2011-12-31

الفريق أحمد شفيق: الجيش هو «الأب» الذي حمى الثورة وخطأ مبارك القاتل.. ابنه


الفريق أحمد شفيق: الجيش هو «الأب» الذي حمى الثورة وخطأ مبارك القاتل.. ابنه
رئيس الوزراء الأسبق والمرشح المحتمل للرئاسة في حوار مطول مع «الشرق الأوسط»: مصر ستظل دولة مدنية
الفريق احمد شفيق («الشرق الأوسط»)
محمد مصطفى أبو شامة وأحمد الطاهري
الطريق إلى فيلا الفريق أحمد شفيق في القاهرة «الجديدة» استغرق أكثر من ساعتين في ظل اضطراب مروري غير مسبوق تشهده القاهرة «القديمة»، رغم محاولات الحكومة المصرية برئاسة الدكتور كمال الجنزوري، ممثلة في وزير داخليتها أن تعيد الانضباط المفقود للشارع المصري.هذا «الانضباط» أو الـ«system» بحسب قول شفيق هو مفتاح الحل لكل أزمات مصر، يقول هذا وينفي ارتباط مفهوم «الانضباط» الذي يقصده بالعسكرية التي قضي فيها معظم سنوات عمره حتى وصل إلى منصب قائد القوات الجوية في الجيش المصري قبل أن يختطفه العمل المدني عام 2002 وزيرا للطيران ثم رئيسا لوزراء مصر في أصعب أيام مرت عليها خلال عام 2011.
ويستعد الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء لمصر في عهد الرئيس حسني مبارك، للإعلان رسميا خلال أيام عن نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهو القرار الذي أربك حسابات الكثيرين من مرشحي الرئاسة المحتملين، ودفع الدكتور محمد البرادعي أبرز المرشحين لهذا المنصب لأن يخرج عن صمته تجاه منافسيه واصفا ترشح شفيق بأنه رسالة تعني أن نظام مبارك لم يسقط.
شفيق الذي تخطى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عامه السبعين، لا يرى غضاضة في ترشحه بعد أن خرج آلاف المتظاهرين في مارس (آذار) الماضي ينادون بسقوط حكومته، لأنه يؤكد أن هذه المظاهرات كان وراءها مؤامرة دبرها البعض لإخراجه من السلطة، كما أنه يرفض ادعاء البطولة بالقول إن مبارك كان يريد حرقه سياسيا عندما دفع به إلى مقدمة المشهد في نهاية عهده.
يدخل شفيق سباق الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر مشفوعا بتاريخه العسكري الطويل وتجربته الناجحة في العمل المدني كوزير، مقتنعا بنفسه كقائد ناجح وكخبير في الإدارة، يضع على قائمة أولوياته كرئيس محتمل قضايا رئيسية منها جذب الاستثمار وضبط المرور في الشارع وعودة أهل النوبة إلى أراضيهم، وكذلك إقامة منطقة حرة على ضفتي قناة السويس.
ويقف انتماؤه السابق للمؤسسة العسكرية ولنظام مبارك كحائل قوي أمام طموح شفيق الرئاسي، فالمزاج السياسي العام في مصر بعد الثورة أصبح أكثر ميلا لمدنية الرئيس القادم، ولكن ليس «المزاج» فقط هو ما سيحسم المنافسة الرئاسية القادمة فهناك ثلاث قوى رئيسية تهيمن على «الملعب» السياسي المصري، إذا استطاع أي مرشح أن يضمن تأييد اثنتين منها، يمكن له أن يختطف «كرسي» حكم مصر، هذه القوى - وفق وصف شفيق لأفراد الأسرة المصرية - تتمثل في أخين؛ أصغرهما شباب الثورة، وأكبرهما جماعة الإخوان المسلمين، أما الأب فهو القوات المسلحة المصرية. وإلى نص الحوار.
* أيام قليله وينقضي عام على أحداث 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وهي فرصه كافية لكي نحكم على الحدث ونعيد تسميته بشكل دقيق، هل كان ثورة أم انتفاضة أم انقلابا في وجهة نظركم؟
- مؤكد هي ثورة، ولقد أطلقت عليها في الأيام الأولى اسم «حركة» وقد يكون مرجع ذلك أنني من الجيل الذي عاصر ثورة يوليو 1952 وكان قد أطلق عليها حركة لفترة طويلة، أما ثورة 25 يناير فهي ثورة الجيش والشعب.. ويمكن من الناحية الأخرى يقول أحد إنه بمواصفات الثورة والقيادة المطلوبة للثورة لم يكن هذا موجودا ولكن الحقيقة حجم الدور الشعبي وتكاتف كل المؤسسات يقطع بأنه يجب أن يعتد بها كثورة حتى وإن لم يكن لها قائد أو زعيم أو رئيس.. هي ثورة واجتمع لها عدة عناصر لتثبيت أركانها.. ثورة أطلقها الشباب ونجحت بالشباب ووضعوا الأساس لها.. وليس هناك شك أن بناءهم للأساس بمفردهم كان سيحتاج وقتا طويلا لكي يزداد رسوخا، وإحقاقا للحق جاء دور الإخوان المسلمين بحجمهم وثقلهم عندما شاركوا الشباب في الميدان من يوم 28 يناير فازدادت رسوخا واستقرارا، كثافة الميدان تأكدت.. ثم جاء دور الجيش، وكما يستهويني القول إن القوات المسلحة فردت أجنحتها على كل هذه المجموعة شبابها وإخوانها.. فأمنتهم.. فأمنت الثورة على نفسها.. فنجحت.. وبهذا الحجم أصبحت ثورة شعبية فنستطيع القول إن الأخوين - الشباب وإخوانهم الكبار في الإخوان المسلمين - وأبوهم في القوات المسلحة، عندما تكاتف أفراد البيت تغير نظامه وحدث ما حدث.
* كنت رئيسا لوزراء مصر 34 يوما، كانت واحدة من أصعب الأيام في تاريخها؟ كيف تقيم تجربتك القصيرة في الحكم؟ وهل أصابك الندم بعد ذلك على اتخاذ هذا القرار؟ وإلى أي مدى أسهمت هذه التجربة في قراركم بالترشح لمنصب أعلى وهو منصب رئيس الجمهورية؟
- الـ34 يوما كانت صعبة.. القرارات والتوقيت الدقيق للغاية، وليس هناك شك أن الحمل كان ثقيلا جدا.. لكن في الواقع كانت أفضل بكثير من الفترة التالية؛ فمثلا الأسعار انخفضت ولم تستفحل وقتها ظاهرة البلطجية التي أصبحت ظاهرة شهيرة في الشارع المصري على مدى التسعة أشهر الماضية، أي لم تكن هناك معاناة مجتمعية للجمهور غير متاعب عدم الانتظام التي اقتضتها ظروف الثورة مثل المواصلات، ولكن من حيث الظروف الحياتية للجمهور كانت أفضل.
بالنسبة لي على المستوى الشخصي كمنصب في هذا التوقيت، المعاناة الحقيقية تزايدت مع الشعور الذي كان يبديه ميدان التحرير أو بعض العناصر في الميدان من رفض وجودي في الوزارة، وهذا لم يكن من اليوم الأول في المنصب بل كانت المناداة في بداية الأمر بتغيير عدد معين معي في مجلس الوزراء ثم بدأ معدل الضغط على اسم أحمد شفيق يزداد وهذه كانت المعاناة الحقيقية.. ولكن لا أنكر أن الذي أتعبني معنويا شعوري بأن الميدان في جزء كبير منه ينادي بتركي للموقع.
* ما تفسيرك إذن لهذه الأصوات التي ارتفعت للمطالبة بسقوط حكومتك؟
- التفسير واضح جدا لدي الآن، لأن الشباب الذي نادى بخروجي يأتون الآن إلى بيتي متفاعلين معي جدا ومتفاهمين معي جدا وذكروا لي كل التفاصيل والأسباب التي كانت وراء مناداتهم.. ومن الذي كان يدفعهم إلى ذلك.
* هل الموضوع يحمل أسرارا أم أن هناك مؤامرة قد دبرت لإخراجك من السلطة؟
- هذا الموضوع تستدعي الظروف الراهنة للدولة أن أؤجل الحديث فيه لوقت آخر، ولكن يمكن أن أقول إنه كانت هناك حملة منظمة أدارها البعض لإسقاط الحكومة.
* ألم تندم على قبولك رئاسة الوزراء في هذا الوقت الصعب؟
- إطلاقا.. فكرة الندم هذه ليست موجودة.. وإذا تكررت التجربة كما هي سأخوضها.. بداية أنا رجل بطبعي مقاتل.. لا أستهدف المهام السهلة.. بالعكس من يريد البناء يبني في الصعب وليس في السهل.. أنا رجل تمت مناداتي في توقيت كانت البلد فيه في محنة لعلي أستطيع أن أقوم بدور، وقبل ذلك بثلاث سنوات كان يقال أحمد شفيق سيتولى رئاسة الوزراء وفي الخارج أيضا كانوا يتحدثون عن ذلك وكتب في «وول ستريت جورنال» بوضوح أن هذه الشخصية مرشحه لكذا وكذا وكذا.. وهذا الكلام كان يتردد وأنا كنت أسمعه جيدا ولكني كنت أعلم أنني لن أعين رئيسا للوزراء.
* لماذا؟
- لأن أسلوب العمل والتداخل الذي كان يتم بين الحزب الوطني بكوادره العليا ومجلس الوزراء.. لم يكن أبدا سيصلح معي بحال من الأحوال وأعتقد أن الكل كان يعي ذلك ولم يحدث حتى محاوله لتكليفي بالموضوع.. ولذلك كان الناس يقولون ستأتي رئيسا للوزراء وكنت داخليا أعرف أنه لن يحدث.
* تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال» الذي أشرت إليه، طرح اسمك بشكل علني للمرة الأولى كخليفة لمبارك.. كان ذلك في منتصف ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وقبل أيام قليلة من الثورة، هل كان ذلك دافعا لاختيار مبارك لك في منصب رئيس للوزراء كي يقوم «بحرقك» سياسيا حسب المفهوم الشائع؟
- للتوضيح هم في البداية تحدثوا عن ترشيحي لرئاسة الوزراء، ثم بعد ذلك تحدثوا عن خلافتي لمبارك، أما فيما يخص الحديث عن أن مبارك كان يقصد حرقي سياسيا فلا أعتقد ذلك على الإطلاق.. لأن حرق أحمد شفيق في هذه الفترة كان يعني حرقه هو أيضا.. والرئيس السابق وقتها كان يريد حل المشكلة.. ولم يكن يعنيه مسألة حرق أحمد شفيق قدر الخلاص من الموقف والنجاة بنفسه.. ولذا فقد شعر أن أفضل من يستطيع التعامل مع هذا الموقف هو أحمد شفيق.. فأتى بي.. والموضوع كما أقوله بهذه البساطة ولا يمكن أبدا أن أدعي دور بطولة وأقول إنه كان مطلوبا حرقي أو أشياء من هذا القبيل.
* هذه التجربة غير السعيدة - ولن نقول المؤلمة - لك في رئاسة الوزراء، وهذه الميادين التي خرجت للمطالبة بإسقاط أحمد شفيق.. وتقول إنه كانت هناك مؤامرة.. هل من المنطقي أن يدفعك هذا للتفكير في منصب أكبر وهو منصب رئيس الجمهورية؟
- أكثر من منطقي.. لأني علمت أبعاد المناداة بتركي للوزارة.. ولم تكن مناداة شعبية ولكنها مناداة أبعادها واضحة أمامي مثل الشمس ومن أدارها أطراف داخلية مدنية.
وأعود إلى السؤال حول أسبابي لاتخاذ قرار الترشح للرئاسة.. عندما تركت الوزارة جاءني في اليوم التالي أمام منزلي نحو 4000 مواطن.. وأصبح الموضوع يتكرر كل يوم جمعة، وهو ما دفعني إلى أن أكتب على الإنترنت: «رجاء أعتذر وأشكركم ولكني غير موجود بالمنزل». وكنت أدعي ذلك حتى لا أرهق الناس وأرهق جيراني.. وعلى مدار الأسبوع طوال الفترة الماضية تأتيني أفواج من البشر وينادونني بأن أرشح نفسي.. وكنت أستغرب وفي بعض الأوقات فسرته على أنه من باب التعاطف معي وأن الكثيرين غير راضين عن خروجي من رئاسة الوزراء. ولكن التعاطف لا يدفعهم إلى هذا الإصرار.. وما أعلمه جيدا أن هناك أناسا كثيرين يقدرون الدور الذي يعلمونه عني في وزارة الطيران على مدار عشر سنوات. لذا أعتقد أن من طالبوني بالترشح أخذوا الموضوع برمته تعاطفا معي في تركي للوزارة واقتناعا بتجربتي في الطيران المدني، كما أن أسلوبي في إدارة الدولة على مدى 34 يوما كان محل تقدير أيضا..
* لكنك صرحت بعد خروجك من الوزارة أن ترشحك للرئاسة مستبعد؟ ما الذي غير موقفك؟
- الموضوع حقيقة كان مستبعدا في ذهني تماما في البداية وكنت أخرج لهم وأشكرهم. ولكن شهرا وراء شهر وبمعايشتي عشر سنوات في العمل العام المدني ومن خلفها أربعون عاما من الخدمة في عمق العمق بالقوات الجوية وكلها مواقع قيادية؛ وهو موضوع ليس سهلا على الإطلاق ربما لا يعرفه من في الخارج لكن من في الداخل يدرك ويشعر تماما ماذا فعلت عندما توليت القوات الجوية.. مع هذه الخبرات كنت أراجع خلال الأشهر الماضية ما يصدر من قرارات ومواقف حيال ما نقابله من مشاكل وسرعة رد الفعل لم تكن بالشكل المطلوب.. خلاصة القول شاهدت إدارة تدفع الإنسان إلى اليأس، وكنت مندهشا لأسلوب حل المشاكل من جانب الحكومة السابقة.. ووجدت كل ما حذرت منه يحدث.. والمشاكل لا تحل وتزداد تعقيدا.. وعلى المستوى الشخصي كنت قلقا على حياة أسرتي.. هل يعقل أن نتعايش مع البلطجية في الشارع؟! وهل يعقل أن نخشى الخروج في أوقات متأخرة ونشعر بالقلق ونحن نوصل أولادنا إلى المدارس ولا يوجد ردود فعل؟! الخراب الذي يحدث عندما نسكت عليه سنعتاده.. مثلما اعتدنا على وجود أكوام القمامة.. إن الأخطر من السكوت على المشكلة تركها حتى يعتاد الناس عليها ثم يتعايشون معها وتصبح جزءا من حياتهم.. وأضف إلى ذلك التصاعد الخطير في الأسعار بلا رابط وبلا معنى وزيادة معاناة الأسر المصرية بشكل قاس يهدد بتفجر البيوت من داخلها.. هذا أمن قومي.. هناك حالة رعب تسيطر على الناس.. كل هذا دفعني للتفكير واتخاذ قرار الترشح.
* قائد للقوات الجوية. وزير للطيران. رئيس للوزراء. ثلاثة مناصب قيادية بارزة تزين سيرتك الذاتية.. في رأيك ما أوجه التشابه والاختلاف بين هذه المناصب؟
- قد تستغرب إذا قلت إن القيادة هي القيادة في أي موقع.. مهارات وأدوات القيادة لا تختلف من موقع لآخر.. الانضباط والالتزام.. لذا لا تجد فجوة مثلا عند الأوروبيين بين المدنية والعسكرية لأن هناك التزاما في الشارع والمواطن في جميع الأحوال ملتزم.
* في ضوء الحديث عن المدنية والعسكرية.. كنت عسكريا لمعظم سنوات عمرك وقضيت سنوات نضجك مدنيا، بحكم هذه الخبرة بين الحياتين العسكرية والمدنية ما أسباب سوء الفهم المتنامي بين الجيش والشعب في الشهور الأخيرة؟ وهل وصلت العلاقة إلى مرحلة الخطر في ضوء الأحداث الأخيرة؟
- لا يمكن أن يصل الموضوع لمرحلة الخطر.. الموضوع بالضبط مثل الأسرة التي ينشأ بداخلها خلاف ولكن إذا تفجر الخلاف سيكون على رأس الجميع.. الكل سيخسر.. ولن نصل إلى هذه المرحلة أبدا ومهما حدث لن نسقط في الخلاف المباشر بين الجيش والشعب لأنه دمار على الجميع ولا يستطيع أحد قياس أبعاده، وعلينا أن ندرك أننا نخوض تجربة خاصة إلى حد ما، فلقد أوكلت للقوات المسلحة مهمة ثقيلة للغاية في ظروف البلد فيها غير منتظمة.. الاندفاع القوي الذي حدث للحركات السياسية والأحزاب المختلفة صعب أيضا من المهمة.. فكل المتغيرات حدثت في توقيت واحد.. ظهر الإخوان وظهر السلفيون وآخرون. وكل طائفة تخرج إلى الساحة تستدعي خروج طائفة أخرى لكي تعبر عن نفسها أيضا..
* هل ستتحمل مصر كل هذه الطوائف والفرق السياسية التي خرجت بعد ثورة يناير؟
- الطاولة المصرية الآن عليها الكثير من المجموعات؛ الإخوان والسلفيون والصوفيون والمسيحيون والبدو، بالمناسبة لا أحد يعرف أن عدد البدو يصل إلى 18 مليونا.. كذلك أهل النوبة.. ترى هل سيكون في بلدنا طوائف أخرى؟ الموضوع مفتوح.. العملية في البداية كانت «مسلم ومسيحي» والمشاكل تتصاعد لو واحد من هنا «يعاكس» واحدة من هنا «ويتخانقوا شوية وبعدين يتصالحوا».. اليوم الموضوع مختلف وهذا الكلام أقوله للجميع.. الموقف الآن يحمل عنصر قوة وهو أمر خطير، هذه القوة مصدرها أن شعورنا بطائفيتنا يعطي نوعا من حب الذات والرغبة في الارتقاء بالمستوى، ومسموح للجميع أن يرتقي بشكل رأسي سياسيا واقتصاديا.. لكن حذار من الزحف الأفقي وأن تجور على حساب الآخرين.. لأن المشكلة الآن أصبحت متعددة الأطراف.. التشابكات على قدر ما فيها من تنافسية لمصلحة المجتمع.. إلا أنه يلزم وجود يد قابضة حديدية للدولة تطبق الحدود وتجبر الجميع على القواعد المنظمة دون هرج ومرج وتسيب.. الكل في محله يجتهد محترما للآخر.. الكل يمارس حريته ولكن حريته تنتهي عند حرية الآخرين ويجب أن نقر بذلك.. لا بد من هضم هذا الطابع حتى نستطيع العيش بشكل أفضل مما كنا فيه.. ولكن الواقع الجديد هذا إذا ما صاحبه انفلات ستكون العواقب وخيمة.
* نعود للجيش وعلاقته بالشعب.. في رأيك ما أسباب ما وصلنا إليه؟
- فيما يخص الجيش، ظروف كثيرة تكاتفت.. بداية لو أحسنت الحكومة – أقصد حكومة عصام شرف - وهي الجهة التنفيذية المنوط بها إدارة الدولة، ولو كانت أكثر حسما في وضع الأمور في نصابها الصحيح لكانت وفرت دورا كبيرا على القوات المسلحة وكانت قللت من حجم التدخلات التي حدثت، بأن تشكل جسرا بين القوات المسلحة والشعب.. من المفترض أن القوات المسلحة تقوم بمهام رئيس الجمهورية.. هل كان رئيس الدولة يؤدي كل المهام التي تؤديها الآن القوات المسلحة؟ بالطبع لا.. والسبب في ذلك عجز الوزارة.
* على ذكر الحكومة السابقة ما مدى صحة أن الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء الأسبق طرح عليك ضم الدكتور عصام شرف إلى التشكيل الوزاري الذي أعقب تنحي مبارك وأنك قابلت طلبه هذا بالرفض؟
- بالعكس.. لقد التقيت الدكتور عصام شرف وكان الدكتور يحيى الجمل حاضرا، وعرضت عليه وزارة الصناعة وتناقشنا وغادر من عندي على أنه سيتولى وزارة الصناعة واعتذر في اليوم التالي وأبلغني بالاعتذار بطريق غير مباشر عبر أحد الزملاء في اتصال هاتفي.. وأعتقد أن عصام وقتها استشعر أو علم أن هناك نوعا من التخطيط على أنه سيكون الحصان الأسود للثورة، ففضل الابتعاد.. لست متأكدا من هذا لكن يجوز.
* قمت بتعديل وزاري عقب تنحي مبارك، ما الفلسفة التي حكمت هذا التعديل؟
- كان هذا التعديل في منتصف الفترة التي قضيتها رئيسا للوزراء، وكنت أقصد منه الاستعانة بمجموعة من المعارضين، ليكون هناك ائتلاف من القوى السياسية، صحيح لن تكون وزارة ائتلافية بالمعنى الدقيق لأن رئيس الوزراء في نهاية الأمر هو الذي يعين، ولهذا كان اختياري لوزير السياحة منير فخري عبد النور ووزير التضامن الدكتور جودة عبد الخالق والدكتور يحيى الجمل الذي أحمل له كل تقدير، فالدكتور الجمل كان من أجرأ الناس على الإطلاق في كتاباتهم في عهد الرئيس السابق، كان يكتب بمنتهى القوة وبمنتهى الأدب والأصول ولم يكن مثل الذين يهاجمون من الخارج وهم في مأمن من أن تطولهم يد السلطة، كان الجمل معارضا عف اللسان وقويا.
* في الحادي عشر من فبراير (شباط) الماضي أعلن السيد عمر سليمان تخلي الرئيس مبارك وتكليفه للمجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، كيف قرأت هذا القرار في حينه؟ وكيف صيغ هذا القرار الذي يعني هدم كل مؤسسات الدولة ووضع كل الصلاحيات في يد القوات المسلحة وما تقييمك لأداء المجلس في هذه المهمة؟
