي سمعك حكايات كثيرة ولكنها مجرد شائعات لا أكثر.
} سيادة الوزير: ألا تعتقد أن تجربة المراجل البخارية تستحق إعادة النظر في القواعد المنظمة لعملية بيع شركات قطاع الأعمال بحيث تكون الضوابط علي تغيير نشاط الأرض أكثر إحكاما؟
}} الوزير: في تجربة خصخصة مصنع شبين الكوم للغزل والنسيج جعلنا استثمار مساحة الأراضي التابعة للمصنع مجرد حق انتفاع يرتبط بوجود المصنع, إذا أزيل المصنع زال حق الانتفاع, وبرغم أن قرارات اللجنة الوزارية للخصخصة الصادرة في يناير عام1997 تؤكد ضرورة أن تتضمن عقود البيع المبرمة بعد هذا التاريخ نصا صريحا يحظر التصرف في الأراضي الصناعية لغير النشاط المخصص لها, وفي حالة الرغبة في تغيير النشاط يتم الحصول علي الموافقات اللازمة من الجهات المعنية مع سداد الفرق بين سعر السوق وسعر التقييم بحيث تسري هذه القواعد ليس فقط علي المستثمرين من القطاع الخاص ولكن علي الأراضي التابعة لشركات قطاع الأعمال المملوكة للدولة, قررنا تعميم هذه القواعد مرة أخري علي المحافظات لتتولي كل الوحدات المحلية مراقبة تطبيق هذه الاشتراطات, واتخاذ جميع الإجراءات والقرارات التي تكفل وضعها موضع التنفيذ, مع حظر إنشاء أي مبان أو منشآت أو إقامة عمليات توسعة أو تعلية أو هدم في هذه الأراضي دون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة وإزالة المخالفات بالطريق الإداري علي نفقة المالك.
} سيادة الوزير: رغم أن المعروف أن حكومة د.نظيف هي أكثر الحكومة المصرية انحيازا للفكر الاقتصادي الليبرالي جاءت قراراتكم الأخيرة بالامتناع عن بيع أي من شركات قطاع الأعمال الباقية في حوزة الدولة, سواء كانت رابحة أو خاسرة لمستثمر رئيسي مع إمكان طرح جزء من أسهم بعض الشركات من خلال الاكتتاب العام للمصريين علي أن تظل الأغلبية الحاكمة من أسهم الشركات مملوكة للدولة, فهل تعكس هذه القرارات خيبة أمل في الخصخصة لخطورة آثارها الاجتماعية كما ظهر أخيرا أم أنكم تواجهون عدم إقبال المستثمرين علي الشراء؟!
}} الوزير: يبدو أنني سوف استعين بالمثل الشعبي الذي يقول الصيت ولا الغني لأنه رغم هذا الوصف الذائع بأننا أكثر حكومات مصر ليبرالية, فإننا في حقيقة الأمر لم نبع أكثر من سبع شركات من جملة شركات قطاع الأعمال المؤهلة للبيع التي آلت إلينا ويبلغ عددها175 شركة, ثلاث من هذه الشركات التي تم بيعها ذهبت إلي وزارة الدفاع ورابعة ذهبت إلي جهة سيادية أخري, وعلي عكس الشائع أعدنا إلي ملكية الدولة عددا من الشركات التي كان قد تم بيعها للعاملين فيها عام97 وعددها33 شركة لم يحقق أي منها نجاحا يذكر بعد خصخصتها, بعضها يعمل في مجالات الزراعة والري واستصلاح الأراضي, لكن جزءا من المشكلات التي تعيق الخصخصة, يتعلق بمدي قدرة المجتمع علي تحمل التكلفة الاجتماعية لعملية الخصخصة, خاصة إذا تتطلب الأمر تمويل المعاش المبكر لحصص العمالة الزائدة عن حاجة العمل في بعض المشروعات المعروضة للبيع.
} سيادة الوزير: لقد كان لوزيرة القوي العاملة تصريح واضح ومباشر أكدت فيه أن الخصخصة هي السبب في معظم معاناة العمال داخل الشركات التي تم بيعها؟
}} الوزير: من السهل أن يري أي إنسان أن المشكلة هي الخصخصة, ولكن الوزيرة تعلم جيدا أن معظم المشكلات التي تعرض لها العاملون كانت في إدارات حكومية وفي مؤسسات تتبع عددا من الوزارات لا علاقة لها بشركات قطاع الأعمال العام الذي يكاد تبلغ عدد شركاته150 شركة ولا يتجاوز عدد عماله350 ألف عامل في مجتمع يقترب فيه عدد الشركات المسجلة من70 ألف شركة وتقترب فيه أعداد قوة العمل من23 مليون عامل, ومن الوارد جدا أن يتعرض عدد من هذه الشركات إلي بعض الأزمات في ظروف أزمة اقتصادية عالمية أثرت علي جميع الدول كبيرها وصغيرها.
} سيادة الوزير: أعلنتم أخيرا أن الإدارة الناجحة لأصول قطاع الأعمال تمكنت من خفض المديونية التاريخية لشركات قطاع الأعمال العام للبنوك من33 مليار جنيه إلي ستة مليارات فقط يجري سدادها في غضون زمن قريب, وأن فوائض أرباح هذه الشركات تجاوزت3,7 مليار جنيه بعد أن كانت تحقق خسائر بلغت عام1,32004 مليار جنيه, كما تمكنتم من مضاعفة دخول العمال في هذه المصانع, سيادة الوزير: إن كان حسن الإدارة قد حقق هذه الأهداف فلماذا الحرص علي الهرولة إلي الخصخصة إن كان في وسع قطاع الأعمال أن يدير هذه الشركات بنجاح وأن يحقق فائضا يزيد من ايرادات الخزانة العامة.
} الوزير: أولا ليس صحيحا أن هذه الحكومة تهرول إلي الخصخصة لقد كان كل ما بعناه سبع شركات بمعدل شركة واحدة كل عام, الأمر الثاني أننا لانزال نري أن تخلص الدولة من هذه الأصول وبيعها إلي القطاع الخاص يمثل حلا صحيحا, فنحن نبيع أصولا قديمة لنأتي بأصول جديدة لأن الحكومة أعلنت أنها لن تضخ قرشا واحدا في أي من شركات قطاع الأعمال المملوكة للدولة, وأن أولوياتها في الانفاق هي التعليم والصحة والطرق ودعم الفقراء, ومع ذلك استطعنا سداد ديون تقترب من33 مليار جنيه وبقيت ستة مليارات يمكن أن نسددها في غضون أسابيع, وخصصنا ما يزيد علي20 مليار جنيه استثمارات جديدة في قطاع الأعمال وأنفقنا6 مليارات علي مشروعات إعادة الهيكلة, من أين أتت هذه الموارد, جاءت من بيع بعض الأصول الأخري المملوكة للدولة وفيها حصيلة بيع بنك الإسكندرية والرخصة الثالثة للمحمول, وأظن أننا نجحنا في أن نضرب عصفورين بحجر واحد, لأننا سددنا حجما ضخما من الديون كان يثقل كاهل بنوك الأهلي ومصر والقاهرة ولولا سداد هذه الديون لكان قطاع البنوك في وضع صعب واستطيع أن أؤكد لك أن الوضع في شركات قطاع الأعمال الموجود في حوزة الدولة حتي الآن أفضل كثيرا من وضعها قبل خمسة أعوام فمعظم هذه الشركات كانت تعاني من عدم الاستقرار بسبب تأخر سداد مديونياتها الذي كان يجعلها عرضة لقضايا الحجز ودليل ذلك أننا نحقق فائضا بلغ هذا العام4 مليارات جنيه.
} سيادة الوزير: لم أفهم بعد الأسباب والذرائع التي جعلتكم ترفضون ابتداء من الآن بيع أي من شركات قطاع الأعمال لمستثمر رئيسي؟! ماهي قائمة اتهاماتكم للمستثمر الرئيسي كي ترفضوا التعامل معه وماهي حيثيات هذا القرار؟!
