الفريق أحمد شفيق: الجيش هو «الأب» الذي حمى الثورة وخطأ مبارك القاتل.. ابنه
رئيس الوزراء الأسبق والمرشح المحتمل للرئاسة في حوار مطول مع «الشرق الأوسط»: مصر ستظل دولة مدنية
| ||
محمد مصطفى أبو شامة وأحمد الطاهري
الطريق إلى فيلا الفريق أحمد شفيق في القاهرة «الجديدة» استغرق أكثر من ساعتين في ظل اضطراب مروري غير مسبوق تشهده القاهرة «القديمة»، رغم محاولات الحكومة المصرية برئاسة الدكتور كمال الجنزوري، ممثلة في وزير داخليتها أن تعيد الانضباط المفقود للشارع المصري.هذا «الانضباط» أو الـ«system» بحسب قول شفيق هو مفتاح الحل لكل أزمات مصر، يقول هذا وينفي ارتباط مفهوم «الانضباط» الذي يقصده بالعسكرية التي قضي فيها معظم سنوات عمره حتى وصل إلى منصب قائد القوات الجوية في الجيش المصري قبل أن يختطفه العمل المدني عام 2002 وزيرا للطيران ثم رئيسا لوزراء مصر في أصعب أيام مرت عليها خلال عام 2011.
ويستعد الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء لمصر في عهد الرئيس حسني مبارك، للإعلان رسميا خلال أيام عن نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهو القرار الذي أربك حسابات الكثيرين من مرشحي الرئاسة المحتملين، ودفع الدكتور محمد البرادعي أبرز المرشحين لهذا المنصب لأن يخرج عن صمته تجاه منافسيه واصفا ترشح شفيق بأنه رسالة تعني أن نظام مبارك لم يسقط.
شفيق الذي تخطى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عامه السبعين، لا يرى غضاضة في ترشحه بعد أن خرج آلاف المتظاهرين في مارس (آذار) الماضي ينادون بسقوط حكومته، لأنه يؤكد أن هذه المظاهرات كان وراءها مؤامرة دبرها البعض لإخراجه من السلطة، كما أنه يرفض ادعاء البطولة بالقول إن مبارك كان يريد حرقه سياسيا عندما دفع به إلى مقدمة المشهد في نهاية عهده.
يدخل شفيق سباق الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر مشفوعا بتاريخه العسكري الطويل وتجربته الناجحة في العمل المدني كوزير، مقتنعا بنفسه كقائد ناجح وكخبير في الإدارة، يضع على قائمة أولوياته كرئيس محتمل قضايا رئيسية منها جذب الاستثمار وضبط المرور في الشارع وعودة أهل النوبة إلى أراضيهم، وكذلك إقامة منطقة حرة على ضفتي قناة السويس.
ويقف انتماؤه السابق للمؤسسة العسكرية ولنظام مبارك كحائل قوي أمام طموح شفيق الرئاسي، فالمزاج السياسي العام في مصر بعد الثورة أصبح أكثر ميلا لمدنية الرئيس القادم، ولكن ليس «المزاج» فقط هو ما سيحسم المنافسة الرئاسية القادمة فهناك ثلاث قوى رئيسية تهيمن على «الملعب» السياسي المصري، إذا استطاع أي مرشح أن يضمن تأييد اثنتين منها، يمكن له أن يختطف «كرسي» حكم مصر، هذه القوى - وفق وصف شفيق لأفراد الأسرة المصرية - تتمثل في أخين؛ أصغرهما شباب الثورة، وأكبرهما جماعة الإخوان المسلمين، أما الأب فهو القوات المسلحة المصرية. وإلى نص الحوار.
* أيام قليله وينقضي عام على أحداث 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وهي فرصه كافية لكي نحكم على الحدث ونعيد تسميته بشكل دقيق، هل كان ثورة أم انتفاضة أم انقلابا في وجهة نظركم؟
- مؤكد هي ثورة، ولقد أطلقت عليها في الأيام الأولى اسم «حركة» وقد يكون مرجع ذلك أنني من الجيل الذي عاصر ثورة يوليو 1952 وكان قد أطلق عليها حركة لفترة طويلة، أما ثورة 25 يناير فهي ثورة الجيش والشعب.. ويمكن من الناحية الأخرى يقول أحد إنه بمواصفات الثورة والقيادة المطلوبة للثورة لم يكن هذا موجودا ولكن الحقيقة حجم الدور الشعبي وتكاتف كل المؤسسات يقطع بأنه يجب أن يعتد بها كثورة حتى وإن لم يكن لها قائد أو زعيم أو رئيس.. هي ثورة واجتمع لها عدة عناصر لتثبيت أركانها.. ثورة أطلقها الشباب ونجحت بالشباب ووضعوا الأساس لها.. وليس هناك شك أن بناءهم للأساس بمفردهم كان سيحتاج وقتا طويلا لكي يزداد رسوخا، وإحقاقا للحق جاء دور الإخوان المسلمين بحجمهم وثقلهم عندما شاركوا الشباب في الميدان من يوم 28 يناير فازدادت رسوخا واستقرارا، كثافة الميدان تأكدت.. ثم جاء دور الجيش، وكما يستهويني القول إن القوات المسلحة فردت أجنحتها على كل هذه المجموعة شبابها وإخوانها.. فأمنتهم.. فأمنت الثورة على نفسها.. فنجحت.. وبهذا الحجم أصبحت ثورة شعبية فنستطيع القول إن الأخوين - الشباب وإخوانهم الكبار في الإخوان المسلمين - وأبوهم في القوات المسلحة، عندما تكاتف أفراد البيت تغير نظامه وحدث ما حدث.
* كنت رئيسا لوزراء مصر 34 يوما، كانت واحدة من أصعب الأيام في تاريخها؟ كيف تقيم تجربتك القصيرة في الحكم؟ وهل أصابك الندم بعد ذلك على اتخاذ هذا القرار؟ وإلى أي مدى أسهمت هذه التجربة في قراركم بالترشح لمنصب أعلى وهو منصب رئيس الجمهورية؟
- الـ34 يوما كانت صعبة.. القرارات والتوقيت الدقيق للغاية، وليس هناك شك أن الحمل كان ثقيلا جدا.. لكن في الواقع كانت أفضل بكثير من الفترة التالية؛ فمثلا الأسعار انخفضت ولم تستفحل وقتها ظاهرة البلطجية التي أصبحت ظاهرة شهيرة في الشارع المصري على مدى التسعة أشهر الماضية، أي لم تكن هناك معاناة مجتمعية للجمهور غير متاعب عدم الانتظام التي اقتضتها ظروف الثورة مثل المواصلات، ولكن من حيث الظروف الحياتية للجمهور كانت أفضل.
بالنسبة لي على المستوى الشخصي كمنصب في هذا التوقيت، المعاناة الحقيقية تزايدت مع الشعور الذي كان يبديه ميدان التحرير أو بعض العناصر في الميدان من رفض وجودي في الوزارة، وهذا لم يكن من اليوم الأول في المنصب بل كانت المناداة في بداية الأمر بتغيير عدد معين معي في مجلس الوزراء ثم بدأ معدل الضغط على اسم أحمد شفيق يزداد وهذه كانت المعاناة الحقيقية.. ولكن لا أنكر أن الذي أتعبني معنويا شعوري بأن الميدان في جزء كبير منه ينادي بتركي للموقع.
* ما تفسيرك إذن لهذه الأصوات التي ارتفعت للمطالبة بسقوط حكومتك؟
- التفسير واضح جدا لدي الآن، لأن الشباب الذي نادى بخروجي يأتون الآن إلى بيتي متفاعلين معي جدا ومتفاهمين معي جدا وذكروا لي كل التفاصيل والأسباب التي كانت وراء مناداتهم.. ومن الذي كان يدفعهم إلى ذلك.
* هل الموضوع يحمل أسرارا أم أن هناك مؤامرة قد دبرت لإخراجك من السلطة؟
- هذا الموضوع تستدعي الظروف الراهنة للدولة أن أؤجل الحديث فيه لوقت آخر، ولكن يمكن أن أقول إنه كانت هناك حملة منظمة أدارها البعض لإسقاط الحكومة.
* ألم تندم على قبولك رئاسة الوزراء في هذا الوقت الصعب؟
- إطلاقا.. فكرة الندم هذه ليست موجودة.. وإذا تكررت التجربة كما هي سأخوضها.. بداية أنا رجل بطبعي مقاتل.. لا أستهدف المهام السهلة.. بالعكس من يريد البناء يبني في الصعب وليس في السهل.. أنا رجل تمت مناداتي في توقيت كانت البلد فيه في محنة لعلي أستطيع أن أقوم بدور، وقبل ذلك بثلاث سنوات كان يقال أحمد شفيق سيتولى رئاسة الوزراء وفي الخارج أيضا كانوا يتحدثون عن ذلك وكتب في «وول ستريت جورنال» بوضوح أن هذه الشخصية مرشحه لكذا وكذا وكذا.. وهذا الكلام كان يتردد وأنا كنت أسمعه جيدا ولكني كنت أعلم أنني لن أعين رئيسا للوزراء.
* لماذا؟
- لأن أسلوب العمل والتداخل الذي كان يتم بين الحزب الوطني بكوادره العليا ومجلس الوزراء.. لم يكن أبدا سيصلح معي بحال من الأحوال وأعتقد أن الكل كان يعي ذلك ولم يحدث حتى محاوله لتكليفي بالموضوع.. ولذلك كان الناس يقولون ستأتي رئيسا للوزراء وكنت داخليا أعرف أنه لن يحدث.
* تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال» الذي أشرت إليه، طرح اسمك بشكل علني للمرة الأولى كخليفة لمبارك.. كان ذلك في منتصف ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وقبل أيام قليلة من الثورة، هل كان ذلك دافعا لاختيار مبارك لك في منصب رئيس للوزراء كي يقوم «بحرقك» سياسيا حسب المفهوم الشائع؟
- للتوضيح هم في البداية تحدثوا عن ترشيحي لرئاسة الوزراء، ثم بعد ذلك تحدثوا عن خلافتي لمبارك، أما فيما يخص الحديث عن أن مبارك كان يقصد حرقي سياسيا فلا أعتقد ذلك على الإطلاق.. لأن حرق أحمد شفيق في هذه الفترة كان يعني حرقه هو أيضا.. والرئيس السابق وقتها كان يريد حل المشكلة.. ولم يكن يعنيه مسألة حرق أحمد شفيق قدر الخلاص من الموقف والنجاة بنفسه.. ولذا فقد شعر أن أفضل من يستطيع التعامل مع هذا الموقف هو أحمد شفيق.. فأتى بي.. والموضوع كما أقوله بهذه البساطة ولا يمكن أبدا أن أدعي دور بطولة وأقول إنه كان مطلوبا حرقي أو أشياء من هذا القبيل.
* هذه التجربة غير السعيدة - ولن نقول المؤلمة - لك في رئاسة الوزراء، وهذه الميادين التي خرجت للمطالبة بإسقاط أحمد شفيق.. وتقول إنه كانت هناك مؤامرة.. هل من المنطقي أن يدفعك هذا للتفكير في منصب أكبر وهو منصب رئيس الجمهورية؟
- أكثر من منطقي.. لأني علمت أبعاد المناداة بتركي للوزارة.. ولم تكن مناداة شعبية ولكنها مناداة أبعادها واضحة أمامي مثل الشمس ومن أدارها أطراف داخلية مدنية.
وأعود إلى السؤال حول أسبابي لاتخاذ قرار الترشح للرئاسة.. عندما تركت الوزارة جاءني في اليوم التالي أمام منزلي نحو 4000 مواطن.. وأصبح الموضوع يتكرر كل يوم جمعة، وهو ما دفعني إلى أن أكتب على الإنترنت: «رجاء أعتذر وأشكركم ولكني غير موجود بالمنزل». وكنت أدعي ذلك حتى لا أرهق الناس وأرهق جيراني.. وعلى مدار الأسبوع طوال الفترة الماضية تأتيني أفواج من البشر وينادونني بأن أرشح نفسي.. وكنت أستغرب وفي بعض الأوقات فسرته على أنه من باب التعاطف معي وأن الكثيرين غير راضين عن خروجي من رئاسة الوزراء. ولكن التعاطف لا يدفعهم إلى هذا الإصرار.. وما أعلمه جيدا أن هناك أناسا كثيرين يقدرون الدور الذي يعلمونه عني في وزارة الطيران على مدار عشر سنوات. لذا أعتقد أن من طالبوني بالترشح أخذوا الموضوع برمته تعاطفا معي في تركي للوزارة واقتناعا بتجربتي في الطيران المدني، كما أن أسلوبي في إدارة الدولة على مدى 34 يوما كان محل تقدير أيضا..
* لكنك صرحت بعد خروجك من الوزارة أن ترشحك للرئاسة مستبعد؟ ما الذي غير موقفك؟
- الموضوع حقيقة كان مستبعدا في ذهني تماما في البداية وكنت أخرج لهم وأشكرهم. ولكن شهرا وراء شهر وبمعايشتي عشر سنوات في العمل العام المدني ومن خلفها أربعون عاما من الخدمة في عمق العمق بالقوات الجوية وكلها مواقع قيادية؛ وهو موضوع ليس سهلا على الإطلاق ربما لا يعرفه من في الخارج لكن من في الداخل يدرك ويشعر تماما ماذا فعلت عندما توليت القوات الجوية.. مع هذه الخبرات كنت أراجع خلال الأشهر الماضية ما يصدر من قرارات ومواقف حيال ما نقابله من مشاكل وسرعة رد الفعل لم تكن بالشكل المطلوب.. خلاصة القول شاهدت إدارة تدفع الإنسان إلى اليأس، وكنت مندهشا لأسلوب حل المشاكل من جانب الحكومة السابقة.. ووجدت كل ما حذرت منه يحدث.. والمشاكل لا تحل وتزداد تعقيدا.. وعلى المستوى الشخصي كنت قلقا على حياة أسرتي.. هل يعقل أن نتعايش مع البلطجية في الشارع؟! وهل يعقل أن نخشى الخروج في أوقات متأخرة ونشعر بالقلق ونحن نوصل أولادنا إلى المدارس ولا يوجد ردود فعل؟! الخراب الذي يحدث عندما نسكت عليه سنعتاده.. مثلما اعتدنا على وجود أكوام القمامة.. إن الأخطر من السكوت على المشكلة تركها حتى يعتاد الناس عليها ثم يتعايشون معها وتصبح جزءا من حياتهم.. وأضف إلى ذلك التصاعد الخطير في الأسعار بلا رابط وبلا معنى وزيادة معاناة الأسر المصرية بشكل قاس يهدد بتفجر البيوت من داخلها.. هذا أمن قومي.. هناك حالة رعب تسيطر على الناس.. كل هذا دفعني للتفكير واتخاذ قرار الترشح.
* قائد للقوات الجوية. وزير للطيران. رئيس للوزراء. ثلاثة مناصب قيادية بارزة تزين سيرتك الذاتية.. في رأيك ما أوجه التشابه والاختلاف بين هذه المناصب؟
- قد تستغرب إذا قلت إن القيادة هي القيادة في أي موقع.. مهارات وأدوات القيادة لا تختلف من موقع لآخر.. الانضباط والالتزام.. لذا لا تجد فجوة مثلا عند الأوروبيين بين المدنية والعسكرية لأن هناك التزاما في الشارع والمواطن في جميع الأحوال ملتزم.
* في ضوء الحديث عن المدنية والعسكرية.. كنت عسكريا لمعظم سنوات عمرك وقضيت سنوات نضجك مدنيا، بحكم هذه الخبرة بين الحياتين العسكرية والمدنية ما أسباب سوء الفهم المتنامي بين الجيش والشعب في الشهور الأخيرة؟ وهل وصلت العلاقة إلى مرحلة الخطر في ضوء الأحداث الأخيرة؟
- لا يمكن أن يصل الموضوع لمرحلة الخطر.. الموضوع بالضبط مثل الأسرة التي ينشأ بداخلها خلاف ولكن إذا تفجر الخلاف سيكون على رأس الجميع.. الكل سيخسر.. ولن نصل إلى هذه المرحلة أبدا ومهما حدث لن نسقط في الخلاف المباشر بين الجيش والشعب لأنه دمار على الجميع ولا يستطيع أحد قياس أبعاده، وعلينا أن ندرك أننا نخوض تجربة خاصة إلى حد ما، فلقد أوكلت للقوات المسلحة مهمة ثقيلة للغاية في ظروف البلد فيها غير منتظمة.. الاندفاع القوي الذي حدث للحركات السياسية والأحزاب المختلفة صعب أيضا من المهمة.. فكل المتغيرات حدثت في توقيت واحد.. ظهر الإخوان وظهر السلفيون وآخرون. وكل طائفة تخرج إلى الساحة تستدعي خروج طائفة أخرى لكي تعبر عن نفسها أيضا..
* هل ستتحمل مصر كل هذه الطوائف والفرق السياسية التي خرجت بعد ثورة يناير؟
- الطاولة المصرية الآن عليها الكثير من المجموعات؛ الإخوان والسلفيون والصوفيون والمسيحيون والبدو، بالمناسبة لا أحد يعرف أن عدد البدو يصل إلى 18 مليونا.. كذلك أهل النوبة.. ترى هل سيكون في بلدنا طوائف أخرى؟ الموضوع مفتوح.. العملية في البداية كانت «مسلم ومسيحي» والمشاكل تتصاعد لو واحد من هنا «يعاكس» واحدة من هنا «ويتخانقوا شوية وبعدين يتصالحوا».. اليوم الموضوع مختلف وهذا الكلام أقوله للجميع.. الموقف الآن يحمل عنصر قوة وهو أمر خطير، هذه القوة مصدرها أن شعورنا بطائفيتنا يعطي نوعا من حب الذات والرغبة في الارتقاء بالمستوى، ومسموح للجميع أن يرتقي بشكل رأسي سياسيا واقتصاديا.. لكن حذار من الزحف الأفقي وأن تجور على حساب الآخرين.. لأن المشكلة الآن أصبحت متعددة الأطراف.. التشابكات على قدر ما فيها من تنافسية لمصلحة المجتمع.. إلا أنه يلزم وجود يد قابضة حديدية للدولة تطبق الحدود وتجبر الجميع على القواعد المنظمة دون هرج ومرج وتسيب.. الكل في محله يجتهد محترما للآخر.. الكل يمارس حريته ولكن حريته تنتهي عند حرية الآخرين ويجب أن نقر بذلك.. لا بد من هضم هذا الطابع حتى نستطيع العيش بشكل أفضل مما كنا فيه.. ولكن الواقع الجديد هذا إذا ما صاحبه انفلات ستكون العواقب وخيمة.
* نعود للجيش وعلاقته بالشعب.. في رأيك ما أسباب ما وصلنا إليه؟
- فيما يخص الجيش، ظروف كثيرة تكاتفت.. بداية لو أحسنت الحكومة – أقصد حكومة عصام شرف - وهي الجهة التنفيذية المنوط بها إدارة الدولة، ولو كانت أكثر حسما في وضع الأمور في نصابها الصحيح لكانت وفرت دورا كبيرا على القوات المسلحة وكانت قللت من حجم التدخلات التي حدثت، بأن تشكل جسرا بين القوات المسلحة والشعب.. من المفترض أن القوات المسلحة تقوم بمهام رئيس الجمهورية.. هل كان رئيس الدولة يؤدي كل المهام التي تؤديها الآن القوات المسلحة؟ بالطبع لا.. والسبب في ذلك عجز الوزارة.
* على ذكر الحكومة السابقة ما مدى صحة أن الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء الأسبق طرح عليك ضم الدكتور عصام شرف إلى التشكيل الوزاري الذي أعقب تنحي مبارك وأنك قابلت طلبه هذا بالرفض؟
- بالعكس.. لقد التقيت الدكتور عصام شرف وكان الدكتور يحيى الجمل حاضرا، وعرضت عليه وزارة الصناعة وتناقشنا وغادر من عندي على أنه سيتولى وزارة الصناعة واعتذر في اليوم التالي وأبلغني بالاعتذار بطريق غير مباشر عبر أحد الزملاء في اتصال هاتفي.. وأعتقد أن عصام وقتها استشعر أو علم أن هناك نوعا من التخطيط على أنه سيكون الحصان الأسود للثورة، ففضل الابتعاد.. لست متأكدا من هذا لكن يجوز.
* قمت بتعديل وزاري عقب تنحي مبارك، ما الفلسفة التي حكمت هذا التعديل؟
- كان هذا التعديل في منتصف الفترة التي قضيتها رئيسا للوزراء، وكنت أقصد منه الاستعانة بمجموعة من المعارضين، ليكون هناك ائتلاف من القوى السياسية، صحيح لن تكون وزارة ائتلافية بالمعنى الدقيق لأن رئيس الوزراء في نهاية الأمر هو الذي يعين، ولهذا كان اختياري لوزير السياحة منير فخري عبد النور ووزير التضامن الدكتور جودة عبد الخالق والدكتور يحيى الجمل الذي أحمل له كل تقدير، فالدكتور الجمل كان من أجرأ الناس على الإطلاق في كتاباتهم في عهد الرئيس السابق، كان يكتب بمنتهى القوة وبمنتهى الأدب والأصول ولم يكن مثل الذين يهاجمون من الخارج وهم في مأمن من أن تطولهم يد السلطة، كان الجمل معارضا عف اللسان وقويا.