- كان من الممكن أن توكل هذه المهمة لنائب الرئيس أو لرئيس مجلس الشعب.. لكن الثورة العارمة التي كانت في الشارع وقتها، لم يكن هناك غير القوات المسلحة فقط هي من يستطيع الإلمام بأمور الدولة، وجدت القوات المسلحة نفسها فجأة في هذا الموقف الصعب، هي لم تذهب لقطف وخطف ثمرات، ولقد كانت قادرة على أن تقول للرئيس السابق تنحى قبل أسبوع على الأقل من هذا التاريخ لأن كل شيء كان منتهيا وكان سيتنحى.. كانت تستطيع أن تفعل ذلك وقتها بكل يسر.
ومعنى الثورة أن «كله من أول وجديد».. وهو ما كان يعني أن كل المؤسسات انتهى دورها فتم حل مجلسي الشعب والشورى ثم كلفت بالاستمرار في الوزارة ولكن بتشكيل جديد.
* ولكن كثيرين يرون أن الثورة لم تحقق أهدافها حتى الآن؟
- لقد جلست مع العديد من الشباب وكانوا يأتون إلى منزلي بأعداد تصل إلى 50 و60 شابا وكان النقاش يمتد لساعات متأخرة من الليل.. وكنت عندما أسأل أحدهم ما هو طلبك، فكان يرد: القيادة تنحت لكن النظام لم يتغير.. وكنت أشرح لهم هيكل نظام الدولة وأسأل بعد ذلك ما هو مطلبك لكي تشعر أن النظام تغير؟ فيرد أحدهم: نقيل حتى درجه مدير عام.. فقلت: اشمعنى مدير عام؟ فيرد: علشان الفساد.. فقلت له ممكن واحد درجته فوق مدير عام وليس فاسدا وممكن يكون هناك أقل من مدير عام وفاسد.. أنت تريد أن نزيل نصف الهرم الإداري أو أكثر ولكن قد يكون في القاع من هو أكثر فسادا، هناك تجربه جيدة في التشيك كتب عنها الدكتور عمرو حمزاوي متمثلة في قانون الفساد والذي بموجبه تمكنت التشيك من القضاء على الفساد بنسبه كبيرة خلال 10 سنوات.. أي أنها عملية تسير مع حركة الدولة ومضيها في طريقها لتحقيق أهدافها..
* وما رأيك في المعتصمين بميدان التحرير حتى الآن؟
- اللى قاعدين في الميدان مش عايزين يمشوا لحد ما الفساد يمشي من الدولة دول مش عايزين مصنعهم يشتغل ولا ورشتهم تشتغل، ومستمتعين بالبقاء تحت راية الثورة عاطلين.. هل يعقل أن يقول عصام شرف الثورة تقترح لي اسم وزير، فيذهب له أفسد ناس في الوزارة ممن تحمل سجلاتهم كل أشكال الفساد وبعد أن يمروا على الميدان.. يدخلوا له المكتب ويقولوا «إحنا عايزين فلان وزير».. ولو اطلعت على ملفاتهم تجدها مرعبة واللي عايزينه وزير هو أيضا له ملف فساد أكثر ضخامة منهم.. هل يعقل هذا؟!
* بشكل موضوعي ما تقييمك لأداء المجلس العسكري خلال ما مضى من المرحلة الانتقالية؟
- لا شك أن هناك بعض الخطوات قد لا أتفق معها.. وقد عبرت عن مواقفي تجاه ذلك، فمثلا أنا لم أكن متفقا مع ما اقترحته اللجنة التي رأسها المستشار طارق البشري من حيث البدء بانتخابات مجلس الشعب.. هذه رؤيتي قد أكون على صواب وقد أكون مخطئا. كما يرى البعض أن هناك تأخرا في بعض القرارات، يعني مثلا قيل إن هناك مصادر تمويل من الخارج لبعض الجهات والتيارات.. كنت أتمنى لو أنهم استطاعوا أن يعلنوا عن مصادرها بشكل أسرع ربما كانت تحسم الأمر بشكل مبكر، لكن ربما هناك انتظار لبعض الأمور حتى تتوافر لديهم.. هناك بعض الأشياء ضبابية كان يمكن الإسراع فيها، كان هذا سيساعد على توضيح المواقف بشكل أفضل لأنهم مسؤولون عن البلد، ولكن مهما كان تقييمنا للأداء فإن ما قامت به القوات المسلحة من دور جنب مصر مشكلات كبيرة، مشكلات ستترك آثارها لعشرات السنين في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، هذا ليس معناه إنكار للشهداء فهم فوق رؤوسنا، ولكن يجب أن نحافظ على مبدأ طالما أردنا أن يكون هناك دولة.. وهو أن تكون جهة واحدة هي التي تحمل السلاح.. إذا وجد السلاح في الاتجاهين لا يمكن تجنب وقوع خسائر ولا يمكن أن يتوقف الدم.
* كتب الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل للرئاسة يوم الأربعاء 28 ديسمبر الحالي على حسابه الشخصي على «تويتر» نصا يقول: «عندما يعلن رئيس وزراء مبارك الذي أسقطته الثورة نيته للترشح ليكون رئيسا لمصر الثورة، فالنظام السابق حي يرزق» ما تعليقكم.. مع الوضع في الاعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي يعلق فيها البرادعي على أي من المرشحين للرئاسة؟
- أقول له نصا: «انتبه لحالك.. وارتق إلى مستوى المسؤولية.. البلد في حل من تحمل الصغائر التي تدور حاليا.. لست قيما على فلان أنه يرشح نفسه أو لا يرشح.. ولكن المواطن المصري هو الذي سيقرر». وهذه ليست المرة الأولى التي يتناولني فيها الدكتور البرادعي بمثل هذا الحديث.. وعموما أنا رجل تاريخي معروف ولدي من التجارب ولدي من الخبرات وحاصل على أرفع الدرجات العلمية والأكاديمية في مختلف المجالات المدنية والعسكرية ولا يعرف كثيرون أيضا أن من ضمن هذه المؤهلات دبلومة في الدراسات الإسلامية وما يشغلني هو خدمه مصر.
* هل جمعتك علاقة سابقة مع الدكتور محمد البرادعي؟
- دعني أقل إنني كنت سعيدا جدا بالبرادعي وهو يطلق كلماته في البداية.. صحيح كان يطلقها من بعيد.. على عكس آخرين مثل يحيى الجمل وحسن نافعة كانوا أكثر جرأة لأنه كان من الممكن أن يلاقوا أذى أو يسجنوا من جراء كتاباتهم، في حين أن البرادعي لديه حصانة دولية ولن يسجن.. وأذكر أنه عندما وصل إلى مطار القاهرة قادما من فيينا على ما أعتقد.. وكنت وقتها وزير طيران، والأمن اعترض على دخول أكثر من 200 شخص لاستقباله للحفاظ على صالة الوصول بالمطار.. أقسم بالله أني قمت بنفسي بالاتصال بمسؤول الأمن وطلبت منه أن يفتح أبواب الصالة على مصراعيها ويسمح بدخول كل من حضر لاستقباله.. لأنني فعلا كنت سعيدا بالبرادعي والتظاهرة القادمة له.. لأن البرادعي كان رافعا راية «لا للتوريث» ولم يكن أحد منا يتحمل موضوع التوريث هذا أبدا، بالعكس كنت منفتحا جدا على البرادعي لكن مع الوقت وجدت هذه الإساءات المتكررة في حقي.
* أثير جدل كبير فجره الصحافي المصري محمد حسنين هيكل حول دور سلاح الطيران في حرب أكتوبر 1973 ، جاء ذلك بعد سنوات طويلة اختزلت فيها عبقرية الجيش المصري في هذه الحرب في شخص مبارك والضربة الجوية الأولى، باعتبارك شاهدا ومشاركا في هذه الحرب ما تعليقك؟
- الحقيقة أننا دائما نبالغ.. فلقد بالغنا في الإشادة بالضربة.. علما بأن أثرها العسكري كان جيدا.. لكن أيضا العبور كان أثره كاسحا.. وعندما قلبنا الدفة بالغنا أيضا.. أي بالغنا في الإشادة وبالغنا في النكران.. سلاح الطيران لم يكن دوره ثانويا أبدا.. ولكن لم يكن صاحب الدور الوحيد.. والقوات الجوية في حرب أكتوبر قبل أن تنفذ خطتها كانت قد رفعت معنويات جنودنا وكسرت حاجز الخوف عندهم، تحقق ذلك عندما رأوا 250 طائرة متجهة لبدء ملحمة تحرير الأرض، ولكن الكل أدى دوره بعبقرية في كافة الأسلحة.. ورغم ذلك لا أنكر أنني أقدر الأستاذ هيكل رغم أنه أساء لي ثم استدرك بعد ذلك.
* ما طبيعة هذه الإساءة وكيف استدرك بعد ذلك؟
- فجأة خرج الأستاذ هيكل في التلفزيون، وقال: رئيس الوزراء رجل عنده همة إلا أن عمق صداقته بمبارك كبير جدا الأمر الذي يدفعه لاستقلال طائرة صباح كل يوم والذهاب إلى شرم الشيخ ليتناول معه قهوة الصباح ويتناقش معه في أمور الدولة ثم يعود، وهو ما يعني أن الدولة تدار من شرم الشيخ.. طبعا كانت هذا الكلام صعبا وأنا لست صغيرا ولكني آثرت الصمت إلى أن كنت – قريبا - في أحد المنتديات وذكر هذا الحديث فقلت إنه على مدار 42 سنة منذ مايو (أيار) 1969 ومنذ تعيين حسني مبارك رئيس أركان للقوات الجوية لم أدخل منزله حتى تنحى عن الحكم في فبراير الماضي.
* هل يستحق حسني مبارك هذه النهاية المؤسفة من وجهة نظرك؟
- القانون هو الذي يقول.
* بعيدا عن قرار المحكمة.. كيف ترى الأمر؟
- ما أراه بمنتهى الصراحة أن حسني مبارك أخطأ خطأ شديدا في موضوع «ابنه».. ويمكن لأني ألمس الموضوع عن قرب أن ابنه كان نكبة عليه وعلى أسرته وعلى البلد كلها.
* لمن أعطيت صوتك في الانتخابات البرلمانية.. لأي القوائم من بين التيارات المرشحة؟ وما تقييمك للعملية الانتخابية؟ وهل ترى برلمان 2012 معبرا عن كل طوائف المصريين وجديرا بكتابة دستور مصر الجديدة؟
- أولا.. لن أستطيع أن أعلن عمن أعطيته صوتي، الأمر الآخر لا تستطيع إنكار أن هناك مدا إسلاميا يجب أن نقر به ولكن هل النسب التي ظهرت سواء في المقدمة أو المؤخرة هي نسب بالغة الدقة؟.. أشك.. ولا أعني بذلك أن عدم الدقة قد تسبب في زيادة نسبة الإخوان فوارد أنه لو كانت هناك دقة كانوا حصلوا على نسبة أعلى أو العكس صحيح، لكن ما أعنيه أنه كان هناك عدم دقة نابع من كونها تجربة أولى وبهذا الاتساع وبهذا الضيق في الوقت وصعوبة الاختيارات وتنوعها لذا أرى أن الانتخابات القادمة ستكون أكثر دقة. أما موضوع الدستور، فأرى أنه من المفترض أن لا تكون هناك علاقة إطلاقا بين المجالس النيابية ولجنة إنشاء الدستور.. لأن المجلس النيابي عبارة عن أهواء المواطنين في لحظة معينة ولمرحلة معينة هي خمس سنوات.. فأهواء المواطنين هذه المرة يمينية.. وارد جدا أن نفس المواطنين تكون أهواؤهم يسارية بعد خمس سنوات.. فمجلس الشعب يعبر عن رغبة المواطنين في الحكم الآن.. لكن الدولة تضع لها دستورا تسير عليه لمدة 100 سنة أو 200 سنة تكون في حاجة إلى لجنة متجردة متوافق عليها بعيده تماما عن المجالس النيابية..
* ما أفضل المعايير من وجهة نظرك لاختيار لجنة الدستور؟
- أن تكون لها مقومات، أولا أن يكون عددها مثلا 100 وتحدد معايير التمثيل، مثلا 30 من القانونيين و20 من الاقتصاديين و20 من رجال السياسة و30 من النقابات وممثل عن الجيش وممثل عن الشرطة وهكذا، ثم تبدأ في طرح ضوابط اختيار كل فئة.. بأن يكون الـ30 قاضيا مثلا بترتيب قانوني بأن يتم توزيعهم على طوائف المجتمع بالنسبة والتناسب حسب أعداد الطوائف، مثلا كم عدد الإخوان المسلمين في جداول الإخوان وليس في البرلمان فيكون للإخوان عنصران مثلا أو ثلاثة وهكذا، والنقابة الفلانية كذا والنقابة الفلانية كذا، بحيث تجد الشعب كله في النهاية ممثلا، ثم يستفتى الشعب وننطلق، أما الآلية المعتمدة الآن بأن يتم اختيار أعضاء اللجنة جميعها من خارج المجلس ولكن بواسطة أعضاء المجلس فلا أراها منطقية.
* هناك صراع واضح أقرته الانتخابات البرلمانية وبات مؤكدا أنه سيزداد اشتعالا خلال الأيام المقبلة بين دولة مدنية ودولة إسلامية إلى أي طرف سينضم أحمد شفيق مرشح الرئاسة؟
- مدنيه.. قطعا.
* مهما كان الثمن الذي قد تتحمله؟
- مهما كان الثمن لأن هذا مبدأ.
* ما تصوركم لنظام الحكم في مصر خاصة مع ما وضح من رغبة لدى الإخوان المسلمين والسلفيين في أن يتحول النظام القائم شبه الرئاسي إلى نظام برلماني يقلص صلاحيات رئيس الجمهورية إلى أدنى حد ممكن؟
- التجربة الحزبية في مصر ما زالت ضعيفة للغاية.. من هذا المنطلق من المستحيل أن نعتمد على نظام برلماني الآن.. على الأقل تكون هناك فترتان تحت نظام رئاسي تكون حدثت ممارسة ووعي ثم بعد ذلك إذا أردت التغيير استفت المواطنين.. ولو تم اعتماد نظام مختلط يجب أن يكون رئاسيا – برلمانيا.
* ولكن هناك دستورا سيبدأ وضعه خلال أيام.. ومن سيضعون الدستور يقولون إنهم يريدونها دولة إسلامية ونظامها برلماني.. ماذا ستفعل.. وهل من الوارد أن تخرج في مظاهرة للتعبير عن رفضك؟
- رأيي سأقوله وأعبر عنه بحرية دون الخروج في مظاهرة لأني أمتلك أدوات التعبير عن رأيي وقد أكتبه في مقال أو أقوله في حديث أو في محفل سياسي.
* وماذا إذا وجدت أن البلد ستختطف لمصلحة فصيل بعينه؟
- لا أعتقد أن هذا سيحدث.
* هل لديك ثقة في التوازنات القائمة؟
- بل أتمنى ذلك.. لأن العكس سيؤدي إلى صدام.
* هل معنى ذلك أن القوات المسلحة ستقف حائلا دون ذلك؟
- ليس فقط القوات المسلحة ولكن ستجد كثيرين من الشعب لديهم وعي بهذا الموضوع.
* يحاول فصيل من التيار الإسلامي أن يوحي للمجتمع بأن فجر الإسلام قد أشرق من جديد على مصر وفقا لوصف أحد قيادييه، هل ترى أن مصر كانت قد هجرت الإسلام كما يدعون؟
- هذا رأي ليس معيبا.. وتستطيع أن تتعامل معه بهدوء، لأني على ثقة من أن انغماس التيار الإسلامي في العمل السياسي ومسؤولياتهم العملية ستغير من حدة الخطاب.
* هناك بعض الاتهامات التي وجهت لك بعد خروجك من السلطة منها حالة السخط والتذمر في وزارة الطيران وما قيل عن عشرات القضايا أو البلاغات المقدمة ضدكم؟
- هي دعاوى حركها بعض المفصولين من العمل بقطاع الطيران بعد ظهور أخطاء رصدتها الرقابة الإدارية عليهم، وقد تكاتفوا للإساءة لي ولكن كل ما يروجون له من أخطاء تمت في عهدي غير حقيقي، وهذا ما ستثبته التحقيقات وأنا على ثقة من ذلك، أما ما أشاعوه عن امتلاكي لقصر في باريس، فهذا أيضا غير حقيقي وعليهم أن يراجعوا إقرارات الذمة المالية الخاصة بي فسيجدون فيها شقة متواضعة في فرنسا امتلكتها بنظام التمويل العقاري الذي توفره بعض الدول الأوروبية وقسط ثمنها على سنوات من راتبي.
* وما صحة ما يتردد عن دورك في إخفاء حقيقة سقوط طائرة مصرية على السواحل الأميركية عام 1999، والتي كانت تقل مجموعة من خيرة الطيارين المصريين وقد كنت وقتها قائدا للقوات الجوية؟
- أولا.. ليس لي دخل كقائد للقوات الجوية في هذه الحادثة.. ثانيا هم كانوا طيارين وعددا من الفنيين وكانوا مسافرين بسبب طائرة هليكوبتر تخضع للصيانة في أميركا لأنها من إنتاج المصانع الأميركية، ويجب أن يتسلمها الطاقم الذي سيطير بها، وبعد أن تسلموها وتأكدوا من سلامتها تركوها ليتم شحنها بمعرفة الأميركان، ثم استقلوا طائرة مدنية ليعودوا إلى مصر فكانت الحادثة، والتي لم تكن انتحارا بالطبع حسبما حاول الأميركان أن يروجوا لهذا وقتها، وقد بذلنا جهدا كبيرا لاستبعاد فكرة الانتحار.. والطائرة سقطت في المياه الأميركية والذين انتشلوها هم الأميركان والذين حققوا هم الأميركان وهذا هو القانون.. ودليل ذلك أننا نحن من قام بالتحقيق في سقوط «فلاش إير» في شرم الشيخ.
* في رأيك، ما الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة المصرية في يناير 2011 التي لا بد أن تراعيها الحكومة الحالية في إدارتها للأزمة إذا ما عادت موجة جديدة للثورة في مصر يوم 25 يناير المقبل، حسب ما يتم الترويج له الآن؟
- ثورة ثانية معناها تدمير رسمي للدولة.. لأننا لم نخرج بعد من مضاعفات الثورة الأولى.. ليس معنى هذا أن الثورة كانت خطأ، الحقيقة كان هناك قدر من التراكمات وكان يجب الاستجابة لمطالب الثورة في حينها.. أعتقد أن سلوكيات الحكومة في هذه الفترة لم تكن ملبية بقدر معقول لمطالب الثورة. كان من المفترض على الحكومة وقتها أن تكون أكثر مرونة مع المطالب المشروعة للشعب ولا تتغافل عنها.
* هل ترى أن حكومة الدكتور الجنزوري قادرة على هذه المواجهة؟
- بصفه عامة بعد فترة هلهلة، أرى أن دور الجنزوري مطلوب الآن.. وهناك شواهد إيجابيه منها عودة وزارة الداخلية إلى المشهد.. عندما يكون وزير داخلية بهذا الشكل ومعه رئيس وزراء داعم له في نفس الاتجاه.. هذا يحدث فارقا.. يعني لو كان منصور العيسوي يريد فعل شيء مثلا في الحكومة السابقة لا أعتقد أنه كان يجد نفس رد الفعل.
* ما الرؤية التي تحملها إلى الشعب المصري لكي يختارك رئيسا للجمهورية وما أحلامك لمصر خلال السنوات العشر المقبلة؟
- ما نأمله هو تطوير الاستثمارات وتشجيعها وخلق المناخ الداعم لها سواء للداخل أو للخارج لأن أموال المصريين ما زالت داخل مصر ولكن لا أحد يستثمر الآن.. وهذا هدف رئيسي.. وأنا لا أرى أن هناك شيئا أمامي أعتبره صعبا وكل ما يفتقر إليه الشعب المصري هو النظام والالتزام.. ترسيخ النظام والالتزام ليس عيبا والعالم كله يسير بهذا المنهج ولكن الانفلات لن يجدي ولن يصلح أحوال البلد.. تمسك البلد دي يعني في شهر يكون المرور منضبط بمعنى كلمة منضبط تجعل السائح الأجنبي يستشعر بوجود القانون والأمن في الدولة من لحظة وصوله.. مسألة النوبة بالنسبة لي أولوية وعودتهم لأراضيهم لأني أرى في هذا الملف خطورة بالغة ولا يجب أن ينتظر.. وسأسعى لعمل منطقة حرة على ضفتي قناة السويس ستغير الكثير من ملامح هذه المنطقة التي يعبرها يوميا من 40 إلى 80 باخرة.. أرض أسوان والنوبة ستكون سلة الغذاء لمصر وليس الدلتا.. باختصار شديد تنظيم البلد ووضع مشروعات سليمة والاستعانة بالخبرات والكفاءات المنتقاة التي تعوض غياب المنظومة وهو نفس المنهج الذي اتبعته في النهوض بالطيران المدني ونقل التجارب المميزة عالميا والاستفادة منها.. قبل أن أضع التعليم والصناعة في برنامجي الانتخابي سوف أراجع تجارب الدول المتحضرة وأنفتح على العالم وأستعين بكافه الخبرات.
* ما الأسس التي يقوم عليها تفكيرك كرئيس محتمل لمصر؟
- الأسس التي سأسعى إليها هي العدل في كل شيء والديمقراطية جزء من هذا العدل.. كما سأسعى لأن يكون المواطن آمنا في مأكله وتعليمه وعلاجه.. والكل عندي أولوية.. وسأسعى إلى التطوير الشامل في كل متر في مصر.. مصر مؤهلة جدا لجذب الاستثمارات، فقط دعهم يثقوا فيك وفيما تحققه وفي جديتك وستجد التدفقات المالية بدلا من استجدائنا للعالم والغرب لن يعطي لنا مليما طول ما دام يرى أننا غير مستقرين.. نحن قادرون على صناعه مصر أخرى في عام.. كل ما سينتظره العالم هو الاطمئنان لتوجه مصر الجديدة ووجود أمن وحكم رشيد.