}} الوزير: تجربتنا مع المستثمر الرئيسي تقول إنه حتي إذا كانت الشركة التي آلت إليه تدر أرباحا وعائدا طيبا, فإنه يحرص علي زيادة أرباحه من المنشأة سواء عن طريق تقليص حجم العمالة إلي الحد الأدني, أو وقف بعض خطوط الإنتاج, أو التركيز علي إنتاج أصناف تدر ربحا أكبر, وكثيرا ما تؤدي هذه السياسات إلي قلق وتوتر اجتماعي داخل المنشأة, وهناك أسباب أخري تجعلنا نرفض البيع لمستثمر رئيسي أهمها, أن عددا كبيرا من الشركات الباقية في حوزة الدولة في وضع احتكاري مثل شركة الألمونيوم المصرية التي تنتج95% من حجم الإنتاج الكلي, وشركة السكر المشتري الرئيسي والوحيد لقصب السكر من زراع الصعيد بأكملهم, ولا يجوز أن تستبدل احتكارا عاما باحتكار خاص, كما أن الحكومة لا تستطيع أن تجعل فلاحي الصعيد جميعا رهن إرادة مستثمر رئيسي, صحيح, أن الاستثمار الخاص عادة ما يكون أكثر كفاءة من الاستثمار العام, لكن التكلفة الاجتماعية العالية نتيجة بيع هذه الشركات لمستثمر رئيسي تلزمنا أن نتخذ القرار السياسي الصحيح, حفاظا علي مصالح فئات واسعة في المجتمع سوف تتأثر بقرار البيع لمستثمر رئيسي, وقد أضيف إلي هذه الأسباب سببا أخيرا يتمثل في المناخ الإعلامي السائد الذي ينفر من استبدال الملكية العامة في مشروعات بعينها بملكية خاصة.
} سيادة الوزير: ألا تعتقد من واقع الاضطرابات التي وقعت أخيرا في بعض شركات الأعمال الخاصة والعامة أن هناك بعض الثغرات التي تتعلق بحقوق العمال أنفسهم عند انتقال الملكية تحتاج إلي المعالجة؟! ولماذا وجه رئيس الجمهورية في خطابه الأخير إلي ضرورة إعادة النظر في القوانين المنظمة لأطراف العلاقة الاقتصادية, خاصة أرباب العمل والعاملين حال وجود المنشأة أو خروجها من النشاط الاقتصادي؟!
}} الوزير: لأن العمال لايزالون يمثلون الحلقة الأضعف في هذه العلاقة, فعندما يخرج المشروع من النشاط الاقتصادي لأي من الأسباب التي تتسبب في فشل المشروع, فإن حقوق الدائنين سواء كانت البنوك أو الضرائب أو التأمينات أو الموردين تسبق حقوق العمال رغم أن هذه الجهات لديها القدرات التي تمكنها من الصبر والانتظار أكثر من العامل المسكين الذي عادة ما يواجه خرابا يصعب تحمله, وأظن أن إعادة ترتيب الحقوق بما يضمن الأولوية القانونية لحقوق العمال علي أي جهات أخري سوف تحدث انقلابا مهما في طبيعة العلاقة بين المنشأة والعمال وأرباب العمل, لأن المطلوب لتحقيق هذه الأولوية مراجعة شاملة لقوانين الشركات والتجارة والعمل ترتب حقوق الدائنين حالة خروج المنشأة من النشاط الاقتصادي, بما يضمن أولوية حقوق العمال, ولو أن هذا الترتيب القانوني للحقوق كان موجودا لما حدثت معظم المشكلات الموجودة علي الساحة الآن واعتقد أننا إزاء خطوة جديدة بالغة الأهمية تساعده علي توافق المصالح بين العمال وأرباب العمل.
