كله إلا الموت..
له هيبته، ومهابته.. جلاله، واحترامه.
حين يدق باب أحد، ليس علينا إلا أن نحنى رؤوسنا ونتذكر حكمة الله ونستعيد حقيقة أن الموت سوف يلاحق كلاً منا. قاس ومؤلم. هو المسؤول عن أصعب عذابين فى الحياة: الفقدان والفراق.
عندما يقبض الموت نفساً، فإن الواجب أن نتشاطر الأحزان لكى تهون الأوقات العصيبة. الذين يشمتون فى الموت يضيفون إلى عذاباته قسوة. الذين يتكبرون فوق لحظة حلوله قلوبهم من أحجار.
توفيت قبل أيام ميشال، الزوجة الشابة للوزير السابق يوسف بطرس غالى. ماتت قهراً. أضاف الكمد مشاعر مؤلمة فوق ما أورثته من حزن لأسرتها.. فتضاعف الحزن. تراكمت قسوة الزمن فوق كاهل المتعبين.
سافر يوسف بطرس - أو هرب - خارج البلاد قبل أن تتغير مصر بيوم واحد. غادرها يوم ١٠ فبراير الماضى. ترك مبارك الحكم يوم ١١ فبراير. من وقتها تلاحقه قضايا مختلفة. صدر حتى الآن ضد يوسف حكمان قضائيان: ثلاثون عاماً، وعشرة أعوام.
من حق البلد أن يحاسب الوزير السابق. تختلف أو تتفق معه فإن على القانون أن يأخذ مجراه.. ومع ذلك علينا أن ندرك أن فينا من لا يعقل أن يكون وزير مالية مصر راغباً فى أن يحصل على عمولة تافهة من صفقة اللوحات المعدنية للسيارات.
راجع هاتين الكلمتين: (وزير المالية).. تحت يده ألف باب وباب للفساد والإفساد لو كان فاسداً.. فكيف ينظر إلى صفقة لوحات. إما أنه غير فاسد، أو أنه من الفاسدين ولكن القانون لا يقدر على ملاحقته.
نجح يوسف، اختير أفضل وزير مالية فى العالم ثلاث سنوات متعاقبة، ضاعف الضرائب، أجرى إصلاحاً تاريخياً فى نظامها، مليارات مهدرة دخلت الخزانة العامة، أجبر رجال الأعمال والشركات الكبيرة أن تدفع، فارتفعت الحصيلة من ٤٥ مليار جنيه إلى ١٨٠ مليار جنيه فى السنة.
لا يمكن أن ننسى أنه أغلق ثغرة المناطق الحرة. كان رجل الأعمال يقيم مصنعاً أو شركة فى منطقة حرة فيتمتع بالإعفاء ثمانى سنوات.. ثم قبل ذلك يغير اسم الشركة ويحصل على إعفاء جديد.. هو أنهى هذا التهرب.
يوسف بطرس ابن عائلة مصرية تاريخية. كان وزيراً مهماً لا يضاهى إلا شخصيات بوزن نوبار باشا. كان رئيساً للجنة النقدية والمالية فى صندوق النقد الدولى. تختلف معه أو تتفق.. انقضى زمنه ومضى عصره. نحاسبه بالقانون.. لكن ما ذنب أولاده المصريين ألا يتمكنوا من أن تجدد جوازات سفرهم فلا يستطيعوا أن يلتحقوا بالمدارس فى إنجلترا، وتموت أمهم قهراً.
صدرت الأحكام ضد يوسف بطرس ليس ضد أبنائه. حتى لو كان فاسداً فإن أبناءه لن يسجنوا معه. لا يوجد قانون يقول إن على الأبناء أن يدفعوا ثمن ما فعل الآباء.
سفاراتنا فى بيروت ولندن خالفت القانون، حجبت عمداً أحد حقوق المواطنة عن صبية مصريين، ضاعفت العقوبة على أسرة وزير متهم دون أن يخولها القانون ذلك، سجنت الأطفال فى أوراق انتهت تواريخها، ثم أعطتهم إياها بعد أن ماتت أمهم حزناً وكمداً.
لو كان يوسف وقت وفاة زوجته فى عز سلطته لامتلأت الصحف بعشرات من إعلانات التعازى، وتدافع المعزون إلى الكنيسة البطرسية لكى يصافحوه ويشاطروه أحزانه حتى لو كان فيهم من لا يعرفه أصلاً.
الذى حدث أن بعض الصحف خجلت من نشر خبر وفاة ميشال.الذين نشروه كتبوه بصيغة لم تحترم جلال الموت. ولم أقرأ إلا إعلان تعزية أو اثنين.
من السخف أن صحيفة ادعت عليه أنه (تهوَّد) وكانت من قبل قد ادعت أن معه جواز سفر إسرائيلياً. يتجرأون عليه لأنه خارج بلده، لا يمكن أن يلاحقهم بالقانون. خِسة، لكن كيف يتجرأون على القارئ ويكذبون عليه ويقولون هذا بعد وفاة زوجته ميشال بأيام، خِسة مضاعفة. newton_almasry@yahoo.com
.
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة المصرى اليوم
و يحظر نشر أو توزيع أو طبع أى مادة دون إذن مسبق من مؤسسة المصرى اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق