قراءة حسابية في
مسألة الشرعية
جاءت ثورة 30 يونيو
لتنزع الشرعية عن حكم مرسي والاخوان. ولكن هل كان لهم شرعية من الأساس؟
البداية.. 24 يونيو 2012 .. الساعة
الثانية ظهرا:
"كنت أتمنى أن يتم اعلان النتائج اليوم في أجواء احتفالية
لا يعكر صفوها شيئ، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ... فقد واجهت اللجنة من اللحظه
الاولى وقبل أن تبدأ عملها حربا شعواء، وحملات تخوين وتشكيك شنتها العديد من القوي
السياسية المختلفة... و نفذ البعض حملات ممنهجه لخلق مناخ كاذب يوحي بالتزوير، اذا
لم يفز من أرادوا فوزه".
كلمات المستشار فاروق سلطان رئيس لجنة
الانتخابات الرئاسية أثناء اعلان نتيجة انتخابات 2012، أثارت حيرة المصريين، و
خوفهم. فهل تعرضت اللجنة فعلا لضغوط للاسراع باعلان النتيجة قبل انتهاء التحقيقات
في مزاعم التسويد ومنع الأقباط من التصويت وارهاب الناخبين و اختراق المطابع
الأميرية؟
بعد عامين من هذا الخطاب، لجأت لجنة
الانتخابات الرئاسية الى مادة في الاعلان الدستوري تحصن قراراتها، لترفض الطعن المقدم
من الدكتور شوقي السيد. بينما هناك قضية تحمل رقم 504 لسنة 2012 والتي قدم فيها المستشار
عادل إدريس قاضي التحقيق أدلة الثبوت والاتهام ضد محمد مرسي وأعوانه و أمر بحبسه
على ذمة التحقيق في تزوير انتخابات الرئاسة، بعد أن تنحى عن نظرها قبله ثلاثة قضاة
لاستشعارهم الحرج، وهي قضية لا يلحقها التقادم، حتى و ان طال الاتهام فيها أعضاء
في السلطة القضائية.
واذا كانت الاجراءات القضائية والأدلة
الجنائية لها مسارها وتقديراتها، فان الارقام الحسابية لها دلالاتها أيضا.
فطبقا للبيانات الرسمية، كان الاقبال
في انتخابات 2012 الجولة الأولى 23 مليونا
672 ألفا ، بنسبة اقبال 47% ، بينما قفز في الجولة الثانية الى 26 مليونا و420
ألفا ، بزيادة أكثر من 3 ملايين صوت و نسبة اقبال 52% ،رغم أن وسائل الاعلام يومها
تحدثت عن ضعف المشاركة بل و المقاطعة الواسعة أحيانا من أنصار المرشح حمدين الذي
حصد ما يقرب من الخمسة ملايين صوت في الجولة الأولى. هذه البيانات ليست جديدة،
ولكن الجديد أن الاستحقاقات الانتخابية التالية أظهرت ان أرقام جولة الاعادة كانت
استثنائية بشكل مريب. في استفتاء دستور 2012 هبطت نسبة الاقبال الى حوالي 32%، لتعود
للارتفاع قليلا في استفتاء 2014 الى 39% . أما في انتخابات الرئاسة 2014 فقد وصلت
نسبة المشاركة الى 47% و ذلك بعد اضافة يوم ثالث لأيام التصويت، وسط حشد اعلامي و
حكومي و شعبي غير مسبوق، وهي نفس نسبة المشاركة في الجولة الأولى لانتخابات 2012.
ما الذي حدث حقيقة في جولة الاعادة
لانتخابات 2012؟ كيف قفزت نسبة المشاركة بشكل مفاجئ يومي السبت و الأحد 16 و 17 يونيو 2012؟ من أين جاءت كل هذه
الحشود، رغم ما قيل وقتها من سفر الكثيرين لقضاء أجازة الصيف؟
البيانات الرسمية تقول أن الطفرة في
أعداد الناخبين حدثت بشكل أساسي في محافظات الصعيد، و خصوصا في اللجان الفرعية
الواقعة على حدود المحافظات بعيدا عن المدن الكبيرة. وهي ذاتها المحافظات والمراكز
التي شهدت عمليات ممنهجة لمنع الناخبين الأقباط من الادلاء بأصواتهم، ولعبت
العصبية القبلية فيها دورا لترهيب ناخبين آخرين.
الرسم البياني التالي يشير الى تغير ملحوظ
و مفاجئ في نمط التصويت في محافظات بني سويف، والمنيا، والفيوم، و أسيوط، بينما
بقي ثابتا في المحافظات الكبيرة كالاسكندرية.
بل ان محافظة المنيا بالتحديد شهدت ظاهرة غريبة، وهي حصول المرشح محمد مرسي في الجولة الثانية على عدد أصوات يساوي مجموع ما حصل عليه كل المرشحين ال 13 في الجولة الأولى.
بل ان محافظة المنيا بالتحديد شهدت ظاهرة غريبة، وهي حصول المرشح محمد مرسي في الجولة الثانية على عدد أصوات يساوي مجموع ما حصل عليه كل المرشحين ال 13 في الجولة الأولى.
والمثير أن محافظات الصعيد التي شهدت
هذه الطفرة في الاقبال، شهدت أيضا ارتفاعا مفاجئا في نسبة التصويت لمحمد مرسي،
لتصل بشكل غير مسبوق الى حدود 80% ، بينما كان المتوسط الذي أعلنته لجنة
الانتخابات 51% فقط من الأصوات لمحمد مرسي. وهو ما يزيد الشكوك في أن الطفرة
المفاجئة في أعداد الاقبال في محافظات الصعيد اتجهت كلها لصالح مرشح الاخوان.
هذا النمط يتفق أيضا مع ارتفاع آخر في مناطق حدودية بعيدة عن السلطة المركزية مثل
أطراف محافظة مرسى مطروح و شمال سيناء و الوادي الجديد، كما يظهر من الرسم البياني
التالي الذي يوضح نسبة الاصوات التي حصل عليها كل مرشح في جولة الاعادة:
حسابيا، فان شكوكا كثيرة تحوم حول شرعية
حكم الاخوان. هل فاز مرسي فعلا بانتخابات 2012؟ كيف حصل على دعم النشطاء الثوريين
يحتشدون له في التحرير ، ويتحلقون حوله في اتفاق فيرمونت، موفرين الغطاء السياسي لاعلانه
الأحادي الجانب بالفوز بالانتخابات بعد منتصف الليل، ومشاركين مع جماعته في
التهديد بحرق البلاد ان لم يتم اعلانه رئيسا، وهو الذي تبرأ من وعوده لهم بعد أن اختطف
منصب الرئاسة بوضع اليد؟
لابد من استكمال التحقيق في عمليات
التزوير الموسعة التي صاحبت انتخابات 2012 بجولتيها، و تحديد المتواطئين مع
الاخوان، سواء من جماعة قضاة من أجل مصر أو غيرهم، والرشاوى التي تم دفعها، حتى
نستخرج الدروس والعبر، من أجل الوصول الى نظام انتخابي أكثر شفافية ونزاهة مستقبلا.
هذا حق للمصريين جميعا.
م/ أحمد سرحان