} سيادة الوزير: هل يمكن أن نقول إن معظم المشكلات حدثت في المنشآت التي تم بيعها لمستثمر رئيسي عربي يحرص علي تصفية نشاط الشركة التجاري والصناعي أملا في استثمار أراضي المشروع في نشاط عقاري يدر أرباحا مهولة؟
}} الوزير: بصراحة لا استطيع أن آخذ من أحادي الحالات قاعدة عامة, كما أن الاستثمارات العربية لم تعد الحجم الأكبر في مصر, فالأولوية الآن للاستثمارات المصرية ثم الاستثمارات الأجبية وتأتي الاستثمارات العربية من ناحية الحجم في المؤخرة, لكن الحساب التراكمي للاستثمارات في مصر يضع الاستثمارات العربية في المرتبة الثانية بعد الاستثمارات المصرية, وربما يحدث بعض المشكلات في بعض الحالات التي لا يدير فيها المستثمر العربي شركاته بنفسه معتمدا علي إدارات غير ناجحة وهي حالات محدودة لا يقاس عليها لأن هناك مستثمرين عرب ناجحون في مجالات عديدة يتجاوز النشاط العقاري ونحن لانزال نعول كثيرا علي المزيد من تدفق الاستثمارات العربية.
} سيادة الوزير: ومع اعترافنا جميعا بأنك وزير براجماتي عملي لا تقيم وزنا كبيرا للعقائد الإيديولوجية, لكن حماسك في فترة مبكرة للخصخصة أدي إلي مشكلتين كبيرتين: أولاهما سيطرة الملاك الأجانب علي سوق إنتاج الأسمنت الذي أدي إلي وضع شبه احتكاري, وثانيتهما مشكلة عمر افندي التي تكشف عن وجود ثغرات في عقود البيع مكنت المستثمر من التحايل علي القانون؟
}} الوزير: كل شركات الأسمنت التابعة لقطاع الأعمال العام تم بيعها في فترة سابقة ولم يصلني منها سوي الشركة القومية للأسمنت, وهي لاتزال موجودة في حوزة الدولة, ولم يحدث في عهد هذه الحكومة أن بعنا شركة كانت مملوكة للدولة ملكية كاملة, واعتقد أننا أنجزنا إجراءات تصحيحية مهمة زادت حصة الجانب المصري من سوق إنتاج الأسمنت الذي تضاعف حجمه الآن ليصل إلي حدود60 مليون طن لأننا استثمرنا في شركات جديدة مع جهات سيادية أو منفردين, لكننا نواجه في معظم الحالات معضلة الرؤية الافتراضية التي تتساءل: لماذا كانت الخصخصة إن حقق المشروع بعد خصخصته قدرا ملحوظا من النجاح.
أما في حالة محلات عمر أفندي فقد التزم المستثمر ببعض بنود عقود البيع ولم يلتزم ببنود أخري, ولأن هناك قضية تحكيم بين الشركة القابضة والمستثمر لم يتم الفصل فيها بعد فإنني أوثر أن أمتنع عن الحديث في هذه القضية إلي حين صدور الحكم.
}} سيادة الوزير: مع الأسف لايزال سؤالي عن الدروس المستفادة من أخطاء الخصخصة ينتظر إجابة واضحة تكشف عن بدائل الخصخصة, خاصة أنكم طرحتم قبل عدة أشهر مشروعا يطرح أسهم هذه الشركات في شكل صكوك مجانية يتم توزيعها علي المواطنين, لم يستقبله الرأي العام بأي حفاوة أو ترحاب واعتبره الكثيرون طريقا مراوغا للتخلص من شركات قطاع الأعمال, لأن هذه الصكوك سوف يتم بيعها علي نحو عاجل من جانب ملاكها الفقراء لمصلحة مستثمرين يستحوذون في النهاية علي ملكية هذه الشركات.
}} الوزير: هذا الكلام قد يكون صحيحا في الشكل الأول لبرنامج الملكية الشعبية عندما كانت الأسهم تطرح في شكل صكوك مجانية, لكن ماهو مطروح الآن, أن يتم بيع هذه الأسهم في البورصة لمصريين يكتتبون في ملكية حصة من شركات قطاع الأعمال يمكن أن تصل إلي33% علي أن تحتفظ الدولة بملكية67% من هذه الشركات لأن طرح أسهم هذه الشركات في البورصة هو خير مؤشر لوجودها علي قيد الحياة ولصحة الاستدلال علي حسن أو سوء أدائها اليومي وسوف يتم توجيه حصيلة البيع لسداد عجز الموازنة الذي جاوز9% من الناتج الوطني العام.
} سيادة الوزير: ألا يعني ذلك أننا نسيل أصولا لسداد عجز الموازنة بدلا من أن نستثمر عائد البيع لشراء أو إنشاء أصول جديدة؟
}} الوزير: الذي سوف يذهب إلي الخزانة هو صافي البيع بعد الوفاء بمطالب تطوير هذه الشركات وتسوية التزاماتها وإعادة هيكلتها, والمساهمة في عدد من مشروعات البنية الأساسية المهمة كما حدث في طريق الصعيد البحر الأحمر الذي يتوقع الجميع أن تكون له آثار تنموية مهمة علي محافظتي سوهاج وقنا الأكثر فقرا في صعيد مصر.
} ألا تعتقد ياسيادة الوزير أن ثبات حجم الاستثمارات المباشرة القادمة من الخارج في حدود عشرة مليارات دولار في المتوسط سنويا, هبطت إلي ثمانية مليارات دولار بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية تشكل رقما متواضعا؟
}} الوزير: قد يكون الرقم متواضعا لكنه يشكل طفرة مهمة لأنه قبل السنوات الخمس الأخيرة كان في حدود ملياري دولار في العام, ولهذا السبب تم تصنيف مصر في المرتبة الـ20 علي مستوي العالم بدلا من المرتبة الـ126 في مقاييس الدول الأكثر جذبا للاستثمارات.
} سيادة الوزير: لكن مصر لاتزال تحتل المرتبة الـ165 بالنسبة لمعايير البيئة المهيأة لممارسة الأعمال طبقا لتقرير صدر عن جمعية رجال الأعمال بالإسكندرية, يؤكد أن استخراج رخص بناء أي من المشروعات لايزال يستغرق400 يوم, وأن تسجيل الملكية لايزال يستغرق52 يوما, وأن الفصل في التقاضي لايزال يستغرق أكثر من عامين رغم الحديث المتكرر عن تسهيل الإجراءات ووجود شباك واحد في كل محافظة لتسهيل إجراءات الاستثمار؟!
}} مع الأسف فإن هذا التقرير يعتمد في جانب كبير من بياناته علي تقرير ممارسة الأعمال الذي يصدر عن مؤسسة التمويل الدولية, معتمدا علي عدة مؤشرات تقيس مدي صلاحية البيئة لممارسة الأعمال, والذي تحتل فيه مصر الآن المرتبة106 بدلا من المرتبة156 لكن التقرير نفسه هو الذي صنف مصر علي مدي أربعة أعوام متتالية باعتبارها من بين عشر دول تعمل بجد من أجل تحسين بيئة ممارسة الأعمال, لقد حدث تحسن كبير في معظم هذه المعايير, خاصة ما يتعلق منها بمؤشر تأسيس الشركات حيث تحتل مصر الآن المكانة رقم24 من بين دول العالم, كما تحتل المكانة رقم28 في مؤشرات منح الائتمان, لقد كان تأسيس الشركة يحتاج في مصر إلي ثلاثة أشهر تم اختصارها الآن إلي ثلاثة أيام وربما يكون التحسن الذي حدث في مشكلة التقاضي طفيفا, لكن ما من شك أن الموقف سوف يتغير بعد إنشاء المحاكم الاقتصادية.