* في الحادي عشر من فبراير (شباط) الماضي أعلن السيد عمر سليمان تخلي الرئيس مبارك وتكليفه للمجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، كيف قرأت هذا القرار في حينه؟ وكيف صيغ هذا القرار الذي يعني هدم كل مؤسسات الدولة ووضع كل الصلاحيات في يد القوات المسلحة وما تقييمك لأداء المجلس في هذه المهمة؟
- كان من الممكن أن توكل هذه المهمة لنائب الرئيس أو لرئيس مجلس الشعب.. لكن الثورة العارمة التي كانت في الشارع وقتها، لم يكن هناك غير القوات المسلحة فقط هي من يستطيع الإلمام بأمور الدولة، وجدت القوات المسلحة نفسها فجأة في هذا الموقف الصعب، هي لم تذهب لقطف وخطف ثمرات، ولقد كانت قادرة على أن تقول للرئيس السابق تنحى قبل أسبوع على الأقل من هذا التاريخ لأن كل شيء كان منتهيا وكان سيتنحى.. كانت تستطيع أن تفعل ذلك وقتها بكل يسر.
ومعنى الثورة أن «كله من أول وجديد».. وهو ما كان يعني أن كل المؤسسات انتهى دورها فتم حل مجلسي الشعب والشورى ثم كلفت بالاستمرار في الوزارة ولكن بتشكيل جديد.
* ولكن كثيرين يرون أن الثورة لم تحقق أهدافها حتى الآن؟
- لقد جلست مع العديد من الشباب وكانوا يأتون إلى منزلي بأعداد تصل إلى 50 و60 شابا وكان النقاش يمتد لساعات متأخرة من الليل.. وكنت عندما أسأل أحدهم ما هو طلبك، فكان يرد: القيادة تنحت لكن النظام لم يتغير.. وكنت أشرح لهم هيكل نظام الدولة وأسأل بعد ذلك ما هو مطلبك لكي تشعر أن النظام تغير؟ فيرد أحدهم: نقيل حتى درجه مدير عام.. فقلت: اشمعنى مدير عام؟ فيرد: علشان الفساد.. فقلت له ممكن واحد درجته فوق مدير عام وليس فاسدا وممكن يكون هناك أقل من مدير عام وفاسد.. أنت تريد أن نزيل نصف الهرم الإداري أو أكثر ولكن قد يكون في القاع من هو أكثر فسادا، هناك تجربه جيدة في التشيك كتب عنها الدكتور عمرو حمزاوي متمثلة في قانون الفساد والذي بموجبه تمكنت التشيك من القضاء على الفساد بنسبه كبيرة خلال 10 سنوات.. أي أنها عملية تسير مع حركة الدولة ومضيها في طريقها لتحقيق أهدافها..
* وما رأيك في المعتصمين بميدان التحرير حتى الآن؟
- اللى قاعدين في الميدان مش عايزين يمشوا لحد ما الفساد يمشي من الدولة دول مش عايزين مصنعهم يشتغل ولا ورشتهم تشتغل، ومستمتعين بالبقاء تحت راية الثورة عاطلين.. هل يعقل أن يقول عصام شرف الثورة تقترح لي اسم وزير، فيذهب له أفسد ناس في الوزارة ممن تحمل سجلاتهم كل أشكال الفساد وبعد أن يمروا على الميدان.. يدخلوا له المكتب ويقولوا «إحنا عايزين فلان وزير».. ولو اطلعت على ملفاتهم تجدها مرعبة واللي عايزينه وزير هو أيضا له ملف فساد أكثر ضخامة منهم.. هل يعقل هذا؟!
* بشكل موضوعي ما تقييمك لأداء المجلس العسكري خلال ما مضى من المرحلة الانتقالية؟
- لا شك أن هناك بعض الخطوات قد لا أتفق معها.. وقد عبرت عن مواقفي تجاه ذلك، فمثلا أنا لم أكن متفقا مع ما اقترحته اللجنة التي رأسها المستشار طارق البشري من حيث البدء بانتخابات مجلس الشعب.. هذه رؤيتي قد أكون على صواب وقد أكون مخطئا. كما يرى البعض أن هناك تأخرا في بعض القرارات، يعني مثلا قيل إن هناك مصادر تمويل من الخارج لبعض الجهات والتيارات.. كنت أتمنى لو أنهم استطاعوا أن يعلنوا عن مصادرها بشكل أسرع ربما كانت تحسم الأمر بشكل مبكر، لكن ربما هناك انتظار لبعض الأمور حتى تتوافر لديهم.. هناك بعض الأشياء ضبابية كان يمكن الإسراع فيها، كان هذا سيساعد على توضيح المواقف بشكل أفضل لأنهم مسؤولون عن البلد، ولكن مهما كان تقييمنا للأداء فإن ما قامت به القوات المسلحة من دور جنب مصر مشكلات كبيرة، مشكلات ستترك آثارها لعشرات السنين في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، هذا ليس معناه إنكار للشهداء فهم فوق رؤوسنا، ولكن يجب أن نحافظ على مبدأ طالما أردنا أن يكون هناك دولة.. وهو أن تكون جهة واحدة هي التي تحمل السلاح.. إذا وجد السلاح في الاتجاهين لا يمكن تجنب وقوع خسائر ولا يمكن أن يتوقف الدم.
* كتب الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل للرئاسة يوم الأربعاء 28 ديسمبر الحالي على حسابه الشخصي على «تويتر» نصا يقول: «عندما يعلن رئيس وزراء مبارك الذي أسقطته الثورة نيته للترشح ليكون رئيسا لمصر الثورة، فالنظام السابق حي يرزق» ما تعليقكم.. مع الوضع في الاعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي يعلق فيها البرادعي على أي من المرشحين للرئاسة؟
- أقول له نصا: «انتبه لحالك.. وارتق إلى مستوى المسؤولية.. البلد في حل من تحمل الصغائر التي تدور حاليا.. لست قيما على فلان أنه يرشح نفسه أو لا يرشح.. ولكن المواطن المصري هو الذي سيقرر». وهذه ليست المرة الأولى التي يتناولني فيها الدكتور البرادعي بمثل هذا الحديث.. وعموما أنا رجل تاريخي معروف ولدي من التجارب ولدي من الخبرات وحاصل على أرفع الدرجات العلمية والأكاديمية في مختلف المجالات المدنية والعسكرية ولا يعرف كثيرون أيضا أن من ضمن هذه المؤهلات دبلومة في الدراسات الإسلامية وما يشغلني هو خدمه مصر.
* هل جمعتك علاقة سابقة مع الدكتور محمد البرادعي؟
- دعني أقل إنني كنت سعيدا جدا بالبرادعي وهو يطلق كلماته في البداية.. صحيح كان يطلقها من بعيد.. على عكس آخرين مثل يحيى الجمل وحسن نافعة كانوا أكثر جرأة لأنه كان من الممكن أن يلاقوا أذى أو يسجنوا من جراء كتاباتهم، في حين أن البرادعي لديه حصانة دولية ولن يسجن.. وأذكر أنه عندما وصل إلى مطار القاهرة قادما من فيينا على ما أعتقد.. وكنت وقتها وزير طيران، والأمن اعترض على دخول أكثر من 200 شخص لاستقباله للحفاظ على صالة الوصول بالمطار.. أقسم بالله أني قمت بنفسي بالاتصال بمسؤول الأمن وطلبت منه أن يفتح أبواب الصالة على مصراعيها ويسمح بدخول كل من حضر لاستقباله.. لأنني فعلا كنت سعيدا بالبرادعي والتظاهرة القادمة له.. لأن البرادعي كان رافعا راية «لا للتوريث» ولم يكن أحد منا يتحمل موضوع التوريث هذا أبدا، بالعكس كنت منفتحا جدا على البرادعي لكن مع الوقت وجدت هذه الإساءات المتكررة في حقي.
* أثير جدل كبير فجره الصحافي المصري محمد حسنين هيكل حول دور سلاح الطيران في حرب أكتوبر 1973 ، جاء ذلك بعد سنوات طويلة اختزلت فيها عبقرية الجيش المصري في هذه الحرب في شخص مبارك والضربة الجوية الأولى، باعتبارك شاهدا ومشاركا في هذه الحرب ما تعليقك؟
- الحقيقة أننا دائما نبالغ.. فلقد بالغنا في الإشادة بالضربة.. علما بأن أثرها العسكري كان جيدا.. لكن أيضا العبور كان أثره كاسحا.. وعندما قلبنا الدفة بالغنا أيضا.. أي بالغنا في الإشادة وبالغنا في النكران.. سلاح الطيران لم يكن دوره ثانويا أبدا.. ولكن لم يكن صاحب الدور الوحيد.. والقوات الجوية في حرب أكتوبر قبل أن تنفذ خطتها كانت قد رفعت معنويات جنودنا وكسرت حاجز الخوف عندهم، تحقق ذلك عندما رأوا 250 طائرة متجهة لبدء ملحمة تحرير الأرض، ولكن الكل أدى دوره بعبقرية في كافة الأسلحة.. ورغم ذلك لا أنكر أنني أقدر الأستاذ هيكل رغم أنه أساء لي ثم استدرك بعد ذلك.
* ما طبيعة هذه الإساءة وكيف استدرك بعد ذلك؟
- فجأة خرج الأستاذ هيكل في التلفزيون، وقال: رئيس الوزراء رجل عنده همة إلا أن عمق صداقته بمبارك كبير جدا الأمر الذي يدفعه لاستقلال طائرة صباح كل يوم والذهاب إلى شرم الشيخ ليتناول معه قهوة الصباح ويتناقش معه في أمور الدولة ثم يعود، وهو ما يعني أن الدولة تدار من شرم الشيخ.. طبعا كانت هذا الكلام صعبا وأنا لست صغيرا ولكني آثرت الصمت إلى أن كنت – قريبا - في أحد المنتديات وذكر هذا الحديث فقلت إنه على مدار 42 سنة منذ مايو (أيار) 1969 ومنذ تعيين حسني مبارك رئيس أركان للقوات الجوية لم أدخل منزله حتى تنحى عن الحكم في فبراير الماضي.
* هل يستحق حسني مبارك هذه النهاية المؤسفة من وجهة نظرك؟
- القانون هو الذي يقول.
* بعيدا عن قرار المحكمة.. كيف ترى الأمر؟
- ما أراه بمنتهى الصراحة أن حسني مبارك أخطأ خطأ شديدا في موضوع «ابنه».. ويمكن لأني ألمس الموضوع عن قرب أن ابنه كان نكبة عليه وعلى أسرته وعلى البلد كلها.
* لمن أعطيت صوتك في الانتخابات البرلمانية.. لأي القوائم من بين التيارات المرشحة؟ وما تقييمك للعملية الانتخابية؟ وهل ترى برلمان 2012 معبرا عن كل طوائف المصريين وجديرا بكتابة دستور مصر الجديدة؟
- أولا.. لن أستطيع أن أعلن عمن أعطيته صوتي، الأمر الآخر لا تستطيع إنكار أن هناك مدا إسلاميا يجب أن نقر به ولكن هل النسب التي ظهرت سواء في المقدمة أو المؤخرة هي نسب بالغة الدقة؟.. أشك.. ولا أعني بذلك أن عدم الدقة قد تسبب في زيادة نسبة الإخوان فوارد أنه لو كانت هناك دقة كانوا حصلوا على نسبة أعلى أو العكس صحيح، لكن ما أعنيه أنه كان هناك عدم دقة نابع من كونها تجربة أولى وبهذا الاتساع وبهذا الضيق في الوقت وصعوبة الاختيارات وتنوعها لذا أرى أن الانتخابات القادمة ستكون أكثر دقة. أما موضوع الدستور، فأرى أنه من المفترض أن لا تكون هناك علاقة إطلاقا بين المجالس النيابية ولجنة إنشاء الدستور.. لأن المجلس النيابي عبارة عن أهواء المواطنين في لحظة معينة ولمرحلة معينة هي خمس سنوات.. فأهواء المواطنين هذه المرة يمينية.. وارد جدا أن نفس المواطنين تكون أهواؤهم يسارية بعد خمس سنوات.. فمجلس الشعب يعبر عن رغبة المواطنين في الحكم الآن.. لكن الدولة تضع لها دستورا تسير عليه لمدة 100 سنة أو 200 سنة تكون في حاجة إلى لجنة متجردة متوافق عليها بعيده تماما عن المجالس النيابية..
* ما أفضل المعايير من وجهة نظرك لاختيار لجنة الدستور؟
- أن تكون لها مقومات، أولا أن يكون عددها مثلا 100 وتحدد معايير التمثيل، مثلا 30 من القانونيين و20 من الاقتصاديين و20 من رجال السياسة و30 من النقابات وممثل عن الجيش وممثل عن الشرطة وهكذا، ثم تبدأ في طرح ضوابط اختيار كل فئة.. بأن يكون الـ30 قاضيا مثلا بترتيب قانوني بأن يتم توزيعهم على طوائف المجتمع بالنسبة والتناسب حسب أعداد الطوائف، مثلا كم عدد الإخوان المسلمين في جداول الإخوان وليس في البرلمان فيكون للإخوان عنصران مثلا أو ثلاثة وهكذا، والنقابة الفلانية كذا والنقابة الفلانية كذا، بحيث تجد الشعب كله في النهاية ممثلا، ثم يستفتى الشعب وننطلق، أما الآلية المعتمدة الآن بأن يتم اختيار أعضاء اللجنة جميعها من خارج المجلس ولكن بواسطة أعضاء المجلس فلا أراها منطقية.
* هناك صراع واضح أقرته الانتخابات البرلمانية وبات مؤكدا أنه سيزداد اشتعالا خلال الأيام المقبلة بين دولة مدنية ودولة إسلامية إلى أي طرف سينضم أحمد شفيق مرشح الرئاسة؟
- مدنيه.. قطعا.
* مهما كان الثمن الذي قد تتحمله؟
- مهما كان الثمن لأن هذا مبدأ.
* ما تصوركم لنظام الحكم في مصر خاصة مع ما وضح من رغبة لدى الإخوان المسلمين والسلفيين في أن يتحول النظام القائم شبه الرئاسي إلى نظام برلماني يقلص صلاحيات رئيس الجمهورية إلى أدنى حد ممكن؟
- التجربة الحزبية في مصر ما زالت ضعيفة للغاية.. من هذا المنطلق من المستحيل أن نعتمد على نظام برلماني الآن.. على الأقل تكون هناك فترتان تحت نظام رئاسي تكون حدثت ممارسة ووعي ثم بعد ذلك إذا أردت التغيير استفت المواطنين.. ولو تم اعتماد نظام مختلط يجب أن يكون رئاسيا – برلمانيا.
* ولكن هناك دستورا سيبدأ وضعه خلال أيام.. ومن سيضعون الدستور يقولون إنهم يريدونها دولة إسلامية ونظامها برلماني.. ماذا ستفعل.. وهل من الوارد أن تخرج في مظاهرة للتعبير عن رفضك؟
- رأيي سأقوله وأعبر عنه بحرية دون الخروج في مظاهرة لأني أمتلك أدوات التعبير عن رأيي وقد أكتبه في مقال أو أقوله في حديث أو في محفل سياسي.
* وماذا إذا وجدت أن البلد ستختطف لمصلحة فصيل بعينه؟
- لا أعتقد أن هذا سيحدث.
* هل لديك ثقة في التوازنات القائمة؟
- بل أتمنى ذلك.. لأن العكس سيؤدي إلى صدام.
* هل معنى ذلك أن القوات المسلحة ستقف حائلا دون ذلك؟
- ليس فقط القوات المسلحة ولكن ستجد كثيرين من الشعب لديهم وعي بهذا الموضوع.
* يحاول فصيل من التيار الإسلامي أن يوحي للمجتمع بأن فجر الإسلام قد أشرق من جديد على مصر وفقا لوصف أحد قيادييه، هل ترى أن مصر كانت قد هجرت الإسلام كما يدعون؟
- هذا رأي ليس معيبا.. وتستطيع أن تتعامل معه بهدوء، لأني على ثقة من أن انغماس التيار الإسلامي في العمل السياسي ومسؤولياتهم العملية ستغير من حدة الخطاب.
* هناك بعض الاتهامات التي وجهت لك بعد خروجك من السلطة منها حالة السخط والتذمر في وزارة الطيران وما قيل عن عشرات القضايا أو البلاغات المقدمة ضدكم؟
- هي دعاوى حركها بعض المفصولين من العمل بقطاع الطيران بعد ظهور أخطاء رصدتها الرقابة الإدارية عليهم، وقد تكاتفوا للإساءة لي ولكن كل ما يروجون له من أخطاء تمت في عهدي غير حقيقي، وهذا ما ستثبته التحقيقات وأنا على ثقة من ذلك، أما ما أشاعوه عن امتلاكي لقصر في باريس، فهذا أيضا غير حقيقي وعليهم أن يراجعوا إقرارات الذمة المالية الخاصة بي فسيجدون فيها شقة متواضعة في فرنسا امتلكتها بنظام التمويل العقاري الذي توفره بعض الدول الأوروبية وقسط ثمنها على سنوات من راتبي.
* وما صحة ما يتردد عن دورك في إخفاء حقيقة سقوط طائرة مصرية على السواحل الأميركية عام 1999، والتي كانت تقل مجموعة من خيرة الطيارين المصريين وقد كنت وقتها قائدا للقوات الجوية؟
- أولا.. ليس لي دخل كقائد للقوات الجوية في هذه الحادثة.. ثانيا هم كانوا طيارين وعددا من الفنيين وكانوا مسافرين بسبب طائرة هليكوبتر تخضع للصيانة في أميركا لأنها من إنتاج المصانع الأميركية، ويجب أن يتسلمها الطاقم الذي سيطير بها، وبعد أن تسلموها وتأكدوا من سلامتها تركوها ليتم شحنها بمعرفة الأميركان، ثم استقلوا طائرة مدنية ليعودوا إلى مصر فكانت الحادثة، والتي لم تكن انتحارا بالطبع حسبما حاول الأميركان أن يروجوا لهذا وقتها، وقد بذلنا جهدا كبيرا لاستبعاد فكرة الانتحار.. والطائرة سقطت في المياه الأميركية والذين انتشلوها هم الأميركان والذين حققوا هم الأميركان وهذا هو القانون.. ودليل ذلك أننا نحن من قام بالتحقيق في سقوط «فلاش إير» في شرم الشيخ.
* في رأيك، ما الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة المصرية في يناير 2011 التي لا بد أن تراعيها الحكومة الحالية في إدارتها للأزمة إذا ما عادت موجة جديدة للثورة في مصر يوم 25 يناير المقبل، حسب ما يتم الترويج له الآن؟
- ثورة ثانية معناها تدمير رسمي للدولة.. لأننا لم نخرج بعد من مضاعفات الثورة الأولى.. ليس معنى هذا أن الثورة كانت خطأ، الحقيقة كان هناك قدر من التراكمات وكان يجب الاستجابة لمطالب الثورة في حينها.. أعتقد أن سلوكيات الحكومة في هذه الفترة لم تكن ملبية بقدر معقول لمطالب الثورة. كان من المفترض على الحكومة وقتها أن تكون أكثر مرونة مع المطالب المشروعة للشعب ولا تتغافل عنها.
* هل ترى أن حكومة الدكتور الجنزوري قادرة على هذه المواجهة؟
- بصفه عامة بعد فترة هلهلة، أرى أن دور الجنزوري مطلوب الآن.. وهناك شواهد إيجابيه منها عودة وزارة الداخلية إلى المشهد.. عندما يكون وزير داخلية بهذا الشكل ومعه رئيس وزراء داعم له في نفس الاتجاه.. هذا يحدث فارقا.. يعني لو كان منصور العيسوي يريد فعل شيء مثلا في الحكومة السابقة لا أعتقد أنه كان يجد نفس رد الفعل.
* ما الرؤية التي تحملها إلى الشعب المصري لكي يختارك رئيسا للجمهورية وما أحلامك لمصر خلال السنوات العشر المقبلة؟
- ما نأمله هو تطوير الاستثمارات وتشجيعها وخلق المناخ الداعم لها سواء للداخل أو للخارج لأن أموال المصريين ما زالت داخل مصر ولكن لا أحد يستثمر الآن.. وهذا هدف رئيسي.. وأنا لا أرى أن هناك شيئا أمامي أعتبره صعبا وكل ما يفتقر إليه الشعب المصري هو النظام والالتزام.. ترسيخ النظام والالتزام ليس عيبا والعالم كله يسير بهذا المنهج ولكن الانفلات لن يجدي ولن يصلح أحوال البلد.. تمسك البلد دي يعني في شهر يكون المرور منضبط بمعنى كلمة منضبط تجعل السائح الأجنبي يستشعر بوجود القانون والأمن في الدولة من لحظة وصوله.. مسألة النوبة بالنسبة لي أولوية وعودتهم لأراضيهم لأني أرى في هذا الملف خطورة بالغة ولا يجب أن ينتظر.. وسأسعى لعمل منطقة حرة على ضفتي قناة السويس ستغير الكثير من ملامح هذه المنطقة التي يعبرها يوميا من 40 إلى 80 باخرة.. أرض أسوان والنوبة ستكون سلة الغذاء لمصر وليس الدلتا.. باختصار شديد تنظيم البلد ووضع مشروعات سليمة والاستعانة بالخبرات والكفاءات المنتقاة التي تعوض غياب المنظومة وهو نفس المنهج الذي اتبعته في النهوض بالطيران المدني ونقل التجارب المميزة عالميا والاستفادة منها.. قبل أن أضع التعليم والصناعة في برنامجي الانتخابي سوف أراجع تجارب الدول المتحضرة وأنفتح على العالم وأستعين بكافه الخبرات.
* ما الأسس التي يقوم عليها تفكيرك كرئيس محتمل لمصر؟
- الأسس التي سأسعى إليها هي العدل في كل شيء والديمقراطية جزء من هذا العدل.. كما سأسعى لأن يكون المواطن آمنا في مأكله وتعليمه وعلاجه.. والكل عندي أولوية.. وسأسعى إلى التطوير الشامل في كل متر في مصر.. مصر مؤهلة جدا لجذب الاستثمارات، فقط دعهم يثقوا فيك وفيما تحققه وفي جديتك وستجد التدفقات المالية بدلا من استجدائنا للعالم والغرب لن يعطي لنا مليما طول ما دام يرى أننا غير مستقرين.. نحن قادرون على صناعه مصر أخرى في عام.. كل ما سينتظره العالم هو الاطمئنان لتوجه مصر الجديدة ووجود أمن وحكم رشيد.
الطريق إلى فيلا الفريق أحمد شفيق في القاهرة «الجديدة» استغرق أكثر من ساعتين في ظل اضطراب مروري غير مسبوق تشهده القاهرة «القديمة»، رغم محاولات الحكومة المصرية برئاسة الدكتور كمال الجنزوري، ممثلة في وزير داخليتها أن تعيد الانضباط المفقود للشارع المصري.هذا «الانضباط» أو الـ«system» بحسب قول شفيق هو مفتاح الحل لكل أزمات مصر، يقول هذا وينفي ارتباط مفهوم «الانضباط» الذي يقصده بالعسكرية التي قضي فيها معظم سنوات عمره حتى وصل إلى منصب قائد القوات الجوية في الجيش المصري قبل أن يختطفه العمل المدني عام 2002 وزيرا للطيران ثم رئيسا لوزراء مصر في أصعب أيام مرت عليها خلال عام 2011.
ويستعد الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء لمصر في عهد الرئيس حسني مبارك، للإعلان رسميا خلال أيام عن نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهو القرار الذي أربك حسابات الكثيرين من مرشحي الرئاسة المحتملين، ودفع الدكتور محمد البرادعي أبرز المرشحين لهذا المنصب لأن يخرج عن صمته تجاه منافسيه واصفا ترشح شفيق بأنه رسالة تعني أن نظام مبارك لم يسقط.
شفيق الذي تخطى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عامه السبعين، لا يرى غضاضة في ترشحه بعد أن خرج آلاف المتظاهرين في مارس (آذار) الماضي ينادون بسقوط حكومته، لأنه يؤكد أن هذه المظاهرات كان وراءها مؤامرة دبرها البعض لإخراجه من السلطة، كما أنه يرفض ادعاء البطولة بالقول إن مبارك كان يريد حرقه سياسيا عندما دفع به إلى مقدمة المشهد في نهاية عهده.
يدخل شفيق سباق الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر مشفوعا بتاريخه العسكري الطويل وتجربته الناجحة في العمل المدني كوزير، مقتنعا بنفسه كقائد ناجح وكخبير في الإدارة، يضع على قائمة أولوياته كرئيس محتمل قضايا رئيسية منها جذب الاستثمار وضبط المرور في الشارع وعودة أهل النوبة إلى أراضيهم، وكذلك إقامة منطقة حرة على ضفتي قناة السويس.
ويقف انتماؤه السابق للمؤسسة العسكرية ولنظام مبارك كحائل قوي أمام طموح شفيق الرئاسي، فالمزاج السياسي العام في مصر بعد الثورة أصبح أكثر ميلا لمدنية الرئيس القادم، ولكن ليس «المزاج» فقط هو ما سيحسم المنافسة الرئاسية القادمة فهناك ثلاث قوى رئيسية تهيمن على «الملعب» السياسي المصري، إذا استطاع أي مرشح أن يضمن تأييد اثنتين منها، يمكن له أن يختطف «كرسي» حكم مصر، هذه القوى - وفق وصف شفيق لأفراد الأسرة المصرية - تتمثل في أخين؛ أصغرهما شباب الثورة، وأكبرهما جماعة الإخوان المسلمين، أما الأب فهو القوات المسلحة المصرية. وإلى نص الحوار.
* أيام قليله وينقضي عام على أحداث 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وهي فرصه كافية لكي نحكم على الحدث ونعيد تسميته بشكل دقيق، هل كان ثورة أم انتفاضة أم انقلابا في وجهة نظركم؟
- مؤكد هي ثورة، ولقد أطلقت عليها في الأيام الأولى اسم «حركة» وقد يكون مرجع ذلك أنني من الجيل الذي عاصر ثورة يوليو 1952 وكان قد أطلق عليها حركة لفترة طويلة، أما ثورة 25 يناير فهي ثورة الجيش والشعب.. ويمكن من الناحية الأخرى يقول أحد إنه بمواصفات الثورة والقيادة المطلوبة للثورة لم يكن هذا موجودا ولكن الحقيقة حجم الدور الشعبي وتكاتف كل المؤسسات يقطع بأنه يجب أن يعتد بها كثورة حتى وإن لم يكن لها قائد أو زعيم أو رئيس.. هي ثورة واجتمع لها عدة عناصر لتثبيت أركانها.. ثورة أطلقها الشباب ونجحت بالشباب ووضعوا الأساس لها.. وليس هناك شك أن بناءهم للأساس بمفردهم كان سيحتاج وقتا طويلا لكي يزداد رسوخا، وإحقاقا للحق جاء دور الإخوان المسلمين بحجمهم وثقلهم عندما شاركوا الشباب في الميدان من يوم 28 يناير فازدادت رسوخا واستقرارا، كثافة الميدان تأكدت.. ثم جاء دور الجيش، وكما يستهويني القول إن القوات المسلحة فردت أجنحتها على كل هذه المجموعة شبابها وإخوانها.. فأمنتهم.. فأمنت الثورة على نفسها.. فنجحت.. وبهذا الحجم أصبحت ثورة شعبية فنستطيع القول إن الأخوين - الشباب وإخوانهم الكبار في الإخوان المسلمين - وأبوهم في القوات المسلحة، عندما تكاتف أفراد البيت تغير نظامه وحدث ما حدث.
* كنت رئيسا لوزراء مصر 34 يوما، كانت واحدة من أصعب الأيام في تاريخها؟ كيف تقيم تجربتك القصيرة في الحكم؟ وهل أصابك الندم بعد ذلك على اتخاذ هذا القرار؟ وإلى أي مدى أسهمت هذه التجربة في قراركم بالترشح لمنصب أعلى وهو منصب رئيس الجمهورية؟
- الـ34 يوما كانت صعبة.. القرارات والتوقيت الدقيق للغاية، وليس هناك شك أن الحمل كان ثقيلا جدا.. لكن في الواقع كانت أفضل بكثير من الفترة التالية؛ فمثلا الأسعار انخفضت ولم تستفحل وقتها ظاهرة البلطجية التي أصبحت ظاهرة شهيرة في الشارع المصري على مدى التسعة أشهر الماضية، أي لم تكن هناك معاناة مجتمعية للجمهور غير متاعب عدم الانتظام التي اقتضتها ظروف الثورة مثل المواصلات، ولكن من حيث الظروف الحياتية للجمهور كانت أفضل.
بالنسبة لي على المستوى الشخصي كمنصب في هذا التوقيت، المعاناة الحقيقية تزايدت مع الشعور الذي كان يبديه ميدان التحرير أو بعض العناصر في الميدان من رفض وجودي في الوزارة، وهذا لم يكن من اليوم الأول في المنصب بل كانت المناداة في بداية الأمر بتغيير عدد معين معي في مجلس الوزراء ثم بدأ معدل الضغط على اسم أحمد شفيق يزداد وهذه كانت المعاناة الحقيقية.. ولكن لا أنكر أن الذي أتعبني معنويا شعوري بأن الميدان في جزء كبير منه ينادي بتركي للموقع.
* ما تفسيرك إذن لهذه الأصوات التي ارتفعت للمطالبة بسقوط حكومتك؟
- التفسير واضح جدا لدي الآن، لأن الشباب الذي نادى بخروجي يأتون الآن إلى بيتي متفاعلين معي جدا ومتفاهمين معي جدا وذكروا لي كل التفاصيل والأسباب التي كانت وراء مناداتهم.. ومن الذي كان يدفعهم إلى ذلك.
* هل الموضوع يحمل أسرارا أم أن هناك مؤامرة قد دبرت لإخراجك من السلطة؟
- هذا الموضوع تستدعي الظروف الراهنة للدولة أن أؤجل الحديث فيه لوقت آخر، ولكن يمكن أن أقول إنه كانت هناك حملة منظمة أدارها البعض لإسقاط الحكومة.
* ألم تندم على قبولك رئاسة الوزراء في هذا الوقت الصعب؟
- إطلاقا.. فكرة الندم هذه ليست موجودة.. وإذا تكررت التجربة كما هي سأخوضها.. بداية أنا رجل بطبعي مقاتل.. لا أستهدف المهام السهلة.. بالعكس من يريد البناء يبني في الصعب وليس في السهل.. أنا رجل تمت مناداتي في توقيت كانت البلد فيه في محنة لعلي أستطيع أن أقوم بدور، وقبل ذلك بثلاث سنوات كان يقال أحمد شفيق سيتولى رئاسة الوزراء وفي الخارج أيضا كانوا يتحدثون عن ذلك وكتب في «وول ستريت جورنال» بوضوح أن هذه الشخصية مرشحه لكذا وكذا وكذا.. وهذا الكلام كان يتردد وأنا كنت أسمعه جيدا ولكني كنت أعلم أنني لن أعين رئيسا للوزراء.
* لماذا؟
- لأن أسلوب العمل والتداخل الذي كان يتم بين الحزب الوطني بكوادره العليا ومجلس الوزراء.. لم يكن أبدا سيصلح معي بحال من الأحوال وأعتقد أن الكل كان يعي ذلك ولم يحدث حتى محاوله لتكليفي بالموضوع.. ولذلك كان الناس يقولون ستأتي رئيسا للوزراء وكنت داخليا أعرف أنه لن يحدث.
* تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال» الذي أشرت إليه، طرح اسمك بشكل علني للمرة الأولى كخليفة لمبارك.. كان ذلك في منتصف ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وقبل أيام قليلة من الثورة، هل كان ذلك دافعا لاختيار مبارك لك في منصب رئيس للوزراء كي يقوم «بحرقك» سياسيا حسب المفهوم الشائع؟
- للتوضيح هم في البداية تحدثوا عن ترشيحي لرئاسة الوزراء، ثم بعد ذلك تحدثوا عن خلافتي لمبارك، أما فيما يخص الحديث عن أن مبارك كان يقصد حرقي سياسيا فلا أعتقد ذلك على الإطلاق.. لأن حرق أحمد شفيق في هذه الفترة كان يعني حرقه هو أيضا.. والرئيس السابق وقتها كان يريد حل المشكلة.. ولم يكن يعنيه مسألة حرق أحمد شفيق قدر الخلاص من الموقف والنجاة بنفسه.. ولذا فقد شعر أن أفضل من يستطيع التعامل مع هذا الموقف هو أحمد شفيق.. فأتى بي.. والموضوع كما أقوله بهذه البساطة ولا يمكن أبدا أن أدعي دور بطولة وأقول إنه كان مطلوبا حرقي أو أشياء من هذا القبيل.
* هذه التجربة غير السعيدة - ولن نقول المؤلمة - لك في رئاسة الوزراء، وهذه الميادين التي خرجت للمطالبة بإسقاط أحمد شفيق.. وتقول إنه كانت هناك مؤامرة.. هل من المنطقي أن يدفعك هذا للتفكير في منصب أكبر وهو منصب رئيس الجمهورية؟
- أكثر من منطقي.. لأني علمت أبعاد المناداة بتركي للوزارة.. ولم تكن مناداة شعبية ولكنها مناداة أبعادها واضحة أمامي مثل الشمس ومن أدارها أطراف داخلية مدنية.
وأعود إلى السؤال حول أسبابي لاتخاذ قرار الترشح للرئاسة.. عندما تركت الوزارة جاءني في اليوم التالي أمام منزلي نحو 4000 مواطن.. وأصبح الموضوع يتكرر كل يوم جمعة، وهو ما دفعني إلى أن أكتب على الإنترنت: «رجاء أعتذر وأشكركم ولكني غير موجود بالمنزل». وكنت أدعي ذلك حتى لا أرهق الناس وأرهق جيراني.. وعلى مدار الأسبوع طوال الفترة الماضية تأتيني أفواج من البشر وينادونني بأن أرشح نفسي.. وكنت أستغرب وفي بعض الأوقات فسرته على أنه من باب التعاطف معي وأن الكثيرين غير راضين عن خروجي من رئاسة الوزراء. ولكن التعاطف لا يدفعهم إلى هذا الإصرار.. وما أعلمه جيدا أن هناك أناسا كثيرين يقدرون الدور الذي يعلمونه عني في وزارة الطيران على مدار عشر سنوات. لذا أعتقد أن من طالبوني بالترشح أخذوا الموضوع برمته تعاطفا معي في تركي للوزارة واقتناعا بتجربتي في الطيران المدني، كما أن أسلوبي في إدارة الدولة على مدى 34 يوما كان محل تقدير أيضا..
* لكنك صرحت بعد خروجك من الوزارة أن ترشحك للرئاسة مستبعد؟ ما الذي غير موقفك؟
- الموضوع حقيقة كان مستبعدا في ذهني تماما في البداية وكنت أخرج لهم وأشكرهم. ولكن شهرا وراء شهر وبمعايشتي عشر سنوات في العمل العام المدني ومن خلفها أربعون عاما من الخدمة في عمق العمق بالقوات الجوية وكلها مواقع قيادية؛ وهو موضوع ليس سهلا على الإطلاق ربما لا يعرفه من في الخارج لكن من في الداخل يدرك ويشعر تماما ماذا فعلت عندما توليت القوات الجوية.. مع هذه الخبرات كنت أراجع خلال الأشهر الماضية ما يصدر من قرارات ومواقف حيال ما نقابله من مشاكل وسرعة رد الفعل لم تكن بالشكل المطلوب.. خلاصة القول شاهدت إدارة تدفع الإنسان إلى اليأس، وكنت مندهشا لأسلوب حل المشاكل من جانب الحكومة السابقة.. ووجدت كل ما حذرت منه يحدث.. والمشاكل لا تحل وتزداد تعقيدا.. وعلى المستوى الشخصي كنت قلقا على حياة أسرتي.. هل يعقل أن نتعايش مع البلطجية في الشارع؟! وهل يعقل أن نخشى الخروج في أوقات متأخرة ونشعر بالقلق ونحن نوصل أولادنا إلى المدارس ولا يوجد ردود فعل؟! الخراب الذي يحدث عندما نسكت عليه سنعتاده.. مثلما اعتدنا على وجود أكوام القمامة.. إن الأخطر من السكوت على المشكلة تركها حتى يعتاد الناس عليها ثم يتعايشون معها وتصبح جزءا من حياتهم.. وأضف إلى ذلك التصاعد الخطير في الأسعار بلا رابط وبلا معنى وزيادة معاناة الأسر المصرية بشكل قاس يهدد بتفجر البيوت من داخلها.. هذا أمن قومي.. هناك حالة رعب تسيطر على الناس.. كل هذا دفعني للتفكير واتخاذ قرار الترشح.
* قائد للقوات الجوية. وزير للطيران. رئيس للوزراء. ثلاثة مناصب قيادية بارزة تزين سيرتك الذاتية.. في رأيك ما أوجه التشابه والاختلاف بين هذه المناصب؟
- قد تستغرب إذا قلت إن القيادة هي القيادة في أي موقع.. مهارات وأدوات القيادة لا تختلف من موقع لآخر.. الانضباط والالتزام.. لذا لا تجد فجوة مثلا عند الأوروبيين بين المدنية والعسكرية لأن هناك التزاما في الشارع والمواطن في جميع الأحوال ملتزم.
* في ضوء الحديث عن المدنية والعسكرية.. كنت عسكريا لمعظم سنوات عمرك وقضيت سنوات نضجك مدنيا، بحكم هذه الخبرة بين الحياتين العسكرية والمدنية ما أسباب سوء الفهم المتنامي بين الجيش والشعب في الشهور الأخيرة؟ وهل وصلت العلاقة إلى مرحلة الخطر في ضوء الأحداث الأخيرة؟
- لا يمكن أن يصل الموضوع لمرحلة الخطر.. الموضوع بالضبط مثل الأسرة التي ينشأ بداخلها خلاف ولكن إذا تفجر الخلاف سيكون على رأس الجميع.. الكل سيخسر.. ولن نصل إلى هذه المرحلة أبدا ومهما حدث لن نسقط في الخلاف المباشر بين الجيش والشعب لأنه دمار على الجميع ولا يستطيع أحد قياس أبعاده، وعلينا أن ندرك أننا نخوض تجربة خاصة إلى حد ما، فلقد أوكلت للقوات المسلحة مهمة ثقيلة للغاية في ظروف البلد فيها غير منتظمة.. الاندفاع القوي الذي حدث للحركات السياسية والأحزاب المختلفة صعب أيضا من المهمة.. فكل المتغيرات حدثت في توقيت واحد.. ظهر الإخوان وظهر السلفيون وآخرون. وكل طائفة تخرج إلى الساحة تستدعي خروج طائفة أخرى لكي تعبر عن نفسها أيضا..
* هل ستتحمل مصر كل هذه الطوائف والفرق السياسية التي خرجت بعد ثورة يناير؟
- الطاولة المصرية الآن عليها الكثير من المجموعات؛ الإخوان والسلفيون والصوفيون والمسيحيون والبدو، بالمناسبة لا أحد يعرف أن عدد البدو يصل إلى 18 مليونا.. كذلك أهل النوبة.. ترى هل سيكون في بلدنا طوائف أخرى؟ الموضوع مفتوح.. العملية في البداية كانت «مسلم ومسيحي» والمشاكل تتصاعد لو واحد من هنا «يعاكس» واحدة من هنا «ويتخانقوا شوية وبعدين يتصالحوا».. اليوم الموضوع مختلف وهذا الكلام أقوله للجميع.. الموقف الآن يحمل عنصر قوة وهو أمر خطير، هذه القوة مصدرها أن شعورنا بطائفيتنا يعطي نوعا من حب الذات والرغبة في الارتقاء بالمستوى، ومسموح للجميع أن يرتقي بشكل رأسي سياسيا واقتصاديا.. لكن حذار من الزحف الأفقي وأن تجور على حساب الآخرين.. لأن المشكلة الآن أصبحت متعددة الأطراف.. التشابكات على قدر ما فيها من تنافسية لمصلحة المجتمع.. إلا أنه يلزم وجود يد قابضة حديدية للدولة تطبق الحدود وتجبر الجميع على القواعد المنظمة دون هرج ومرج وتسيب.. الكل في محله يجتهد محترما للآخر.. الكل يمارس حريته ولكن حريته تنتهي عند حرية الآخرين ويجب أن نقر بذلك.. لا بد من هضم هذا الطابع حتى نستطيع العيش بشكل أفضل مما كنا فيه.. ولكن الواقع الجديد هذا إذا ما صاحبه انفلات ستكون العواقب وخيمة.
* نعود للجيش وعلاقته بالشعب.. في رأيك ما أسباب ما وصلنا إليه؟
- فيما يخص الجيش، ظروف كثيرة تكاتفت.. بداية لو أحسنت الحكومة – أقصد حكومة عصام شرف - وهي الجهة التنفيذية المنوط بها إدارة الدولة، ولو كانت أكثر حسما في وضع الأمور في نصابها الصحيح لكانت وفرت دورا كبيرا على القوات المسلحة وكانت قللت من حجم التدخلات التي حدثت، بأن تشكل جسرا بين القوات المسلحة والشعب.. من المفترض أن القوات المسلحة تقوم بمهام رئيس الجمهورية.. هل كان رئيس الدولة يؤدي كل المهام التي تؤديها الآن القوات المسلحة؟ بالطبع لا.. والسبب في ذلك عجز الوزارة.
* على ذكر الحكومة السابقة ما مدى صحة أن الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء الأسبق طرح عليك ضم الدكتور عصام شرف إلى التشكيل الوزاري الذي أعقب تنحي مبارك وأنك قابلت طلبه هذا بالرفض؟
- بالعكس.. لقد التقيت الدكتور عصام شرف وكان الدكتور يحيى الجمل حاضرا، وعرضت عليه وزارة الصناعة وتناقشنا وغادر من عندي على أنه سيتولى وزارة الصناعة واعتذر في اليوم التالي وأبلغني بالاعتذار بطريق غير مباشر عبر أحد الزملاء في اتصال هاتفي.. وأعتقد أن عصام وقتها استشعر أو علم أن هناك نوعا من التخطيط على أنه سيكون الحصان الأسود للثورة، ففضل الابتعاد.. لست متأكدا من هذا لكن يجوز.
* قمت بتعديل وزاري عقب تنحي مبارك، ما الفلسفة التي حكمت هذا التعديل؟
- كان هذا التعديل في منتصف الفترة التي قضيتها رئيسا للوزراء، وكنت أقصد منه الاستعانة بمجموعة من المعارضين، ليكون هناك ائتلاف من القوى السياسية، صحيح لن تكون وزارة ائتلافية بالمعنى الدقيق لأن رئيس الوزراء في نهاية الأمر هو الذي يعين، ولهذا كان اختياري لوزير السياحة منير فخري عبد النور ووزير التضامن الدكتور جودة عبد الخالق والدكتور يحيى الجمل الذي أحمل له كل تقدير، فالدكتور الجمل كان من أجرأ الناس على الإطلاق في كتاباتهم في عهد الرئيس السابق، كان يكتب بمنتهى القوة وبمنتهى الأدب والأصول ولم يكن مثل الذين يهاجمون من الخارج وهم في مأمن من أن تطولهم يد السلطة، كان الجمل معارضا عف اللسان وقويا.
* في الحادي عشر من فبراير (شباط) الماضي أعلن السيد عمر سليمان تخلي الرئيس مبارك وتكليفه للمجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، كيف قرأت هذا القرار في حينه؟ وكيف صيغ هذا القرار الذي يعني هدم كل مؤسسات الدولة ووضع كل الصلاحيات في يد القوات المسلحة وما تقييمك لأداء المجلس في هذه المهمة؟
- كان من الممكن أن توكل هذه المهمة لنائب الرئيس أو لرئيس مجلس الشعب.. لكن الثورة العارمة التي كانت في الشارع وقتها، لم يكن هناك غير القوات المسلحة فقط هي من يستطيع الإلمام بأمور الدولة، وجدت القوات المسلحة نفسها فجأة في هذا الموقف الصعب، هي لم تذهب لقطف وخطف ثمرات، ولقد كانت قادرة على أن تقول للرئيس السابق تنحى قبل أسبوع على الأقل من هذا التاريخ لأن كل شيء كان منتهيا وكان سيتنحى.. كانت تستطيع أن تفعل ذلك وقتها بكل يسر.
ومعنى الثورة أن «كله من أول وجديد».. وهو ما كان يعني أن كل المؤسسات انتهى دورها فتم حل مجلسي الشعب والشورى ثم كلفت بالاستمرار في الوزارة ولكن بتشكيل جديد.
* ولكن كثيرين يرون أن الثورة لم تحقق أهدافها حتى الآن؟
- لقد جلست مع العديد من الشباب وكانوا يأتون إلى منزلي بأعداد تصل إلى 50 و60 شابا وكان النقاش يمتد لساعات متأخرة من الليل.. وكنت عندما أسأل أحدهم ما هو طلبك، فكان يرد: القيادة تنحت لكن النظام لم يتغير.. وكنت أشرح لهم هيكل نظام الدولة وأسأل بعد ذلك ما هو مطلبك لكي تشعر أن النظام تغير؟ فيرد أحدهم: نقيل حتى درجه مدير عام.. فقلت: اشمعنى مدير عام؟ فيرد: علشان الفساد.. فقلت له ممكن واحد درجته فوق مدير عام وليس فاسدا وممكن يكون هناك أقل من مدير عام وفاسد.. أنت تريد أن نزيل نصف الهرم الإداري أو أكثر ولكن قد يكون في القاع من هو أكثر فسادا، هناك تجربه جيدة في التشيك كتب عنها الدكتور عمرو حمزاوي متمثلة في قانون الفساد والذي بموجبه تمكنت التشيك من القضاء على الفساد بنسبه كبيرة خلال 10 سنوات.. أي أنها عملية تسير مع حركة الدولة ومضيها في طريقها لتحقيق أهدافها..
* وما رأيك في المعتصمين بميدان التحرير حتى الآن؟
- اللى قاعدين في الميدان مش عايزين يمشوا لحد ما الفساد يمشي من الدولة دول مش عايزين مصنعهم يشتغل ولا ورشتهم تشتغل، ومستمتعين بالبقاء تحت راية الثورة عاطلين.. هل يعقل أن يقول عصام شرف الثورة تقترح لي اسم وزير، فيذهب له أفسد ناس في الوزارة ممن تحمل سجلاتهم كل أشكال الفساد وبعد أن يمروا على الميدان.. يدخلوا له المكتب ويقولوا «إحنا عايزين فلان وزير».. ولو اطلعت على ملفاتهم تجدها مرعبة واللي عايزينه وزير هو أيضا له ملف فساد أكثر ضخامة منهم.. هل يعقل هذا؟!
* بشكل موضوعي ما تقييمك لأداء المجلس العسكري خلال ما مضى من المرحلة الانتقالية؟
- لا شك أن هناك بعض الخطوات قد لا أتفق معها.. وقد عبرت عن مواقفي تجاه ذلك، فمثلا أنا لم أكن متفقا مع ما اقترحته اللجنة التي رأسها المستشار طارق البشري من حيث البدء بانتخابات مجلس الشعب.. هذه رؤيتي قد أكون على صواب وقد أكون مخطئا. كما يرى البعض أن هناك تأخرا في بعض القرارات، يعني مثلا قيل إن هناك مصادر تمويل من الخارج لبعض الجهات والتيارات.. كنت أتمنى لو أنهم استطاعوا أن يعلنوا عن مصادرها بشكل أسرع ربما كانت تحسم الأمر بشكل مبكر، لكن ربما هناك انتظار لبعض الأمور حتى تتوافر لديهم.. هناك بعض الأشياء ضبابية كان يمكن الإسراع فيها، كان هذا سيساعد على توضيح المواقف بشكل أفضل لأنهم مسؤولون عن البلد، ولكن مهما كان تقييمنا للأداء فإن ما قامت به القوات المسلحة من دور جنب مصر مشكلات كبيرة، مشكلات ستترك آثارها لعشرات السنين في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، هذا ليس معناه إنكار للشهداء فهم فوق رؤوسنا، ولكن يجب أن نحافظ على مبدأ طالما أردنا أن يكون هناك دولة.. وهو أن تكون جهة واحدة هي التي تحمل السلاح.. إذا وجد السلاح في الاتجاهين لا يمكن تجنب وقوع خسائر ولا يمكن أن يتوقف الدم.
* كتب الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل للرئاسة يوم الأربعاء 28 ديسمبر الحالي على حسابه الشخصي على «تويتر» نصا يقول: «عندما يعلن رئيس وزراء مبارك الذي أسقطته الثورة نيته للترشح ليكون رئيسا لمصر الثورة، فالنظام السابق حي يرزق» ما تعليقكم.. مع الوضع في الاعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي يعلق فيها البرادعي على أي من المرشحين للرئاسة؟
- أقول له نصا: «انتبه لحالك.. وارتق إلى مستوى المسؤولية.. البلد في حل من تحمل الصغائر التي تدور حاليا.. لست قيما على فلان أنه يرشح نفسه أو لا يرشح.. ولكن المواطن المصري هو الذي سيقرر». وهذه ليست المرة الأولى التي يتناولني فيها الدكتور البرادعي بمثل هذا الحديث.. وعموما أنا رجل تاريخي معروف ولدي من التجارب ولدي من الخبرات وحاصل على أرفع الدرجات العلمية والأكاديمية في مختلف المجالات المدنية والعسكرية ولا يعرف كثيرون أيضا أن من ضمن هذه المؤهلات دبلومة في الدراسات الإسلامية وما يشغلني هو خدمه مصر.
* هل جمعتك علاقة سابقة مع الدكتور محمد البرادعي؟
- دعني أقل إنني كنت سعيدا جدا بالبرادعي وهو يطلق كلماته في البداية.. صحيح كان يطلقها من بعيد.. على عكس آخرين مثل يحيى الجمل وحسن نافعة كانوا أكثر جرأة لأنه كان من الممكن أن يلاقوا أذى أو يسجنوا من جراء كتاباتهم، في حين أن البرادعي لديه حصانة دولية ولن يسجن.. وأذكر أنه عندما وصل إلى مطار القاهرة قادما من فيينا على ما أعتقد.. وكنت وقتها وزير طيران، والأمن اعترض على دخول أكثر من 200 شخص لاستقباله للحفاظ على صالة الوصول بالمطار.. أقسم بالله أني قمت بنفسي بالاتصال بمسؤول الأمن وطلبت منه أن يفتح أبواب الصالة على مصراعيها ويسمح بدخول كل من حضر لاستقباله.. لأنني فعلا كنت سعيدا بالبرادعي والتظاهرة القادمة له.. لأن البرادعي كان رافعا راية «لا للتوريث» ولم يكن أحد منا يتحمل موضوع التوريث هذا أبدا، بالعكس كنت منفتحا جدا على البرادعي لكن مع الوقت وجدت هذه الإساءات المتكررة في حقي.
* أثير جدل كبير فجره الصحافي المصري محمد حسنين هيكل حول دور سلاح الطيران في حرب أكتوبر 1973 ، جاء ذلك بعد سنوات طويلة اختزلت فيها عبقرية الجيش المصري في هذه الحرب في شخص مبارك والضربة الجوية الأولى، باعتبارك شاهدا ومشاركا في هذه الحرب ما تعليقك؟
- الحقيقة أننا دائما نبالغ.. فلقد بالغنا في الإشادة بالضربة.. علما بأن أثرها العسكري كان جيدا.. لكن أيضا العبور كان أثره كاسحا.. وعندما قلبنا الدفة بالغنا أيضا.. أي بالغنا في الإشادة وبالغنا في النكران.. سلاح الطيران لم يكن دوره ثانويا أبدا.. ولكن لم يكن صاحب الدور الوحيد.. والقوات الجوية في حرب أكتوبر قبل أن تنفذ خطتها كانت قد رفعت معنويات جنودنا وكسرت حاجز الخوف عندهم، تحقق ذلك عندما رأوا 250 طائرة متجهة لبدء ملحمة تحرير الأرض، ولكن الكل أدى دوره بعبقرية في كافة الأسلحة.. ورغم ذلك لا أنكر أنني أقدر الأستاذ هيكل رغم أنه أساء لي ثم استدرك بعد ذلك.
* ما طبيعة هذه الإساءة وكيف استدرك بعد ذلك؟
- فجأة خرج الأستاذ هيكل في التلفزيون، وقال: رئيس الوزراء رجل عنده همة إلا أن عمق صداقته بمبارك كبير جدا الأمر الذي يدفعه لاستقلال طائرة صباح كل يوم والذهاب إلى شرم الشيخ ليتناول معه قهوة الصباح ويتناقش معه في أمور الدولة ثم يعود، وهو ما يعني أن الدولة تدار من شرم الشيخ.. طبعا كانت هذا الكلام صعبا وأنا لست صغيرا ولكني آثرت الصمت إلى أن كنت – قريبا - في أحد المنتديات وذكر هذا الحديث فقلت إنه على مدار 42 سنة منذ مايو (أيار) 1969 ومنذ تعيين حسني مبارك رئيس أركان للقوات الجوية لم أدخل منزله حتى تنحى عن الحكم في فبراير الماضي.
* هل يستحق حسني مبارك هذه النهاية المؤسفة من وجهة نظرك؟
- القانون هو الذي يقول.
* بعيدا عن قرار المحكمة.. كيف ترى الأمر؟
- ما أراه بمنتهى الصراحة أن حسني مبارك أخطأ خطأ شديدا في موضوع «ابنه».. ويمكن لأني ألمس الموضوع عن قرب أن ابنه كان نكبة عليه وعلى أسرته وعلى البلد كلها.
* لمن أعطيت صوتك في الانتخابات البرلمانية.. لأي القوائم من بين التيارات المرشحة؟ وما تقييمك للعملية الانتخابية؟ وهل ترى برلمان 2012 معبرا عن كل طوائف المصريين وجديرا بكتابة دستور مصر الجديدة؟
- أولا.. لن أستطيع أن أعلن عمن أعطيته صوتي، الأمر الآخر لا تستطيع إنكار أن هناك مدا إسلاميا يجب أن نقر به ولكن هل النسب التي ظهرت سواء في المقدمة أو المؤخرة هي نسب بالغة الدقة؟.. أشك.. ولا أعني بذلك أن عدم الدقة قد تسبب في زيادة نسبة الإخوان فوارد أنه لو كانت هناك دقة كانوا حصلوا على نسبة أعلى أو العكس صحيح، لكن ما أعنيه أنه كان هناك عدم دقة نابع من كونها تجربة أولى وبهذا الاتساع وبهذا الضيق في الوقت وصعوبة الاختيارات وتنوعها لذا أرى أن الانتخابات القادمة ستكون أكثر دقة. أما موضوع الدستور، فأرى أنه من المفترض أن لا تكون هناك علاقة إطلاقا بين المجالس النيابية ولجنة إنشاء الدستور.. لأن المجلس النيابي عبارة عن أهواء المواطنين في لحظة معينة ولمرحلة معينة هي خمس سنوات.. فأهواء المواطنين هذه المرة يمينية.. وارد جدا أن نفس المواطنين تكون أهواؤهم يسارية بعد خمس سنوات.. فمجلس الشعب يعبر عن رغبة المواطنين في الحكم الآن.. لكن الدولة تضع لها دستورا تسير عليه لمدة 100 سنة أو 200 سنة تكون في حاجة إلى لجنة متجردة متوافق عليها بعيده تماما عن المجالس النيابية..
* ما أفضل المعايير من وجهة نظرك لاختيار لجنة الدستور؟
- أن تكون لها مقومات، أولا أن يكون عددها مثلا 100 وتحدد معايير التمثيل، مثلا 30 من القانونيين و20 من الاقتصاديين و20 من رجال السياسة و30 من النقابات وممثل عن الجيش وممثل عن الشرطة وهكذا، ثم تبدأ في طرح ضوابط اختيار كل فئة.. بأن يكون الـ30 قاضيا مثلا بترتيب قانوني بأن يتم توزيعهم على طوائف المجتمع بالنسبة والتناسب حسب أعداد الطوائف، مثلا كم عدد الإخوان المسلمين في جداول الإخوان وليس في البرلمان فيكون للإخوان عنصران مثلا أو ثلاثة وهكذا، والنقابة الفلانية كذا والنقابة الفلانية كذا، بحيث تجد الشعب كله في النهاية ممثلا، ثم يستفتى الشعب وننطلق، أما الآلية المعتمدة الآن بأن يتم اختيار أعضاء اللجنة جميعها من خارج المجلس ولكن بواسطة أعضاء المجلس فلا أراها منطقية.
* هناك صراع واضح أقرته الانتخابات البرلمانية وبات مؤكدا أنه سيزداد اشتعالا خلال الأيام المقبلة بين دولة مدنية ودولة إسلامية إلى أي طرف سينضم أحمد شفيق مرشح الرئاسة؟
- مدنيه.. قطعا.
* مهما كان الثمن الذي قد تتحمله؟
- مهما كان الثمن لأن هذا مبدأ.
* ما تصوركم لنظام الحكم في مصر خاصة مع ما وضح من رغبة لدى الإخوان المسلمين والسلفيين في أن يتحول النظام القائم شبه الرئاسي إلى نظام برلماني يقلص صلاحيات رئيس الجمهورية إلى أدنى حد ممكن؟
- التجربة الحزبية في مصر ما زالت ضعيفة للغاية.. من هذا المنطلق من المستحيل أن نعتمد على نظام برلماني الآن.. على الأقل تكون هناك فترتان تحت نظام رئاسي تكون حدثت ممارسة ووعي ثم بعد ذلك إذا أردت التغيير استفت المواطنين.. ولو تم اعتماد نظام مختلط يجب أن يكون رئاسيا – برلمانيا.
* ولكن هناك دستورا سيبدأ وضعه خلال أيام.. ومن سيضعون الدستور يقولون إنهم يريدونها دولة إسلامية ونظامها برلماني.. ماذا ستفعل.. وهل من الوارد أن تخرج في مظاهرة للتعبير عن رفضك؟
- رأيي سأقوله وأعبر عنه بحرية دون الخروج في مظاهرة لأني أمتلك أدوات التعبير عن رأيي وقد أكتبه في مقال أو أقوله في حديث أو في محفل سياسي.
* وماذا إذا وجدت أن البلد ستختطف لمصلحة فصيل بعينه؟
- لا أعتقد أن هذا سيحدث.
* هل لديك ثقة في التوازنات القائمة؟
- بل أتمنى ذلك.. لأن العكس سيؤدي إلى صدام.
* هل معنى ذلك أن القوات المسلحة ستقف حائلا دون ذلك؟
- ليس فقط القوات المسلحة ولكن ستجد كثيرين من الشعب لديهم وعي بهذا الموضوع.
* يحاول فصيل من التيار الإسلامي أن يوحي للمجتمع بأن فجر الإسلام قد أشرق من جديد على مصر وفقا لوصف أحد قيادييه، هل ترى أن مصر كانت قد هجرت الإسلام كما يدعون؟
- هذا رأي ليس معيبا.. وتستطيع أن تتعامل معه بهدوء، لأني على ثقة من أن انغماس التيار الإسلامي في العمل السياسي ومسؤولياتهم العملية ستغير من حدة الخطاب.
* هناك بعض الاتهامات التي وجهت لك بعد خروجك من السلطة منها حالة السخط والتذمر في وزارة الطيران وما قيل عن عشرات القضايا أو البلاغات المقدمة ضدكم؟
- هي دعاوى حركها بعض المفصولين من العمل بقطاع الطيران بعد ظهور أخطاء رصدتها الرقابة الإدارية عليهم، وقد تكاتفوا للإساءة لي ولكن كل ما يروجون له من أخطاء تمت في عهدي غير حقيقي، وهذا ما ستثبته التحقيقات وأنا على ثقة من ذلك، أما ما أشاعوه عن امتلاكي لقصر في باريس، فهذا أيضا غير حقيقي وعليهم أن يراجعوا إقرارات الذمة المالية الخاصة بي فسيجدون فيها شقة متواضعة في فرنسا امتلكتها بنظام التمويل العقاري الذي توفره بعض الدول الأوروبية وقسط ثمنها على سنوات من راتبي.
* وما صحة ما يتردد عن دورك في إخفاء حقيقة سقوط طائرة مصرية على السواحل الأميركية عام 1999، والتي كانت تقل مجموعة من خيرة الطيارين المصريين وقد كنت وقتها قائدا للقوات الجوية؟
- أولا.. ليس لي دخل كقائد للقوات الجوية في هذه الحادثة.. ثانيا هم كانوا طيارين وعددا من الفنيين وكانوا مسافرين بسبب طائرة هليكوبتر تخضع للصيانة في أميركا لأنها من إنتاج المصانع الأميركية، ويجب أن يتسلمها الطاقم الذي سيطير بها، وبعد أن تسلموها وتأكدوا من سلامتها تركوها ليتم شحنها بمعرفة الأميركان، ثم استقلوا طائرة مدنية ليعودوا إلى مصر فكانت الحادثة، والتي لم تكن انتحارا بالطبع حسبما حاول الأميركان أن يروجوا لهذا وقتها، وقد بذلنا جهدا كبيرا لاستبعاد فكرة الانتحار.. والطائرة سقطت في المياه الأميركية والذين انتشلوها هم الأميركان والذين حققوا هم الأميركان وهذا هو القانون.. ودليل ذلك أننا نحن من قام بالتحقيق في سقوط «فلاش إير» في شرم الشيخ.
* في رأيك، ما الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة المصرية في يناير 2011 التي لا بد أن تراعيها الحكومة الحالية في إدارتها للأزمة إذا ما عادت موجة جديدة للثورة في مصر يوم 25 يناير المقبل، حسب ما يتم الترويج له الآن؟
- ثورة ثانية معناها تدمير رسمي للدولة.. لأننا لم نخرج بعد من مضاعفات الثورة الأولى.. ليس معنى هذا أن الثورة كانت خطأ، الحقيقة كان هناك قدر من التراكمات وكان يجب الاستجابة لمطالب الثورة في حينها.. أعتقد أن سلوكيات الحكومة في هذه الفترة لم تكن ملبية بقدر معقول لمطالب الثورة. كان من المفترض على الحكومة وقتها أن تكون أكثر مرونة مع المطالب المشروعة للشعب ولا تتغافل عنها.
* هل ترى أن حكومة الدكتور الجنزوري قادرة على هذه المواجهة؟
- بصفه عامة بعد فترة هلهلة، أرى أن دور الجنزوري مطلوب الآن.. وهناك شواهد إيجابيه منها عودة وزارة الداخلية إلى المشهد.. عندما يكون وزير داخلية بهذا الشكل ومعه رئيس وزراء داعم له في نفس الاتجاه.. هذا يحدث فارقا.. يعني لو كان منصور العيسوي يريد فعل شيء مثلا في الحكومة السابقة لا أعتقد أنه كان يجد نفس رد الفعل.
* ما الرؤية التي تحملها إلى الشعب المصري لكي يختارك رئيسا للجمهورية وما أحلامك لمصر خلال السنوات العشر المقبلة؟
- ما نأمله هو تطوير الاستثمارات وتشجيعها وخلق المناخ الداعم لها سواء للداخل أو للخارج لأن أموال المصريين ما زالت داخل مصر ولكن لا أحد يستثمر الآن.. وهذا هدف رئيسي.. وأنا لا أرى أن هناك شيئا أمامي أعتبره صعبا وكل ما يفتقر إليه الشعب المصري هو النظام والالتزام.. ترسيخ النظام والالتزام ليس عيبا والعالم كله يسير بهذا المنهج ولكن الانفلات لن يجدي ولن يصلح أحوال البلد.. تمسك البلد دي يعني في شهر يكون المرور منضبط بمعنى كلمة منضبط تجعل السائح الأجنبي يستشعر بوجود القانون والأمن في الدولة من لحظة وصوله.. مسألة النوبة بالنسبة لي أولوية وعودتهم لأراضيهم لأني أرى في هذا الملف خطورة بالغة ولا يجب أن ينتظر.. وسأسعى لعمل منطقة حرة على ضفتي قناة السويس ستغير الكثير من ملامح هذه المنطقة التي يعبرها يوميا من 40 إلى 80 باخرة.. أرض أسوان والنوبة ستكون سلة الغذاء لمصر وليس الدلتا.. باختصار شديد تنظيم البلد ووضع مشروعات سليمة والاستعانة بالخبرات والكفاءات المنتقاة التي تعوض غياب المنظومة وهو نفس المنهج الذي اتبعته في النهوض بالطيران المدني ونقل التجارب المميزة عالميا والاستفادة منها.. قبل أن أضع التعليم والصناعة في برنامجي الانتخابي سوف أراجع تجارب الدول المتحضرة وأنفتح على العالم وأستعين بكافه الخبرات.
* ما الأسس التي يقوم عليها تفكيرك كرئيس محتمل لمصر؟
- الأسس التي سأسعى إليها هي العدل في كل شيء والديمقراطية جزء من هذا العدل.. كما سأسعى لأن يكون المواطن آمنا في مأكله وتعليمه وعلاجه.. والكل عندي أولوية.. وسأسعى إلى التطوير الشامل في كل متر في مصر.. مصر مؤهلة جدا لجذب الاستثمارات، فقط دعهم يثقوا فيك وفيما تحققه وفي جديتك وستجد التدفقات المالية بدلا من استجدائنا للعالم والغرب لن يعطي لنا مليما طول ما دام يرى أننا غير مستقرين.. نحن قادرون على صناعه مصر أخرى في عام.. كل ما سينتظره العالم هو الاطمئنان لتوجه مصر الجديدة ووجود أمن وحكم رشيد.