2011-12-30

السياحة في مصرأرقام ومؤشرات.. أين وصلنا وأين نريد أن نكون؟





سأتحدث هنا عن أرقام السياحة وماذا تمثل في الاقتصاد المصري، لعلنا نفهم أين وصلنا و ماهو مستقبلنا الذي نطمح اليه



أولا: السياحة في العالم

كان عام 2010 هو عام المليار سائح، في صناعة حجمها تريليون دولار. كما يظهر من الشكل التالي:



استحوذت أوروبا على أكبر عدد من السياح يصل الى 51% أو نصف السياح في العالم. السبب الرئيسي في ذلك هو سهولة الانتقال بين الدول الأوروبية بطرق مواصلات متعددة و رخيصة نسبيا لقضاء عطلات نهاية الاسبوع. وهو ما يؤكده أن عائدات السياحة في أوروبا اقل من نصف العائدات العالمية أو نحو 45% . أما الزيادة فذهبت الى السياحة في الأمريكتين والسبب هو بعد المسافة مما يجعل مدة الاقامة بالتأكيد أطول و عدد الليالي السياحية أكبر

ومن الملاحظ أيضا أن السياحة القادمة الى منطقة الشرق الأوسط (ومنها مصر) في حدود 60 مليون سائح فقط و ايرادات متواضعة بلغت 50 مليار دولار من ضمنها عائدات السياحة الدينية في السعودية والعراق وايران

أما افريقيا فهي ليست أفضل حالا حيث لم يتجاوز عدد السياح رقم ال 49 مليون سائح في كل القارة الافريقية بما في ذلك شمال افريقيا العربي و دول جنوب الصحراء المعروفة بالسفاري و المغامرات.

وقد شهد عام 2010 ارتفاع عدد السياح عالميا بنسبة 7%  مع زيادة قدرها 5% عائدات السياحة مقارنة ب 2009
أكثر المناطق نموا  في 2010 كان الشرق الأوسط و آسيا والمحيط الهادئ، بمعدل نمو 14%

وقد وصلت مصر الى المركز 18 بين أكثر الدول الجاذبة للسياحة في 2010 ، أي دخلت ضمن نادي ال 20 الكبار الذي يستحوذ على حصة سوقية بلغت 590 مليون سائح، كما يظهر من الشكل التالي:



نلاحظ أن فرنسا و أمريكا والصين واسبانيا وايطاليا تستحوذ على حصة الأسد من السياحة. ثم تتقارب باقي الدول بشكل كبير. السبب في ارتفاع أعداد السياح في الدول الاوروبية كما قلنا هو قرب المسافة و سهولة الانتقال لقضاء عطلات نهاية الاسبوع. أما الصين، فالعدد يدخل فيه الزائرون بغرض التجارة.
ونلاحظ ايضا تقارب أرقام السياح في كل من اليونان و تايلاند وكندا مع مصر

وفي الرسم البياني التالي نجد ترتيب الدول العشرين التالية، أي من المركز 21 الى المركز 40 حيث تظهر دول عربية مثل تونس والمغرب والامارات والأردن و سوريا



ولكن في 2011، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا انكماشا واضحا في السياحة بلغ 14 % للأسباب السياسية والأمنية في المنطقة

وفي الجدول التالي سنجد نسبة السياحة من الناتج المحلي الاجمالي في بعض الدول و منها مصر:



فبالرغم من أن عدد السياح الوافدين الى فرنسا يتجاوز أولئك الوافدين الى أمريكا، الا أن ايرادات السياحة في أمريكا أعلى بكثير

كما نلاحظ ان الدخل المباشر من السياحة يمثل لمصر و تايلاند وماليزيا نسبة معتبرة تدور حول رقم ال 7% من الناتج المحلي الاجمالي.

وفي الرسم البياني التالي توقعات التدفقات السياحية في العشر سنوات القادمة و حتى 2020 حيث يزيد عدد السياح بنسبة تقترب من 60%. ومن الملاحظ أن نصيب منطقتنا العربية أو الشرق الأوسط من التدفقات السياحية سيظل محدودا نظرا لأنها منطقة لا تستطيع أن توفر للسائح التجربة السياحية وحسن الضيافة في بلاد تقدس ثقافة السياحة كالتي يجدها في دول شرق آسيا والتي ستنمو بشكل أكبر وأسرع كثيرا




ثانيا: السياحة في مصر

و رغم أن مصر بها ثلث آثار العالم، الا أنها دخلت حقبة الثمانينات بحوالي مليون سائح سنويا فقط. و قد ظلت أرقام السياحة القادمة لمصر متواضعة كثيرا حتى بدأت الدولة في تطوير البنية التحتية من مطارات و طرق و تنويع المنتج السياحي و الانتقال الى سياحة الشواطئ والتي وصلت اليوم الى ما يمثل 80% من حجم السياحة القادمة لمصر.
 وقد بدأت القفزات في أرقام السياحة بعد عام 2003 كما يظهر في الرسم البياني التالي الذي يوضح تطور السياحة في مصر في العقود الثلاثة الماضية:



ويكفي لكي نتخيل حجم الانجاز على صعيد تنمية البنية التحتية للسياحة في مصر في السنوات الأخيرة أن نعرف أن مرسى علم أنشئت في سنة  2000، واليوم بها 35 ألف غرفة فندقية!! كما أن محافظة البحر الأحمر بها 35 فندق 5 نجوم ، 80 فندق 4 نجوم ، 90 فندق 3 نجوم

وبالفعل كان للسياحة نصيب كبير في ارتفاع احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية في السنوات الأخيرة. فالسياحة في مصر توفر 20% من حصيلة النقد الأجنبي، كما يظهر من الشكل التالي:

 كما  تمثل السياحة حوالى 6.5 % من إجمالى الناتج المحلى بصورة مباشرة في 2010 (كانت 4% في 2001). ولكن مساهمة السياحة في الناتج المحلي الاجمالي ترتفع إلى 12% إذا أضفنا المساهمات غير المباشرة والمتمثلة فى الخدمات المصاحبة للسفر والسياحة، حيث يمثل نصيب قطاع المطاعم والفنادق فيها فقط 3.5 % وذلك لتشابك صناعة السياحة مع كثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية التى تزيد على 70 صناعة مغذية.

كما أن السياحة تساهم بحوالي 50% من اجمالي المتحصلات الخدمية، وساهمت في تغطية العجز التجاري بنسب تتراوح بين 42% و 50% في السنوات القليلة الماضية. وهو ما يظهر من الجدول التالي الذي يوضح مساهمة السياحة في ميزان الدفوعات من 2004/2003 الى 2010/2009


 السياحة بالتأكيد هي قاطرة التنمية في مصر، كما يظهر في هذه الأرقام:

  
وتعتبر السياحة الوافدة الى مصر من أوروبا هي الاكبر بين كل جنسيات السياح كما يظهر من الشكل التالي:


وفي الرسم البياني التالي مقارنة بين عامي 2009 و 2010 من حيث المجموعات السياحية الوافدة


وفي الرسم التالي تفصيل الاسواق العشرة الأولى من حيث أعداد السياح القادمين الى مصر، حيث يتصدرهم الروس بنسبة تقترب من خمس السياح. ومع ذلك، فمن المعروف أن السائح الروسي هو الاقل انفاقا بين غيره من السياح



وتعتبر مصر هي الوجهة الاقرب الى أروبا بعد أن أصبح فيها 22 مطارا منها 9 دولية (القاهرة والغردقة ومرسى علم والعلمين وبرج العرب وشرم الشيخ والأقصر والأسوان وسوهاج)
و6 مطارات محلية تستخدم دوليا (أسيوط والعريش وسانت كاترين و بورسعيد و شرق العوينات و طابا)، كما تظهر على الخريطة أدناه:


كما أن بمصر حوالي 60 ميناء بحريا: 15 ميناء تجاري، 11 ميناء سياحي، 14 ميناء بترولي، 9 موانئ تعدينية، 11 موانئ صيد وسقالات. أما الموانئ السياحية ال 11 فهي: الغردقة، مارينا مرتفعات طابا، بورت غالب الدولي، وادي الدوم، مارينا الجونة، بورت مارينا العلمين، سان استيفانو، بورسعيد السياحي، مرسى علم، أبو سومة، سهل حشيش

كان هدف وزارة السياحة أن يصل عدد السائحين الوافدين بنهاية عام 2011 إلى 15 مليون سائح وتحقيق 150 مليون ليلة سياحية؛ بالإضافة إلى الوصول بالطاقة الإيوائية إلى 245 ألف غرفة وتحقيق 15 مليار دولار كإيرادات سياحية.
ولكن....
ما بين يوليو و ديسمبر 2010: زادت أعداد السياح 14.3% والايرادات 15.6%
ما بين يناير و مارس 2011: انخفضت أعداد السياح 45% و تراجعت الايرادات 34%




فكيف نعيد السياحة الى وضعها السابق، ثم العمل على تنميتها و الوصول الى هدف ال 20 مليون سائح قريبا؟




2011-12-21

في الرد على عالم الاقتصاد حازم صلاح أبو اسماعيل





المرشح المحتمل للرئاسة حازم صلاح أبواسماعيل يقول في احدى دروسه الانتخابية  و في فيديو منتشر على اليوتيوب أنه درس الاقتصاد الاسرائيلي 6 سنوات و اكتشف ان عائد الزراعة في اسرائيل أكبر من كل حجم الاقتصاد المصري!!

من أين جاء هذا الرجل بمثل هذا الكلام ؟

حسب بيانات سنة 2010، فان الناتج المحلي الاجمالي المصري بلغ 219 مليار دولار في المركز 38 عالميا
بينما الناتج المحلي الاجمالي الاسرائيلي عند 217  مليار دولار في المركز 39 عالميا

أي أنهما متساويان تقريبا

 اما اذا اعتمدنا قياس القوة الشرائية للعملة (جنيه و شيكل)، سنجد أن:
الناتج المحلي الاجمالي لمصر يساوي 501 مليار دولار في المركز 25 عالميا
بينما الناتج المحلي الاجمالي الاسرائيلي هو 217 مليار دولار في المركز 50 عالميا

أي أن الاقتصاد المصري ضعف الاسرائيلي بحساب القوة الشرائية للعملة في البلدين

وبالتالي، يستحيل حسب أي من طريقتي الحساب أن يكون عائد الزراعة في اسرائيل أكبر من الاقتصاد المصري كله كما قال هذا الشيخ
  
اما من حيث تركيبة الاقتصاد في كل بلد، فان  الزراعة تمثل في مصر 13.5% من حجم الاقتصاد بينما تمثل في اسرائيل 2.4% فقط.


وعلى هذا فان حجم الزراعة في الاقتصاد المصري يساوي تقريبا 30 مليار دولار بالحساب المطلق، أو 67 مليار دولار بحساب القوة الشرائية للجنيه
بينما يبلغ حجم الناتج الزراعي في الاقتصاد الاسرائيلي حوالي 5 مليار دولار بالحساب المطلق وبحساب القوة الشرائية للشيكل أيضا

ألخص هذا في الرسم البياني التالي:





وهذه طريقة أخرى لعرض الأرقام في الرسم البياني التالي:






من أين أتى هذا الشيخ بمثل هذا الكلام؟ من دراسته التي استمرت 6 سنوات؟

هذا الرجل يفتي بغير علم ولا فهم !

والأكثر اثارة أن اسرائيل تعتمد كثيرا على استيراد الحاصلات الزراعية ذات الجودة العالية من مصر  وبسبب شهادة الكوشور للطعام اليهودي الحلال ! ولكن هذا موضوع آخر نناقشه فيما بعد

ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يفتي فيها هذا الرجل في الاقتصاد بغير علم وبشكل مذهل و أريحية عجيبة ...

انه لأمر مؤسف حقا أن تكون هذه ثقافة مرشح رئاسي يفترض فيه الجدية و الدقة وليس حديث الشعارات أو ادعاء الالمام بكل العلوم

ولكن الأشد أسفا أن يكون لديه جمهور من المتعلمين و المثقفين والذين يهتفون: بارك الله فيك يا شيخ حازم و في علمك الغزير  في كل مجالات الحياة !!!

اذا كان هذا الرجل قد بنى برنامجه الاقتصادي على مثل هذا الفهم و مثل هذا المستوى من الثقافة، فلا نملك الا أن نقول لك الله يا مصر !

كلمة أخيرة له و لأتباعه:



فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
 









م/ أحمد سرحان



المصادر:
بيانات البنك الدولي لسنة 2007 و  2008 و 2009 و 2010
بيانات صندوق النقد الدولي لسنة 2009 و 2010
أرقام موازنة الدولة المصرية 2009/2010
أرقام موازنة اسرائيل 
CIA Factbook 





2011-12-19

لتحميل مجلدات وصف مصر Description de l'Égypte





وصف مصر عبارة عن مجموعة من المجلدات الضخمة بعنوان:
 " وصف مصر أو مجموع الملاحظات والبحوث التي تمت في مصر خلال الحملة الفرنسية"
 تمت كتابتها وتجميعها إبان الحملة الفرنسية على مصر حيث اصطحب نابليون بونابرت معه فريفًا من العلماء من كافة التخصصات ليسجلوا ملاحظاتهم. بعد عودة الفريق إلى فرنسا قام وزير الداخلية الفرنسية آنذاك جان انطوان شبتال وبالتحديد في 18 فبراير 1802 بتنظيم تشكيل لجنة بين أعضاء فريق العلماء والملاحظيين فتشكلت لجنة من ثمان أعضاء قامت بجمع ونشر كافة المواد العلمية الخاصة بالحملة والتي كانت عبارة عن 10 مجلدات للوحات، منها 74 لوحة بالألوان، وأطلس خرائط، وأخيرًا، 9 مجلدات للدراسات. وتسجل تلك المجلدات، سواء لجودة طباعتها، أو لجمال رسومها (حيث تصل أكبرها إلى 1 م × 0.81 م)، كأحد الأعمال التاريخية، في الفترة من 1809 حتى 1828.

وقد صدرت ترجمة زهير الشايب في 1994  في 10 مجلدات ، و هي الأوسع انتشارا:

المجلد الاول : المصريون المحدثون
المجلد الثاني : العرب في ريف مصر وصحرواتها
المجلد الثالث : المدن والاقاليم المصرية
المجلد الرابع : الزراعة - الصناعة – التجارة
المجلد الخامس : النظام المالي والاداري
المجلد السادس : الموازين والنقود
المجلد السابع : الموسيقي والغناء عند قدماء المصريين
المجلد الثامن : الموسيقي والغناء عند المصريين المحدثين
المجلد التاسع : الآلات الموسيقية المستخدمة عند المصريين المحدثين
المجلد العاشر : مدينة القاهرة والخطوط العربية علي عمائرها
المجلد الحادي عشر : لوحات الدولة الحديثة

لتحميل المجلدات الأول والثاني و الثالث

لتحميل المجلدات الرابع و الخامس و السادس والسابع

لتحميل المجلدات الثامن و التاسع والعاشر

لتحميل مجلد الحادي عشر الخاص باللوحات





Description de l'Egypte, Taschen, 2002, ISBN 3-8228-2168-3





2011-12-09

الحقيقة وراء 25 يناير



*********

هل الأوضاع الاقتصادية هي سبب ماحدث في 25 يناير 2011؟


هذه التدوينة محاولة لبناء المستقبل، في اطار ادراك الحاضر، واستعياب الماضي... لنتعلم ونفهم



**************************

  يقول ألكسيس دي توكفيل: الثورات لا تنشب عندما تصل الأحوال الى أسوأ ما فيها،
 بل عندما تبدأ الاصلاحات في جعلها في حالة أفضل

 Alexis De Tocqueville
**************************


تقريبا كل وسائل الاعلام والمحللين والنخب أجمعوا على أن السبب الرئيسي في خروج الشباب في 25 يناير في احتجاجات واسعة انتهت بتنحي الرئيس السابق حسني مبارك الى "تردي الأوضاع الاقتصادية"، و لخصوا ذلك في:

·        انهيار الاقتصاد
·        ارتفاع مستوى الديون
·        الفساد
·        البطالة
·        غياب العدالة الاجتماعية
·        الفقر


 وهو ما يتفق مع الشعار الذي رفعه المتظاهرون : عيش - حرية - عدالة اجتماعية.



ولكن هل هذا التحليل صحيح بالفعل؟

مثل هذا الاجماع والقبول بهذا التفسير السهل دفعني للبحث والتحقق من مصادر عدة إلى أي مدى تعكس هذه الأسباب الواقع المصري، والنظر في ديناميكية المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة في السنوات السابقة

هذه التدوينة نظرة على الأوضاع الاقتصادية في مصر قبل 25 يناير بناء على تقارير البنك الدولي و تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية و اقتباسا وترجمة من بحث بعنوان: "ثورة مصر، تحليل ديموجرافي هيكلي"

EGYPTIAN REVOLUTION: A DEMOGRAPHIC STRUCTURAL ANALYSIS , by Andrey V. Korotayev and Julia V. Zinkina
REVOLUCIÓN EN EGIPTO: UN ANÁLISIS DEMOGRÁFICO ESTRUCTURAL


ملاحظة: تعمدت عدم اللجوء لأي مصادر بيانات مصرية أو محلية أو حكومية، و اعتمدت على المصادر الدولية فقط مثل بيانات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و منظمة العمل الدولية و منظمة الفاو و تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية وتقارير التنافسية العالمية






******************************************************************

******************************************************************


أولا: هل كان انهيار الاقتصاد سببا في 25 يناير؟

في البداية، نظرة على أكثر المؤشرات الاقتصادية انتشارا وتعبيرا عن الحالة الاقتصادية لأي بلد: نمو الناتج المحلي الاجمالي خلال العقود الثلاثة الماضية والذي وصل الى 500 مليار دولار بحساب معامل القوة الشرائية، كما في الشكل 1:


شكل رقم 1: الناتج المحلي الاجمالي في أكبر اقتصاديات افريقيا في العقود الثلاثة الماضية


من الواضح أن الاقتصاد طوال ال 30 عاما الماضية كان ينمو بشكل مضطرد و سريع و بمتوسط  4.5% وهو من أفضل معدلات النمو في بلدان العالم الثالث حسب البنك الدولي. كما ان النمو الاقتصادي تسارع بشكل أكبر بعد يوليو 2004 عندما نجحت حكومة نظيف في استقطاب مجموعة من الاقتصاديين المتميزين الذين وضعوا خطة طموحة للاصلاح الاقتصادي، وهو الاصلاح الذي يعزى له الفضل في النمو المضطرد في الاقتصاد، كما في تقرير البنك الدولي:

Boubacar S., Herrera S., Yamouri N., Devictor X. Egypt Country Brief. Washington, DC: World Bank,2010.
URL: http://siteresources.worldbank.org/INTEGYPT/Resources/EGYPTWeb_brief2010AM.pdf

وبالنظر الى الشكل رقم 1 سنجد حقيقة واضحة وهي أن الاقتصاد المصري استمر في الصعود في فترة الازمة المالية العالمية في 2008 و لم ينكمش كما حدث في أغلب اقتصاديات العالم. معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي تراوح بين 4.6% و 7.2% سنويا، بينما تحلم دول كثيرة بمجرد الوصول الى 4% كنمو سنوي في غير سنوات أزمة مالية ! استطاعت الحكومة المصرية بالفعل أن تتفادى انهيارا اقتصاديا كان بالفعل متوقعا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية، كما حدث في دول أخرى فيما بعد كاليونان

من المهم هنا الاشارة الى ان معدل نمو السكان تمت السيطرة عليه بشكل معقول في السنوات الاخيرة كما يظهر من الشكل 2 أدناه، وهو ما يعني ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي كما هو مبين في الشكل 3



شكل رقم 2: انخفاض معدل نمو السكان في مصر في العقد الأخير





شكل رقم 3: تطور نمو الناتج المحلي الاجمالي و نصيب الفرد منه في العقود الثلاثة الماضية



وهكذا فان الادعاء أن النظام المصري طوال 30 عاما قد فشل في تحقيق أي نمو اقتصادي أو تنمية مستدامة أدى الى دخول الدولة في فترات من الركود الاقتصادي وانهيار الدخل، هو ادعاء يبدو أنه غير صحيح ولا توجد أرقام تدعمه. بل ان العكس أقرب للصحة، وأرقام البنك الدولي تثبت عكس ذلك و بالمقارنة مع الدول النامية الأخرى. فقبل سقوط نظام مبارك، كانت مصر بشهادة تقارير عديدة تعتبر من أفضل البلدان نموا في العالم الثالث.

ومن الملاحظ ان الحكومة المصرية التي تلت سقوط النظام قالت أنها: "لن تغير التوجه الاقتصادي لمصر ولن تتراجع عن خطوات الاصلاح التي تم اتباعها بداية من 2004 وحتى اليوم" ، وهو ما يعني الاعتراف أن السياسات الاقتصادية التي اتبعها نظام مبارك كانت سليمة بشكل عام.



هل بعد كل هذه البيانات يستقيم الادعاء بانهيار الاقتصاد؟


اذا، القول بأن انهيار الاقتصاد سبب في 25 يناير هو قول غير صحيح




******************************************************************

******************************************************************


ثانيا: هل ديون مصر كانت سببا في 25 يناير؟

بلغ الدين الخارجي المصري قبل 25 يناير حوالي 30 مليار دولار فقط وهي من أقل المديونيات في العالم !! (ارتفعت قيمة الدين مؤخرا بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية بعد يناير)

وهو مايتضح من الرسم البياني رقم 4 في مقارنة مع تركيا، والرسم البياني 5 في مقارنة مع البرازيل، والرسم رقم 6 موقع ديون مصر الخارجية بين الدول المختلفة:


شكل رقم 4: الدين الخارجي التركي يبلغ 10 أضعاف الدين الخارجي لمصر





شكل رقم 5: مستوى الدين الخارجي للبرازيل يقترب من 10 أضعاف مستوى الدين الخارجي لمصر



شكل رقم 6: مستوى الدين الخارجي في مصر مقارنة بدول العالم المختلفة






يقابل ذلك احتياطي بالبنك المركزي المصري بلغ في يناير هذا العام 36 مليار دولار ، أي أعلى من قيمة الدين الخارجي ، (وقد انخفض الاحتياطي بسبب الاضطرابات السياسية الى 24 مليار دولار حالي). الرسم البياني رقم 7 يوضح ارتفاع احتياطيات البنك المركزي من الذهب والعملات الأجنبية على مدى العقود الماضية:


شكل رقم 7: ارتفاع احتياطيات البنك المركزي المصري في العقود الماضية حتى وصل الى الرقم القياسي 36 مليار دولار بنهاية عام 2010


فمن غير المفهوم كيف تكون هذه حكومة الفساد الكبير في حين أن هذه الحكومة بالذات نجحت في رفع مستوى الاحتياطي بالبنك المركزي الى رقم ال  36 مليار دولار؟

و هناك مؤشر آخر ملفت وهو مستوى خدمة الدين المصري (أي تسديد فوائد الديون) والذي يبلغ 6 % فقط من قيمة صادرات السلع والخدمات – مصدر العملات الأجنبية، وهي من أقل النسب في العالم حيث ان المتوسط العالمي 20 %.


الرسم البياني رقم 8 يوضح مقارنة مصر مع تركيا:


شكل رقم 8: نسبة الصادرات الى الدين الخارجي في تركيا 7 أضعاف مثيلتها في مصر



اذا، الحديث عن أن فساد الادارة السابقة أدى وقوع مصر تحت طائلة الديون الخارجية ، وبالتالي أوصلتنا الى 25 يناير، هو حديث عار عن أي منطق اقتصادي سليم


و الا، فأن أغلب شعوب دول العالم الواقعة تحت ديون خارجية كبيرة قد تأخرت كثيرا في الثورة على حكوماتها



******************************************************************
******************************************************************


ثالثا: هل كان الفساد سببا في 25 يناير؟

برجاء مراجعة تدوينة : الفساد في مصر أسئلة عديدة و محاولات مبسطة للاجابة للمزيد عن موضوع الفساد

الفساد موجود في مصر ، لا شك في ذلك


لكن السؤال هو ما حجم الفساد؟

وما هي نسبة الفساد في الدول المشابهة لمصر؟


من أجل فهم سليم لمستوى الفساد في مصر، لابد من الرجوع الى مؤشر الشعور بالفساد كما يظهر في خريطة منظمة الشفافية العالمية لعام 2010 كما تبدو في الشكل 9



شكل رقم 9: خريطة منظمة الشفافية العالمية وموقع مصر على مؤشر الشعور بالفساد


على هذه الخريطة، فان اللون الأغمق يدل على مستوى أقل من الشفافية أو شعور أكبر بالفساد، واللون الأفتح يدل على شعور أقل بالفساد.

من الواضح أن المؤشر يصف الوضع في مصر بأنه ليس جيدا أو مثاليا. فبالمقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فان مستوى الشعور بالفساد في مصر بالفعل مرتفع.
ولكن الحقيقة أن هذا هو الأمر الواقع في كل دول الجنوب و العالم الثالث والثاني أيضا. بمقارنة مستوى الشعور بالفساد في مصر مع هذه الدول، فانه يبدو عاديا


في تقرير منظمة الشفافية لعام 2010، نجد أن:

 مصر في نفس الفئة مع ايطاليا و البرازيل و الصين و الهند و تايلاند و جورجيا ..

و افضل من الارجنتين واندونيسيا وفيتنام و كل دول الاتحاد السوفيتي السابقة بما فيها روسيا..


و ليست أسوأ كثيرا من اسبانيا و البرتغال وتركيا


وفي الشكل 10 نرى أين تقع مصر بين الدول المشابهة


شكل رقم 10: موقع مصر بين دول العالم الثالث من حيث مؤشر الشعور بالفساد


لقد قيل الكثير عن بيع مصر و أن الخصخصة كانت وبالا على المصريين و أنها ترقى الى الخيانة العظمى وأنها أبو الفساد وأمه. والحقيقة أنه لا يوجد تقرير دولي واحد يعتبر مصر من بين الدول التي حولت اقتصادها من الاقتصاد العام -الذي تسيطر عليه الحكومة - الى اقتصاد السوق الذي تسيطر عليه الملكية الخاصة. فالدولة بعد 35 من الانفتاح الاقتصادي و بعد 20 عاما من بدء برامج الخصخصة لا تزال تسيطر على كل مفاتيح الاقتصاد من أرض و طاقة و موانئ و مطارات و أموال و اعلام و صحافة و مواصلات و تأمين ... الخ.

وعلى مدى 30 عاما لم تتحدث الخصخصة سوى عن طرح 314 شركة عامة فقط لهذا البرنامج بها 300 الف عامل فقط ولا يزيد نصيبها من الاقتصاد القومي عن 18% . و بعد كل هذه السنوات، كان كل ما تم خصخصته (أي دخول مستثمر من القطاع الخاص جزئيا أو كليا) أقل من نصف هذه الشركات: فقط 149 شركة، وبقيت 165 علي حالها في حماية الدولة والمجتمع.

وكان يقال عن حكومة الدكتور نظيف أنها أكثر حكومات مصر ليبرالية, رغم أنه في حقيقة الأمر لم تقم ببيع أكثر من سبع شركات من جملة شركات قطاع الأعمال المؤهلة للبيع التي آلت إليها ويبلغ عددها 175  شركة, ثلاث من هذه الشركات التي تم بيعها ذهبت إلي وزارة الدفاع منها النقل النهري و الترسانة. وشركة رابعة هي سيماف ذهبت إلي للهيئة العربية للتصنيع. وعلى عكس الشائع، فقد أعادت هذه الحكومة إلى ملكية الدولة عددا من الشركات التي كان قد تم بيعها للعاملين فيها عام 1997 وعددها 33 شركة لم يحقق أي منها نجاحا يذكر بعد خصخصتها، رغم انه تم تمليك اسهمها للعاملين بها ، منها شركة قها و النيل للكبريت و الكراكات، وغيرها من الشركات في مجالات الزراعة والري واستصلاح الأراضي.

و قبل عامين طرحت فكرة بيع بعض ما تبقى من الشركات للمصريين عن طريق برنامج للصكوك، يكتتبون في ملكية حصة من شركات قطاع الأعمال تصل إلى 33% علي أن تحتفظ الدولة بملكية 67% ، وهو ما سخر منه الاعلام و رفضه الرأي العام و رفضته الحكومة نفسها

كما ان حكومة نظيف رفضت البيع لمستثمر رئيسي عدد من الشركات التي تتمتع بوضع احتكاري مثل شركة الألمونيوم المصرية التي تنتج 95% من حجم الإنتاج الكلي, وشركة السكر المشتري الرئيسي والوحيد لقصب السكر من زراع الصعيد بأكملهم، ولا يجوز أن تستبدل احتكارا عاما باحتكار خاص, كما أن الحكومة لا تستطيع أن تجعل فلاحي الصعيد جميعا رهن إرادة مستثمر رئيسي, صحيح, أن الاستثمار الخاص عادة ما يكون أكثر كفاءة من الاستثمار العام, لكن التكلفة الاجتماعية العالية نتيجة بيع هذه الشركات لمستثمر رئيسي تلزم الحكومة أن تتخذ القرار السياسي الصحيح.

الإدارة الناجحة لأصول قطاع الأعمال في حكومة نظيف تمكنت من خفض المديونية التاريخية لشركات قطاع الأعمال العام للبنوك من 33   مليار جنيه إلى صفر تقريبا ، وأن فوائض أرباح هذه الشركات تجاوزت 3,7 مليار جنيه بعد أن كانت تحقق خسائر بلغت عام1,32004 مليار جنيه، وهو ما يظهر .

والرسم البياني التالي يوضح تطور صافى الربح/الخسارة لشركات لقطاع الاعمال العام في وقت حكومة نظيف




والرسم التالي يوضح كيف انخفضت ميديونية القطاع العام من 33  مليار سنة 2004 الى صفر قبل رحيل حكومة نظيف:




هل هذا هو الفساد الذي زكم الأنوف؟؟؟ 

القضية هنا: هل قطاع الأعمال العام -المحبوب- مهمته أن يقدم للدولة عائدا؟ أم أنه مخزن للعمالة تقدم الدولة له الدعم (الأفضل نسميه اعانة بطالة) وتسدد قروضه ثم تدعو الله أن يكون نزيف خسائره بنفس القدر الذي تتحمله الخزانة العامة !


لسنا أبدا أكثر الشعوب ممارسة للفساد، فقد رأيت في سفرياتي الكثيرة أشكالا مذهلة من الفساد.. و لكننا بالتأكيد أكثر شعب يحب يتكلم عن الفساد لدرجة الهوس: اعلام، أفلام، قصص و روايات، ....الخ

 يتحدث المصري عن الفساد بصورة تجعله الشماعة الجاهزة لأي فشل يواجهه في حياته. ويهرب المصري من واقعه و لا يكاشف نفسه بتقصيره وعدم كفاءته وضعف امكانياته وكسله عن تطويرها من أجل أن يحمل فساد المجتمع من حوله أسباب هذا العجز و ذلك الفشل... يجلس على المقهى  ينفخ دخان الشيشية و يلعن تلك القوى الخفية الفوقية الخارجة عن ارادته، وذلك الفساد المستشري المكبل لحركته ...
ارتضى المصريون العيش في "فساد" لأنهم جميعا يستفيدون منه .. كلنا نمارسه، و كلنا نستفيد منه .. و لا نهاجمه سوى من منطلق: اشمعنا غيري، انا كمان عايز نصيبي من هذا الشخص الفاسد


اذا و بكل وضوح، اذا كان الفساد في مصر سببا في الحراك الاجتماعي الذي أدى الى "ثورة" يناير، فانه بكل تأكيد  من الأولى ان تخرج الثورات في امريكا اللاتينية و اغلب دول آسيا و أفريقيا والتي تعاني من مستويات فساد أكبر بكثير من مصر


والا ، فان كل شعوب العالم الثالث أو الدول النامية قد تأخرت كثيرا في الثورة على حكوماتها 


بل متى تبدأ الثورة في الأرجنتين و روسيا والهند مثلا - وهي في وضع أسوأ من مصر على مؤشر الفساد؟ 
وهل ايطاليا واسبانيا وتركيا في طريق الثورة على الفساد ؟




برجاء مراجعة تدوينة : الفساد في مصر أسئلة عديدة و محاولات مبسطة للاجابة للمزيد عن موضوع الفساد



******************************************************************
******************************************************************




رابعا: هل كان ارتفاع البطالة سببا في 25 يناير؟





هل ارتفعت البطالة بشكل كبير قبل 25 يناير عن معدلاتها السابقة لدرجة تدفع لقيام "ثورة" ؟

سنلتزم هنا بالتعريف العالمي للبطالة وسنتعامل مع معدلات البطالة في الاقتصاد الرسمي و ليس الاقتصاد الغير رسمي أو الغير نظامي والذي تقدره بعض الدراسات بنسبة كبيرة من حجم الاقتصاد ككل، مما يجعل معدل البطالة "الحقيقي" أقل كثيرا عن الأرقام "الرسمية" المبنية على أساس بيانات القوى العاملة و والتأمينات الاجتماعية (عدد من استخرجوا استمارة 1 و استمارة 6)


تطور مؤشرات البطالة في مصر طوال ال 20 سنة الماضية كما في الشكل التالي رقم 11 من بيانات البنك الدولي:


شكل رقم 11: البطالة في مصر في العقدين الأخيرين تراوحت بين 8 و 12 في المائة، 
وهي نسبة عادية مقارنة بدول العالم المختلفة وبالأخص الدول النامية


من الرسم البياني نلاحظ أن معدلات البطالة في مصر تراوحت خلال العقدين الماضيين بين 8 و 12 في المائة، حيث كانت الزيادة السكانية تأكل الزيادة في فرص العمل في السوق المصري.


 ولكن مع بداية الاصلاح الاقتصادي في 2000، انخفضت البطالة بشكل ما نتيجة خلق المزيد من فرص العمل مع النجاح في رفع الاستثمارات الأجنبية الى مستوى غير مسبوق


 ومع الأزمة المالية العالمية في 2008 بالفعل ارتفت البطالة الى 9.4 في المائة ثم انخفضت ثانية في 2010 مع بدء تعافي الاقتصاد المصري و استئنافه للنمو السريع.

وفي نهاية عام 2010 – أي قبل 25 يناير مباشرة، كان مستوى البطالة في مصر بالمقارنة مع دول أخرى مشابهة، كما يظهر في الشكل رقم 12 من واقع بيانات البنك الدولي و منظمة العمل الدولية:



شكل رقم 12: موقع مصر بين دول العالم من حيث مستوى البطالة



ومن الواضح أن مستوى البطالة في مصر فيما قبل  25 يناير لا يمكن وصفه بالمستوى المرتفع والخطير الى درجة التسبب في ثورة.


بل ان معدل البطالة في مصر كان في 2010 أقل من مستوى البطالة في الولايات المتحدة وفرنسا و بولندا و وايرلندا و تركيا ومن متوسط البطالة في الاتحاد الأوروبي.


 بل أن معدل البطالة في أسبانيا و لاتفيا كان ضعف معدل البطالة في مصر !!




متى تبدأ ثورة العاطلين في هذه البلاد من أجل العيش والعدالة الاجتماعية ؟




******************************************************************

******************************************************************


خامسا: هل كان تدهور مستوى العدالة الاجتماعية سببا في 25 يناير؟

بشكل علمي، ماذا تعني العدالة الاجتماعية؟ و هل يمكن قياسها؟



حتى نعرف الاجابة لابد أولا نقارن مصر اليوم بماضيها ونقارنها بالدول حولها. المقارنة لا تكون فقط بطريقة مطلقة بل ايضا بطريقة نسبية لأنه عندما تنسب الاشياء الى غيرها يعرف حجمها الحقيقي


ولابد ثانيا من تحديد مقياس معين ومحدد لتحديد معنى العدالة الاجتماعية، مقياس علمي، بدلا من استخدام مصطلحات اللغة العربية الفخيمة مثل انهيار الطبقة الوسطى و احتكار الثروة و غيرها من الجمل التي لا تعطي معنى واضحا لما تخفيه خلفها.

ولابد ثالثا أن نتفق أننا لن نخترع العجلة أو نؤلف مقياس خاص بنا كأن مصر قد كتب عليها ان تظل متفردة عن كل العالم.. الأوزان بالكلج او الرطل وليس بالمكيال والصاع و الصاعين.. المسافات بالكلم أو الميل مش بالفرسخ مثلا

هناك بالفعل مقياس عالمي لقياس العدالة الاجتماعية و عدالة توزيع الدخل. مؤشر جيني للعدالة الاجتماعية و عدالة توزيع الدخل 
مؤشر جيني هو المؤشر المعتمد والأكثر صدقا وتعبيرا عن قياس مستوى العدالة الاجتماعية في العالم و مستوى توزيع الدخل.


برجاء مراجعة التدوينة الخاصة بمؤشر جيني هنا.

The Gini Coefficient


على مدار ال  20 سنة الماضية، كان مؤشر جيني لمصر يتراوح بين 30 و 34 نقطة.

الشكل التالي رقم 13 يوضح موقع مصر بين دول العالم من حيث مستوى تحقق العدالة الاجتماعية مابين عامي 2000 و 2010، وهو يظهر أن مصر في وضع أفضل كثيرا من دول عديدة في أوروبا و أسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية:



شكل رقم 13: مؤشر العدالة الاجتماعية في مصر افضل من أغلب دول العالم



 وهذه خريطة مؤشر جيني في العالم في الشكل رقم 14 حسب بيانات 2009 حيث تقع مصر في موضع جيد للغاية مقارنة بدول العالم الأخرى:


شكل رقم 14: خريطة مؤشر العدالة الاجتماعية وموقع مصر بين دول العالم


ففي هذه الخريطة نجد أن أكثر من 80% من سكان الكرة الأرضية يعيشون في بلدان ذات مستوى من العدالة الاجتماعية أقل من مثيله في مصر، و بالتالي فان الثورة بسبب غياب العدالة لابد أن تقوم في أغلب دول العالم !!!

وبالمقارنة مع تركيا مثلا، نجد أن حصة شريحة ال 20% الأفقر من السكان في تركيا من اجمالي الدخل تبلغ 5.5% من اجمال الدخل، بينما تبلغ في مصر 9%.




أي أن الفئات الأفقر في مصر تحصل على نصيب من الدخل القومي أكثر مما تحصل الفئات المماثلة في تركيا من عوائد النمو الاقتصادي التركي الكبير. (انظر الرسم البياني رقم 15  أدناه)


شكل رقم 15 أ : نصيب الفقراء من الدخل القومي بين مصر و تركيا





شكل رقم 15 ب : نصيب الفقراء من الدخل القومي بين مصر و البرازيل





من الواضح من الرسم البياني أعلاه أن الفقراء مازالوا يحصلون على نصيب أقل من عوائد النمو الاقتصادي في كل من تركيا والبرازيل 


الشكل التالي يظهر ترتيب دول العالم من حيث نصيب الفئات الأكثر فقرا من عوائد النمو الاقتصادي (الشريحة ال 20% الأقل دخلا)




شكل رقم 15 ج: ترتيب دول العالم في بيانات البنك الدولي من حيث نصيب الدخل القومي في الشريحة ال 20% الاقل دخلا 






مقارنة بالبرازيل، لو أنني برازيلي فربما يكون دخلي أعلى من دخلي في مصر بنسبة 70% ، ولكن سأعاني من تباعد الطبقات وغياب العدالة الاجتماعية بنسبة 65% أكثر من مصر، و سأضطر لزيادة استهلاكي من الكهرباء بنسبة 55% وسأستهلك وقودا بنسبة تزيد عن 3 أضعاف، و سأنفق 3 مرات أعلى على الرعاية الصحية، وسأكون معرضا للاصابة بالايدز بنسبة تتجاوز 6 مرات أعلى ، وسيكون هناك احتمال وقوعي بين من يعانون البطالة أعلى من مصر بنسبة 30% .. الخ ..



متى تبدأ الثورة في البرازيل احتجاجا على الوضع المخزي للعدالة الاجتماعية هناك؟

متى تبدأ في جنوب افريقيا؟

تركيا ؟

وغيرها من الدول التي تقع في مستوى متأخر على مؤشر جيني للعدالة الاجتماعية مقارنة بمصر ؟




عموما، هذا يفسر أن الشباب الذين خرجوا في 25 يناير وما بعدها كانوا من أبناء الطبقة الوسطى و ليس الفقراء. الطبقة الوسطى المصرية التي نمت و توسعت و ارتفع معها سقف طموحاتها - المشروعة - الى مستويات لم تكن آليات النظام السابق وتوازناته تسمح به، وعجز خطابه السياسي عن تسويق ما تحقق على أرض مصر واستفادت منه الطبقة الوسطى


ولذلك، فان كل الادعاءات بانهيار الطبقة الوسطى و انكماشها ، كلها ادعاءات لا أساس لها من الصحة و لا يوجد رقم احصائي اقتصادي واحد يدعم هذه الادعاءات التي تثير ضحك كل الخبراء الدوليين المراقبين لتطور الاقتصاد المصري طوال العقود الماضية. 






******************************************************************


******************************************************************



سادسا: هل كان الفقر والجوع سببا وراء 25 يناير؟





من المهم عند دراسة مستوى الفقر أن ننتبه الى أمرين :

خط الفقر المدقع - أو دخل اقل من 1.25 دولار يوميا  Extreme Poverty Line  
خط الفقر القومي - أو دخل اقل من 2 دولار يوميا بحساب القوة الشرائية للدولارNational Poverty Line   

بالتأكيد كان الحديث عن "تفشي الفقر" كسبب رئيسي لخروج الناس في يناير وفبراير. والرقم الذي يتم استدعاؤه عند كل حديث يدور حول الفقر هو أن 40% من المصريين تحت "خط الفقر القومي " المحدد ب 2 دولار يوميا – وهو ما ليس صحيحا كما سيظهر لاحقا.


الحقيقة أنه لا يوجد تقرير واحد من أي جهة اقتصادية في العالم ذكر أن 40% من المصريين يقعون تحت خط الفقر اطلاقا !

لنبدأ أولا بالجديث عن المصريين تحت <خط الفقر المدقع> والمحدد ب 1.25 دولار يوميا.  المدهش أن مصر من أفضل الدول عند الحديث عن <خط الفقر المدقع> 1.25 دولار كما يظهر من الرسم التالي رقم 16 والذي يوضح خريطة دول العالم مقارنة بخط الفقر تحت 1.25 دولار :



شكل رقم 16: نسبة من يعيشون تحت خط الفقر المدقع أو أقل من دولار و ربع يوميا في مصر أقل من 2 % من السكان


مصدر هذه الخريطة هو تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية الصادر عن في 2010 :

The map data have been checked for reliability on the basis of The Real Wealth of Nations:
Pathways to Human Development. Human Development Report 2010. 20th Anniversary Edition (Ed. by
J. Klugman. New York, NY: The UNDP Human Development Report Office/Palgrave Macmillan, 2010. P. 161–163) and found full confirmation


من هذه الخريطة نرى أن مصر بنفس اللون الأزرق مع السويد وفرنسا والولايات المتحدة و استراليا أي أقل من 2% من السكان يعيشون تحت <خط الفقر المدقع> والمحدد ب 1.25 دولار يوميا

واذا نظرنا الى مناطق العالم المختلفة من حيث "خط الفقر المدقع" والمحدد بما هو اقل من 1.25 دولار يوميا، نجد أنها مشكلة تتشارك فيها أغلب الدول بالفعل بدرجات مختلفة وليست بالتأكيد سببا للثورة في أي منها، كما يظهر في الشكل رقم 17 أدناه:



شكل رقم 17: ترتيب دول العالم من حيث نسبة السكان تحت خط الفقر المدقع


وهكذا، وطبقا لبيانات الأمم المتحدة بين عامي 2005 و 2008، فاننا سنجد:

 13% من المواطنين في جورجيا يعيشون تحت <خط الفقر المدقع> أو أقل من 1.25 دولار يوميا ،
 و 16% في الصين ،
 و 22% في طاجيسكتان في فيتنام
 و 23% في الفلبين
 و 26% في جنوب أفريقيا
 و 30% في اندونيسيا
 و 42% في الهند
 و 50% في بنجلاديش
 و 55% في هاييتي
 و  71% في غينيا
 و 84% في ليبيريا


ماذا عن مصر؟ 
الاجابة في الشكل التالي رقم 18 الذي يوضح ديناميكية خط الفقر المدقع (أقل من 1.25 دولار يوميا) في مصر بعد عام 1991:


شكل رقم 18: تطور نسبة السكان تحت خط الفقر المدقع في آخر 20 سنة - لم تتخط 2% فقط في العشر سنوات الأخيرة


ففي خلال العقدين الماضيين، نجح المصريون في احتواء <خط الفقر المدقع> الى ما دون 2% من السكان، وهو ما يجعل مصر تنتمي الى مجموعة من الدول الأفضل أداء من حيث هذا المؤشر.


ننتقل الآن الى خط الفقر القومي أو ما تم التعارف عليه ليكون دخل 2 دولار يوميا (بحساب القوة الشرائية للدولار مقابل الجنيه)


للانصاف، فان الوضع ليس جيدا بالنسبة الى مستوى الفقر وهو نسبة المواطنين تحت خط 2 دولار يوميا كما يظهر من الشكل التالي رقم 19  والذي يوضح أن مصر ليست من الدول المثالية على هذا المؤشر حيث أن حوالي 22 % من السكان تحت خط 2 دولار يوميا.


شكل رقم 19: خريطة العالم بالنسبة لمستوى خط الفقر تحت 2 دولار يوميا


ومع ذلك، فانه بمقارنة مصر بالدول المشابهة في العالم الثالث والثاني مجد أن الوضع ليس مأساويا لدرجة "الثورة" كما أشيع حيث أن مصر في الخريطة أعلاه تأتي بنفس اللون مثل تركيا و الهند و أفضل كثيرا من البرازيل و تايلاند مثلا.

وهكذا، فانه بالنظر الى مؤشر خط الفقر المحدد ب 2 دولار يوميا، نجد مقارنة مصر بدول العالم الثالث يعطيها تفوقا واضحا كما يظهر من الشكل التالي رقم 20:



شكل رقم 20: ترتيب مصر بين دول العالم من حيث خط الفقر تحت 2 دولار يوميا



مصدر هذا الترتيب أعلاه هو
Source: Overcoming Barriers: Human Mobility and Development. Human Development Report 2009. 20th
Anniversary Edition / Ed. by J. Klugman. New York, NY: The UNDP Human Development Report Office/Palgrave Macmillan, 2009. P. 176–178

باختصار، الادعاء أن هناك تقارير تتحدث عن أن 40% من المصريين تحت خط الفقر، غير صحيح طبقا لكل المؤشرات.

ولكن الأمر المؤكد أنه في ليلة 25 يناير كان 20% من المصريين يعيشون على أقل من 2 دولار يوميا مقارنة ب 36% من الصينيين
 و 43% في جنوب افريقيا
و 43% في أرمينيا
و 45% في الفلبين
و 49% في فيتنام.


وفي عدد غير قليل من الدول، أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر بأقل من 2 دولار يوميا: 51% في طاجيكستان و 60% في باكستان و 72% في هاييتي و 76% في الهند و 81% في بنجلاديش و 87% في غينيا و 95% في ليبيريا





ولكن، قد يكون من المفيد عند الحديث عن الفقر أن ننظر الى صورة أخرى بعيدا عن الأرقام الصماء كما في الشكل التالي رقم 21



شكل رقم 21: منطقة فقيرة بالقاهرة فيها أطباق التقاط البث الفضائي ومحلات لخدمات الكمبيوتر



على موقع ويكيبديا نجد هذه الصورة تحت عنوان: "منطقة فقيرة بالقاهرة"، في سياق مقال يتحدث عن الفقر كأهم أسباب ثورة يناير. ولكن عند التدقيق في الصورة نجد ان مصطلح "منطقة فقيرة" بالقاهرة يبدو مختلفا للغاية عما هو متوقع، حيث تزدحم أسطح المنازل و شرفاتها بأطباق التقاط القنوات الفضائية. ايضا، يظهر في زاوية الصورة لافتة اعلانية عن أقرب مركز لخدمات الكمبيوتر والبرمجيات!!


هذه الصورة بعيدة كل البعد عن الشكل المتعارف عليه للمناطق الفقيرة بالعالم.

 لنلق نظرة على صورة لمنطقة فقيرة في نيروبي عاصمة كينيا، وهي بالمناسبة أفضل من مستوى الفقر المدقع في بلاد جنوب الصحراء حيث فقط خمس السكان (20% فقط)  يعيشون بأقل من 1.25 دولار يوميا. ومع ذلك، فان هذه الصور (شكل 22) توضح بشكل ما الفرق بين الفقر المدقع في دول العالم الثالث و بين مستوى الفقر في مصر، وهو بالفعل مستوى فقر متوسط و ليس فقر بائس:




شكل رقم 22: منطقة فقيرة في نيروبي عاصمة كينيا


أثناء تغطية مراسلي البي بي سي و السي ان ان لمظاهرات يناير و فبراير 2011، كانوا يجرون لقاءات متعددة مع مصريين يشتكون أنهم ينفقون جل دخلهم على توفير الغذاء لعائلاتهم وأنه يواجهون صعوبات جمة في نهاية الشهر لتسديد فواتير الكهرباء.


من الطبيعي أن يتعاطف المراسلون الأجانب – ونحن أيضا - مع هذه الشكاوى و يصورونها كدليل على "الفقر المدقع"، رغم أنه في بلاد العالم الثالث لا يشتكي الفقراء من ارتفاع فواتير الكهرباء لأنهم ببساطة ليس لديهم كهرباء في الأماكن التي يعيشون فيها !

ربما يكون مفيدا أن نلقي نظرة على تطور انتاج الكهرباء في مصر في العقود السابقة في الرسم البياني رقم 23:


شكل رقم 23: تطور انتاج الكهرباء في مصر كمؤشر على مستوى المعيشة 


وليس انتشار الكهرباء وحده الذي يميز نوعية "الفقر" في مصر عن غيرها من بلدان الجنوب ، بل الاتصالات أيضا.
 بنهاية عام 2010، بلغ عدد مشتركي الهاتف المحمول في مصر 70 مليون أو بنسبة انتشار 88%،
 وأكثر من 20 مليون مستخدم للأنترنت مع نهاية 2010، ثلثهم عن طريق الهاتف المحمول ،
وأكثر من 200 ألف مصري يعملون في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في أكثر من 4000 شركة


 وهي كلها أرقام و مؤشرات لا تجدها في البلدان التي يتم تصنيفها على أنها في "فقر مدقع






في ورقة بحثية مميزة لخبيري الاقتصاد جمال صيام و هنادي  مصطفى عبدالراضي، توصلا الى بعض المفارقات حول المتغيرات في مستوى الفقر في مصر. ففي الوقت الذي وصل فيه النمو الاقتصادي الى أعلى مستوى له في ربع قرن عند 7.5% ، ارتفعت نسبة المصريين الذين يعيشون بأقل من 2 دولار يوميا من 17.8% الى 23% . وعلى العكس، فأثناء الأزمة المالية العالمية والتي صاحبها تباطؤ في الاقتصاد المصري، كانت بيانات مستوى الفقر تشير الى انخفاض ملحوظ في نسبة من يعيشون على أقل من 2 دولار يوميا من المصريين من 23% الى 19.5% . انها بالفعل مفارقة !!

Gamal Siam, Hanady Mostafa Abdel Rady. The Impact of the Global Food Crisis and the Economic Crisis on Poverty in Egypt. Paper presented at Inauguration Conference for Launching the Working Paper Series of the Information and Decision Support Center of the Egyptian Cabinet of Ministers (Cairo, March 28, 2010).



ولكن، هل ارتفاع أسعار المواد الغذائية و التغييرات في مستوى خط الفقر في مصر أثرت على التركيبة الاجتماعية للمصرين؟



 بالتأكيد. فالبرغم من أنه في ربيع عام 2008 (ذروة أزمة الغذاء) و يناير 2011 كانت مصر تعتبر من أفضل دول العالم الثالث من ناحية الأداء الاقتصادي ومستوى الفقر، الا أنه في الحالتين و بسبب الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية فقد انتقل ما لا يقل عن ثلاثة ملايين مصري الى ما دون خط الفقر العالمي في غضون شهور معدودة.

ومن المهم أن نلاحظ أن أزمة ارتفاع أسعار الغذاء في 2008 قادت الى أول مظاهرات ضد الغلاء في ابريل من ذلك العام في مدينة المحلة الكبرى والتي ولدت بعدها حركة شباب 6 ابريل والتي كان لها دور مؤثر في مظاهرات يناير 2011 والتي أدت الى سقوط النظام.

ويبقى أن التفسير الذي يعتقد بأن الغلاء هو سبب رئيسي للثورة هو تفسير خاطئ ، خصوصا وأن الظاهرة كانت عالمية وليست محلية قاصرة على مصر. فقد تأثرت أغلب شعوب العالم وبالذات دول أمريكا اللاتينية بأزمة الغذاء ولم تظهر بها أي موجات ثورية، كما يظهر من الأشكال التالية أرقام 24 ، 25، 26، 27 :


شكل رقم 24: ارتفاع اسعار القمح عالميا


شكل رقم 25: ارتفاع أسعار زيت الطعام عالميا



شكل رقم 26: ارتفاع السعر القياسي للغذاء عالميا حسب تقرير منظمة الفاو



شكل رقم 27: نسبة من هم تحت خط الفقر 2 دولار يوميا في مصر في ال 20 سنة السابقة
نلاحظ زيادة (وان كانت طفيفة) في أعداد الفقراء في مصر مع أزمة الغذاء العالمية في 2008 بشكل يتماشى مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية و الصعوبات التي واجهها كثير من المصريين لتوفير القوت اليومي



يجب علينا أيضا أن نضع في اعتبارنا أن الفقراء في مصر تأثروا بارتفاع أسعار الغذاء العالمية بشكل أقل من معظم بلدان العالم الثالث الأخرى و ذلك بسبب اتخاذ الحكومة المصرية لتدابير جادة لحماية الفقراء من خلال نظام الدعم والاعانات الاجتماعية.

حاليا ، ينقسم نظام دعم المواد الغذائية في مصر إلى نوعين.
النوع الأول هو دعم الخبز والذي حافظ على سعر الرغيف البلدي  الخبز منذ عام 1989 عند سعر 5 قروش  قرشا لكل رغيف وزنه 130 جرام. هذا النوع من الدعم هو دعم الذي يشمل كل المصريين بلا أي قيد، أي أن مصري لديه الحق في شراء 20 رغيفا كل يوم بسعر مدعم منخفض من المخابز المحلية. فالأرقام توضح أن 90% من الأسر المصرية يستهلكون الخبز المدعم بشكل أو بآخر في غذائهم، و 60% من الأسر تعتمد عليه بشكل أساسي وبمتوسط 4 أرغفة يوميا أي 1460 رغيف مدعم في السنة ، مما رفع نصيب الفرد من دعم الخبز الى 120 جنيه سنويا في 2010
وتستورد الحكومة المصرية 60% من احتياجاتها من القمح المخصص للخبز المدعم. أي أن من بين كل 20 رغيف خبز مدعم يتم استهلاكه في مصر، هناك 12 رغيف يتم استيراد القمح المخصص لانتاجهم من الخارج في مقابل 19 رغيف في 1980


ومن المدهش أن يكون هتاف المتظاهرين في يناير 2011 هو المطالبة بالخبز، بينما سعر رغيف الخبز في مصر هو الأرخص في العالم كله و بأقل من سنت أمريكي واحد!


أما النوع الثاني من الإعانات فهو البطاقات التموينية والتي تسمح للعائلات بشراء سلع غذائية شهريا بسعر مدعم منخفض – مثل الزيت والسكر والمكرونة .. الخ

وخلال الصعود السريع في أسعار المواد الغذائية في العالم الأغذية في العالم، بما في ذلك الارتفاع القياسي في أسعار القمح، قامت الحكومة  المصرية بمجهودات جبارة للحفاظ على سعر رغيف الخبز البلدي ثابتا عند 5 قروش. وتبعا لذلك ، حتى في خضم الأزمة، كان يمكن لأي مصري أن يحصل على 20 رغيفا يوميا أي أكثر من 2 كيلوجرام من الخبز. فحتى بالنسبة لأولئك الذين يعيشون على أقل من 2 دولار يوميا لم يكن الجوع واردا اطلاقا في مثل هذه الحالة.

 ولكن ما الذي تسبب في احتجاج اضراب ابريل عام 2008 والذي ولدت على اثره حركة 6 ابريل؟

في الواقع أنه في ذلك الوقت بدا أن نظام دعم الخبز البلدي لا يعمل بكفاءة وظهرت الكثير من نقاط الفشل في النظام لدرجة أن المخابز لم تستخدم الدقيق المدعم لصنع الخبز بل باعوه في السوق السوداء بأسعار بلغت أحيانا 100 ضعف السعر المدعم الذي اشتروه به من الدولة (بسبب الارتفاع الكبير في أسعار القمح عالميا) مما أدى الى انخفاض حاد في انتاج الخبز و ظهور الطوابير الطويلة أمام المخابز، وهو ما فجر استياء شديدا في أوساط الفقراء لتزايد الصعوبات التي تواجههم في توفير لقمة العيش.

ولتهدئة المصريين الغاضبين من أزمة أسعار الغذاء العالمية، اتخذت الحكومة المصرية عدة تدابير عاجلة حيث رفعت أجور العمال بالقطاع العام بنسبة 30% في مايو 2008، وتمت محاولات لاصلاح نظام دعم رغيف الخبز عن طريق فصل الانتاج عن التوزيع والحد من ظاهرة الطوابير وزيادة السلع الغذائية على بطاقات التموين المدعمة... الخ.


وكانت الخطوة الكبيرة في أن الحكومة قد زادت أعداد المستفيدين من بطاقات التموين من أقل من 40 مليونا الى أكثر من 63 مليون مصري  مع توسيع مظلة نظام بطاقات التموين لتشمل كل المصريين الذين ولدوا ما بين 1989 (سنة توقف اصدار بطاقات تموين جديدة) وعام 2005 .


و هو أمر لم تجرؤ أعتى حكومات العالم اشتراكية و يسارية أن تقوم به 



REPORT OF THE 32ND RECA SEMINAR ON FOOD SECURITY – GLOBAL TRENDS AND PERSPECTIVE held at IDACA, Tokyo, Japan, 12–25 July 2010. P. 159.

هذه الزيادة الكبيرة في بطاقات التموين رفعت الانفاق الحكومي على الدعم الى مستويات غير مسبوقة. ففي السنة المالية 2008/2009 كان دعم المواد الغذائية يكلف الحكومة المصرية حوالي 22 مليار جنيه (منها 16 مليار لانتاج الخبز البلدي) مقارنة ب 10.3 مليارات فقط في السنة المالية 2007/2008 . وهكذا فان الانفاق على المعونات الغذائية ارتفع من 1.4% من الناتج المحلي الاجمالي في 2005 الى مايقرب من 2% في 2008

Afro-Asian Rural Development Organization. 2010. REPORT OF THE 32ND RECA SEMINAR ON FOOD SECURITY – GLOBAL TRENDS AND PERSPECTIVE held at IDACA, Tokyo, Japan, 1225 July 2010. P.159.
Adams R.H., Valstar A., Wiles P. 2010. Evaluation Report of Egypt Country Programme 10450.0 (20072011) “Enabling Livelihoods, Nutrition and Food Security”. World Food Program, Office of Evaluation. P. 1.


ومن الجدير بالذكر أن قيمة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية ارتفعت خلال 5 سنوات بنسبة بلغت 83.7%، وذلك من العام المالى 2005/2006 إلى عام 2011/2012، وهى ما تعد نسبة كبيرة للغاية. كما ارتفعت مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية خلال موازنة العام المالى الحالى إلى 157.8 مليار جنيه مقابل 126.6 مليار جنيه عام 2010/2011، وذلك بسبب ارتفاع قيمة دعم الطاقة والبالغة 95.5 مليار جنيه، مقابل 67.7 مليار جنيه عام 2010/2011.

ومن المهم أيضا ملاحظة أن نسبة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية إلى الناتج المحلِّى الإجمالى في مصر 2009 كانت 8.5% ، وارتفعت الى 9.2% خلال عام 2010 ثم ارتفعت في 2011 الى 10%  ، وهي نسبة تتجاوز بكثير النسب المقابلة في اقتصاديات ناشئة أخرى ، كما يظهر من جدول المقارنة التالي:


نسبة الدعم الى الموازنة
(النفقات العامة للدولة)
نسبة الدعم الى الناتج المحلي الاجمالي
(حجم النشاط الاقتصادي في البلد)
مصر
25 %
10 %
اندونيسيا
18 %
3 %
تونس
16 %
4 %
كرواتيا
6 %
2 %
كولومبيا
 1%
 5%
أرمينيا
 4%
 3%
جنوب أفريقيا
1 %
4 %



هذه النسب أعلاه في مصر حيث كانت تحكمها حكومة قيل عنها أنها حكومة رجال الأعمال ودعم الأغنياء و افقار الفقراء!


ولكن الحقيقة أن مصر تنفق على الدعم أكثر من أي دولة نامية أخرى !


وبالتالي، يكون هتاف "عدالة اجتماعية" مثيرا للتأمل !


و الطريف بعد ذلك أن نكتشف أن من لديه القدرة المالية علي الاستهلاك يحصل علي قدر أكبر من السلع المدعمة، بينما من لديه قدرة أقل فإنه يحصل علي كمية أقل.
 وهكذا فبينما الشريحة ال 20% الأفقر في مصر تحصل علي 16% من الدعم الغذائي و13% من دعم الطاقة فقط، فإن أغني 20% من المصريين يحصلون علي 28% من الدعم الغذائي و34% من دعم الطاقة !!
 وهؤلاء الأغنياء هم الذين لايرغبون في تغيير نظام الدعم لأنهم الأعلي صوتا، ولو وصلت مخصصات الدعم الي نحو 20% او 40% من مستحقيها لقضينا علي نحو 70% من مشكلة الفقر في مصر.

ومن الملاحظ أيضا أن الدعم الذي يذهب لأهل المدن والحضر أكبر من الذي يقدم لسكان الريف، و الدعم الذي يحصل عليه المصريون في وجه بحري أكبر كثيرا من الذي يحصل عليه أخوتهم في الصعيد والوجه القبلي

ومن المثير أن المظاهرات خرجت في المدن وليس الأرياف، و خرجت في القاهرة ووجه بحري وليس الصعيد، لدرجة أن أهل الصعيد كانوا يقولون: هو فيه ايه في مصر؟




وفي التقرير الصادر عن المعهد الدولي لأبحاث سياسات الغذاء عن مؤشر الجوع في العالم لسنة 2010، نجد أن مصر قد نجحت في العشرين عاما الماضية في القضاء بشكل كبير على خطر الجوع بين الطبقات الأكثر فقرا


Global Hunger Index 2010
International Food Policy Research Institute IFPRI 







تبعا لذلك، فمن غير المعقول القول بأن الدعم لم يكن كافيا لدرجة هددت جزءا من السكان بأن يقعوا على حافة الجوع. 



بل أن بيانات منظمة الزراعة والغذاء (فاو) و بيانات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ، تصنف مصر من بين الدول التي لا تعاني من سوء التغذية.
فطبقا لبيانات عام 2010 ، فان انتشار سوء التغذية في مصر لا يتعدى 5% و هي نسبة تتساوى مع دول أخرى متقدمة أو غنية مثل أمريكا و أوروبا و دول الخليج النفطية ،
و في وضع أفضل من اقتصاديات صاعدة مثل البرازيل و الصين وجنوب افريقيا و الهند ، كما يظهر من الشكل التالي رقم 28:



شكل رقم 28: وضع سوء التغذية في مصر مساو للدول المتقدمة و أفضل من الاقتصاديات الصاعدة مثل البرازيل و الهند و جنوب افريقيا



ومن المهم أن نلاحظ أرتفاع استهلاك مصر من المواد الغذائية بشكل كبير في العقود الثلاثة الماضية


 حيث تقع مصر في المركز ال 11 عالميا بالنسبة الى نصيب الفرد من استهلاك الحبوب


و مصر أيضا في المركز ال13 بالنسبة لنصيب الفرد من استهلاك الأرز.


وربما يكون من المفيد أن نشير الى أن توفير الغذاء للمصريين يعتبر امرا بالغ الصعوبة نظرا لمحدودية الأراضي الصالحة للزراعة و شحة الموارد المائية حتى وصل نصيب الفرد من المياه سنويا الى قرب حد الفقر المائي.
مصر هي بلد صحراوي بامتياز
في الشكل التالي رقم 29 مقارنة بين الأراضي الصالحة للزراعة في تركيا و مصر طبقا لبيانات منظمة الفاو، حيث نجد أن نصف الأراضي التركية هي أراض زراعية بفعل الطبيعية بينما الأراضي الصالحة للزراعة في مصر لا تتجاوز 4% من المساحة : 


شكل رقم 29: نصف مساحة تركيا هي اراض زراعية بطبيعتها منذ آلاف السنين و ننفر لها الموارد المائية الغزيرة من أنهار و أمطار بحيث أن تكلفة الزراعة في تركيا قليلة للغاية مقارنة بمصر التي لم تتجاوز مساحة الأراضي القابلة للزراعة فيها 4% في أي وقت من تاريخها الممتد 7000 سنة






نحن نعيش على أرض ذات موارد محدودة للغاية، ولا تكفي لاعاشة أكثر من 40 مليون من السكان طبقا لأغلب الاحصائيات والمؤشرات. أي أن الغذاء اللازم لأكثر من نصف المصريين لابد أن يكون غذاء مستوردا !!




ومع ذلك، فان الشكل التالي رقم 30 يوضح ارتفاع نصيب الفرد في مصر من استهلاك اللحوم رغم الارتفاع القياسي في أسعارها وتضاعف عدد السكان:





شكل رقم 30 : متوسط نصيب الفرد المصري من استهلاك اللحوم في ارتفاع مستمر طوال السنوات السابقة




و الخريطة التالية رقم 31 توضح موقع مصر مقارنة بدول العالم المختلفة من حيث نصيب الفرد من السعرات الغذائية يوميا حيث نجد أن مصر أقرب الى دول العالم المتقدم:



شكل رقم 31 : موقع مصر بين دول العالم من حيث نصيب الفرد من السعرات الحرارية الغذائية في اليوم



أما الخريطة رقم 32 أدناه فهي  توضح نصيب الفرد المصري من البروتين اليومي في غذائه مقارنة بدول العالم، حيث نجد مرة أخرى أن مصر في وضع أفضل من كل الدول العربية والدول المشابهة و أقرب الى وضع الدول المتقدمة:



شكل رقم 32 : مصر من الدولة الجيدة من حيث مستوى استهلاك الفرد من البروتين يوميا





مع ذلك، على الرغم من تخفيف نظام الدعم المصري من خطورة الاضرابات التي كانت متوقعة مع ارتفاع أسعار الغذاء، الا أنه لم يتغلب تماما على أثر الارتفاع الغير مسبوق الذي شهده العالم في أسعار المواد الغذائية. في الواقع، فإن نظام الدعم لا يشمل جميع السلع الغذائية الضرورية. الى جانب ذلك ، فان الأسر المصرية التي تستخدم بطاقات التموين تحصل بالسعر المدعم على حوالي 60 ٪ فقط من السكر الذي تستهلكه و 73 ٪ من احتياجاتها من الزيت  و 40 ٪ من الأرز، بالتالي لابد أن تشتري هذه الأسر باقي احتياجاتها بسعر السوق (التي هي ، بطبيعة الحال، بأسعار أعلى بكثير من تلك التي تدعمها الحكومة).


اقتبس من مدونة الصديق عمرو برجيسي:

<< مسألة "شعور" المواطن بالتحسن لا علاقة لها بالتحسن ذاته من عدمه، المواطن لم يشعر بالتحسن لغياب الخطاب السياسي المفسر للتحولات الاقتصادية والاجتماعية. مرة أخرى، كيف لم يشعر المواطن بالدعم وهو يشتري البنزين بأقل من ثمنه في الكويت (مصر رابع أرخص دولة على مستوى العالم، والأرخص على الإطلاق بين الدول غير الأعضاء في الأوبك)؟ أو سدس ثمنه في متوسط أوروبا؟ أو عشر ثمنه في هولندا؟ وكيف ورغيف العيش المدعوم سعره أقل من سنت أمريكي واحد؟ >>



النص التالي  ليس جزءأً من تقرير للحزب الوطني بل هو جاء  في تقرير نشر في 2010 كتقرير سنوي يصدره صندوق النقد الدولي عن الدول الأعضاء:


«أحرزت مصر تقدما ملموسا فى تنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة النطاق تسارعت وتيرتها بعد عام 2004 مما حفز على سرعة نمو الناتج، فبلغ المتوسط السنوى 7% خلال السنتين الماليتين 2006/2005-  2008/2007، مرتكزا على مكاسب الإنتاجية المدفوعة بالاستثمار الأجنبى والبيئة الخارجية المواتية. كذلك أدت الإصلاحات إلى تقليص المخاطر على المالية العامة والمخاطر النقدية والخارجية، مفسحة المجال للتصرف على صعيد السياسات الاقتصادية الكلية فى حالة مواجهة صدمات سالبة. وقد نجحت مصر نسبيا فى تجاوز الأزمة العالمية حتى الآن.»

هذا الكلام وهو ما يعكس إشادة كبيرة بالسياسات الاقتصادية للحكومة المصرية لدرجة أن التقرير يذكر نصاً أن المديرين التنفيذيين للصندوق قد أثنوا على السلطات المصرية لما أبدته من إدارة رشيدة للاقتصاد الكلي.
 أتى كل هذا قبل أشهر قليلة من خروج مظاهرات كانت أهم شعاراتها هي «العيش و العدالة الاجتماعية» وهي شعارات اقتصادية بالأساس. وبينما كان آخر قرض طلبته مصر من صندوق النقد الدولي كان في 1993 وقامت بسداد آخر مديونياتها للصندوق في 1998 مكتفية بالاستماع لنصائح الصندوق بطريقة استرشادية، وهو ما يجعلنا نستبعد إمكانية أن تكون هذه الإشادة مجاملة من الصندوق للحكومة المصرية لأنها تنفذ برنامجاً اقتصادياً وضعه الصندوق نفسه كشرط من شروط قرض مثلاً.




وأخيرا، جاء في أول تقرير صادر عن البنك الدولي عن مصر بعد تنحي الرئيس السابق ما يلي:

كان التباطؤ الاقتصادي العالمي قد أثَّر على نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لمصر، وأرصدة المالية العامة، ومستويات التضخم والفقر. وارتفع معدل البطالة إلى 9.4 في المائة وهبطت التدفقات الرأسمالية الوافدة (ولا سيما الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي هوت بنسبة 39 في المائة). ونفذت الحكومة المصرية خطة للتصدي للأزمة تتضمن تدابير مالية ونقدية وأخرى لتقديم الدعم المباشر. وجاءت حزم تدابير التحفيز المالي أساسا في شكل إنفاق إضافي، بما في ذلك زيادة الدعم والمنافع الاجتماعية. وعلى الجانب النقدي، قام البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة. وتعافي النمو الاقتصادي نتيجة لذلك. فنما إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.3 في المائة في السنة المالية 2010، مرتفعا من 4.7 في المائة في السنة المالية 2009 (لكنه لا يزال دون المتوسط الذي تحقق في السنوات المالية 2006-2008 وهو سبعة في المائة). وبدت علامات على انتعاش الأنشطة في قطاعات مثل البناء، والسياحة، والاتصالات. ومع ذلك، فإن الانتعاش كان أبطأ من أن يؤثِّر تأثيرا ملموسا على معدلات البطالة المتزايدة.
 وخلال العقدين الماضيين، تحسنت الأحوال الاجتماعية في مصر تحسنا ملحوظا: فقد انخفضت معدلات وفيات الرُضَّع وسوء التغذية بين الأطفال دون الخامسة بمقدار النصف، وارتفع متوسط العمر المتوقع من 64 عاما إلى 71 عاما. وتحسنت الظروف الاقتصادية ومستويات المعيشة للغالبية العظمى من السكان، وإن كان بدرجات متفاوتة. 


******************************************************************


وختاما أقول:





هل يصح الحديث عن توزيع الثروة قبل تراكم الثروة أولا؟

 الأمر يبدو كمن يريد توزيع ثمار المزرعة على الجميع قبل أن ينضج المحصول كله لمجرد أن بعض شجيرات المزرعة نضجت قبل غيرها.

الطبقة الوسطى بالتأكيد تعاني.. كغيرها من الطبقات الوسطى في كل العالم. ولكن لأن الحياة ظهرت فيها متطلبات أكثر و أكثر.. و الطموح زاد عند الجميع و هو أمر محمود . اليوم في مصر 4 ملايين جهاز تكييف. قبل 10 سنوات كان في مصر فقط 300 ألف جهاز تكييف. ولن أتحدث عن عدد سيارات الطبقة الوسطى  في الشوارع المصرية و انشاء خط المترو الثاني والثالث من أجل الطبقات المتوسطة والفقراء... الخ

ما قلته هو اجتهادي و قد أكون مخطئا.. و لكن المؤكد ان الحزب الوطني و حكومته قد أخطأوا كثيرا في حق هذا الوطن حين لم يبذلوا الجهد الكافي للشرح و التوضيح و الاهتمام بالطبقات الدنيا و الاهتمام بمشاكل العمالة المؤقتة .. و الأهم من ذلك، لم يبذلوا الجهد الكافي للحصول على دعم كل المصريين عبر اشراكهم في الافكار و القرارات و الخيارات. الصين والبرازيل أفضل منا كثيرا حيث نجحوا في أن يلتف الشعب حول قيادته رغم ان كلاهما على مؤشر العدالة الاجتماعية في وضع أسوأ كثيرا من مصر. لقد زرت الصين عدة مرات و كان من أهم تعليقات اصدقائي الصنيين أنهم لا يجدون سببا مقنعا يجعل المصريين يقومون بثورة و أنهم يرون أنهم أولى أن يثوروا نظرا لتردي حالة العدالة الاجتماعية و ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل جنوني و لكنهم لن يقوموا بذلك لأنهم يعلمون تكلفة النمو.

يا سادة ، لسنا بدعا من الأمم.. كل الدول التي نهجت التحول الى اقتصاد السوق كوسيلة للنمو الاقتصادي و الرخاء (ونحن مبتدءون ما زلنا نحبو خطوتين للامام و أخرى للخلف) كل هذه الدول والأمم مرت بنفس ما نمر به: لابد من نمو مضطرد يصل الى 10% سنويا لمدة 15 سنة على الأقل قبل أن يكون أي حديث عن عدالة التوزيع.

 مياه الأمطار تسقط على قمم الجبال أولا قبل أن تصل الى سفوحها. من يستفيدون أولا من أي نمو هم اولئك الأقدر على قطف الثمار العالية نظرا لما يملكون من تعليم و مهارة و خبرات ولغات

الكثيرون استفادوا من النمو الاقتصادي لأنهم متفوقون وموهوبون ويعملون في مجالات نمت بشكل أكثر من غيرها مثل الاتصالات و العقارات و ادارة الأعمال و ادارة المشروعات. كان الكثيرون مستعدون أكثر من غيرهم. الكثيرون من خريجوا الجامعات والذين يتقنون اللغات و علوم الكمبيوتر و يعيشون في القرن ال 21. 

ولكن هل يعني هذا أن هؤلاء استحوذوا على العوائد وحدهم؟

 أضرب مثلا: عندما استفاد أحدهم من عوائد النمو وانتقل من عمل الى عمل أفضل، استطاع أن يتزوج وأن يكون أسرة ويفتح بيتا ويشتري أثاثا و أجهزة صنعت في مصر، واستطاع آخر أن يصلح ويجدد في منزله و يستعين بالعمال و السباكين و الكهربائيين و الحرفيين، والكل يعلم أن المقابل الذي يحصلون عليه قد ارتفع الى ما يقرب من 200 جنيه يوميا وأكثر. أعتقد المعنى واضح، فقد وصل اليهم عائد النمو الاقتصادي بشكل غير مباشر.

كان الأمر يستدعي مزيدا من الصبر حتى يصل العائد الى الجميع، ولكن بعد أن تتراكم الثروة أولا


لابد لنا أن نفكر في كيفية تنمية الثروة وليس كيف نعالج الفقر. فهذه تؤدي الى تلك، و ليس العكس. الأولى تطمح الى أن نتساوى في الغنى، و الثانية لن تؤدي الا الى أن نتساوى في الفقر.



******************************************************************



Source: World Bank. World Development Indicators Online. Washington, DC: World Bank, 2011. URL:
http://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.PP.KD (1980–2009); value for 2010 calculated on the
basis of data presented in: Boubacar S., Herrera S., Yamouri N., Devictor X. Egypt Country Brief. Washington,
DC: World Bank, 2010. URL: http://siteresources.worldbank.org/INTEGYPT/Resources/EGYPTWeb_
brief2010AM.
pdf.
2 See: Korotayev A., Compact Mathematical Models of the World System Development and Their Applicability
to the Development of Local Solutions in Third World Countries, in Systemic Development: Local Solutions in
a Global Environment, edited by J. Sheffield (Litchfield Park, AZ: ISCE Publishing, 2009), pp. 103−116.
3 Boubacar S., Herrera S., Yamouri N., Devictor X. Egypt Country Brief. Washington, DC: World Bank, 2010.
URL: http://siteresources.worldbank.org/INTEGYPT/Resources/EGYPTWeb_brief2010AM.pdf.


Source: FAO ANNUAL REAL FOOD PRICE INDICES. URL:
http://typo3.fao.org/fileadmin/templates/worldfood/Reports_and_docs/Food_price_indices_data_deflated.xls.

Source: Overcoming Barriers: Human Mobility and Development. Human Development Report 2009. 20th
Anniversary Edition / Ed. by J. Klugman. New York, NY: The UNDP Human Development Report
Office/Palgrave Macmillan, 2009. P. 176–178.


Source: http://en.wikipedia.org/wiki/File:Percentage_population_living_on_less_than_$2_per_day_2009.png.
The data presented in this map have been checked for reliability on the basis of Overcoming Barriers: Human
Mobility and Development. Human Development Report 2009. 20th Anniversary Edition (Ed. by J. Klugman.
New York, NY: The UNDP Human Development Report Office/Palgrave Macmillan, 2009. P. 176–178) and
found full confirmation.




*****************************************************


فهل بالفعل كان تردي الأوضاع الاقتصادية هو السبب وراء 25 يناير؟


هل شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" كان مجرد شعار للاستهلاك الاحتجاجي، فحسب؟


ماحدث في ثورة يناير 2011 لا يمكن أبدا ارجاعه الى ما سمي في الأدب الشعبي ب "تردي الأحوال الاقتصادية" بأي حال من الأحوال. لكن بالتأكيد كانت هناك أسباب أخرى

الثورة كانت لأسباب سياسية فقط.. ومن أجل أن يصل الاخوان المسلمون وتيار الاسلام السياسي الى الحكم .. كل ما عدا ذلك، كان مجرد شعارات 




كانت هذه التدوينة محاولة لبناء المستقبل، في اطار ادراك الحاضر، واستعياب الماضي... لنتعلم ونفهم .. و حتى لا نقع في أخطاء اقتصادية تعود بنا الى الوراء لمجرد الانتقام من سياسات الماضي




م/ أحمد سرحان


--------