} سيادة الوزير: هل تعتقدون في كفاءة السوق المصرية وقدرتها علي الموازنة بين العرض والطلب في ظل الاحتكارات التي لاتزال تسيطر علي معظم السلع الأساسية في الأسواق القمح واللحوم والأسمنت والحديد؟
}} الوزير: أعتقد أن الأمر في مصر يحتاج إلي التوازن بين كفاءة السوق وفاعلية الرقابة عليها, لأن الإفراط في الاعتماد علي أي منهما وإهمال العامل الآخر يؤدي إلي الفشل الاقتصادي, وبرغم أن كثيرين يصنفون حكومة نظيف علي أنها الأكثر ليبرالية في كل حكومات مصر فقد كانت الحكومة الأكثر اهتماما بتفعيل القوانين المعطلة التي تساعد علي توازن الأسواق, وفي مقدمتها قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وقانون حماية المستهلك, لكن التطبيق الصحيح لهذه القوانين خاصة منع الممارسات الاحتكارية يأخذ وقتا طويلا إلي أن يتم إرساء البعد المؤسس للأجهزة العاملة في هذا المجال التي تحتاج إلي جيش صغير من القوانين والخبراء القادرين علي ضبط الممارسات الاحتكارية في الأسواق, كما يحتاج الأمر إلي تعديلات مستمرة في منظومة القوانين كي يكون لها أنياب وأظافر.
} سيادة الوزير: أظن أن التطبيق الصحيح لهذه القوانين يحتاج قبل ذلك إلي انضباط في أداء الحكومة يمنع أعضاءها وأعضاء البرلمان من البيع والمتاجرة؟!
}} الوزير: أنا معك علي طول الخط, وأقول لك صراحة لقد دفعنا ثمنا باهظا لأننا تأخرنا في أمرين أساسيين: أولهما تأخر صدور القواعد والقوانين الرقابية وثانيهما ما نص عليه الدستور من ضرورة التصدي لقضية تعارض المصلحة وشبهابها.
} سيادة الوزير: أرجو ان تفصح لي بعض الشئ عن المقصو من تعارض المصلحة وشبههاتها؟
}} الوزير: إنها تعني نفس الكلمات التي قلتها انت لان الدستور يمنع اشتغال من يمسكون بعدد من المناصب المهمة من البيع أو الشراء.
} سيادة الوزير: أشكر لك هذه الصراحة, ولكن إذا كان التسعير الجبري للسلع الأساسية يتعارض مع قواعد تحرير الأسواق, فلماذا ترفض الحكومة الأخذ بنظام السعر الاسترشادي الذي يقوم علي حساب كلفة الإنتاج إضافة إلي تحديد نسبة من الربح العادل علي الأقل لحصار جشع هؤلاء الذين يرفعون الأسعار دون وجود مبررات حقيقية ويستثمرون أي خانق اقتصادي لرفع أسعار السلع.
}} الوزير: لست في حاجة إلي أن أدلل علي صحة فساد التسعير الجبري, لأنك تعرف جيدا أن التسعير الجبري لايجارات المساكن هو الذي أوجد أزمة الإسكان وكان السبب الرئيسي في توقف بناء العقارات والأمثلة كثيرة, لأن التسعير الجبري يقتل المنافسة التي تشكل العامل الرئيسي الذي يضمن حيوية الأسواق وتوازنها, ولأن الحالة المصرية تلزمنا حماية الفئات الأقل قدرة في المجتمع فلا مناص من تطبيق قوانين ملزمة تحمي حقوق المستهلكين, كما فعل وزير التجارة المهندس رشيد عندما ألزم شركات الأسمنت بالإعلان عن سعر البيع علي كل شيكارة وبدون ذلك يتعرض صاحب المصنع إلي عواقب وخيمة, وما من شك أن من حق الدولة أن تضع الإطار القانوني الذي يحافظ علي المنافسة في الأسواق, وأن تتدخل من خلال تشجيع الجمعيات الاستهلاكية علي البيع بأسعار منافسة وتنظيم قواعد مراقبة الأسواق واللجوء إلي سعر استرشادي يعطي مؤشرا قويا علي حالات الجشع, وتشجيع جمعيات حماية المستهلك لأنه لا خير في سوق لا رقابة ولا إشراف عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق