2011-07-19

تجميع مقالات طارق الحميد وعبد الرحمن الراشد في الشرق الأوسط أثناء ال 18 يوم


طارق الحميد في الشرق الأوسط

http://1.1.1.2/bmi/www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
درس من وثيقة أميركا والجيش المصري!
طارق الحميد
السبـت 26 محـرم 1432 هـ 1 يناير 2011 العدد 11722
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
تقول واحدة من وثائق «ويكيليكس» إن واشنطن متذمرة من الجيش المصري، حيث تريد منه أن يتحول لمكافحة الإرهاب، وحراسة الحدود مع إسرائيل، وخلافه.. والسؤال هنا: وما علاقة الأميركيين بطبيعة عمل الجيش المصري؟ بل وما هو إذن دور الداخلية أو حرس الحدود؟ ولماذا الجيش المصري وليس الإسرائيلي، فواشنطن تدعم إسرائيل مثلما تدعم المصريين!
الحقيقة أن واشنطن حليف مربك، فإذا ما صعد نجم الرئيس داخليا ازدادت مطالبه الخارجية، وإذا ما انخفضت شعبيته في الداخل الأميركي باتت مطالبه الخارجية أقرب للمستحيل. روى لي مصدر سعودي قصة تلخص ما نقوله؛ حيث طلب مسؤول أميركي من نظيره السعودي أن تُقدم الرياض على خطوات «جدية» تجاه إسرائيل لجلبها إلى طاولة السلام، فجاء رد المسؤول السعودي بهدوء وابتسامة، حيث قال: «عجيب أمركم، المفروض أن تجلبوا الإسرائيليين ونحن نقنع الفلسطينيين، لكنكم تريدوننا نحن السعوديين أن نأتي بالإسرائيليين؟!».
ويكفي أن نتأمل تجربة ما زالت في ذاكرتنا؛ فها هو الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن يستمتع برعاية الأبقار في مزرعته، فماذا لو استجابت بعض دول المنطقة لمطالبه يوم كان ينظر للعالم من منظار معي أو ضدي، وهو الذي انتهى واحدا من أقل الرؤساء الأميركيين شعبية، ورأينا كيف بات حال الأميركيين في نهاية ولايته الثانية، فهذا الرجل لم يستمع لكل نصائح العالم حين غزا بغداد واحتلها بلا خطة، وباقي القصة معروف. فكيف لو سايره بعض العرب بالأمس وفعلوا ما أراده في قمة «هوجته» فكيف سيكون الحال اليوم من خراب ودمار على أوطاننا؟
وكما أسلفنا فإن أميركا بالفعل حليف مربك، وأبسط دليل هو إسقاطهم لنظام صدام غير الديمقراطي، وتأييدهم لولاية ثانية لنوري المالكي في العراق، وهذا ضد أبسط ما قيل من تبريرات لإسقاط صدام. وعليه قد يقول البعض: وما المراد قوله؟ الإجابة: إن أفضل طريقة للتعامل مع دولة عظمى لا يمكن تجاهلها مثل أميركا هو النموذج الصيني، فإذا لم تكن قويا داخليا، وخلفك جبهة متماسكة، ومنظومة عمل اقتصادية حقيقية تضمن لشعبك الحياة الكريمة ولقمة العيش، وقبل هذا وذاك عقلانية سياسية وليس فذلكة، فلن تستطيع أن تتعامل مع واشنطن بالشكل السليم.
استعادت الصين هونغ كونغ بلا رصاصة واحدة، ولا تستطيع تايوان اليوم تجاهل الشركات الصينية، ولا تحتاج الصين لإطلاق صاروخ، أو تصريح ناري، لتهديد الخصوم، بل كل ما تفعله هو أن تقوم بإغراقك اقتصاديا، أي تقتلك بالعسل، وفق مقولة الممثل الأميركي الشهير آلباتشينو في فيلم «محامي الشيطان».
هذا هو الدرس في التعامل مع أميركا، وليس على طريقة الإيرانيين، أو غيرهم من فتوات منطقتنا. العقلانية، والتماسك الداخلي، وتوفير العمل وضمان لقمة العيش لشعبك، هو ما يجعل دول منطقتنا في مأمن من نزوات أميركا العدوانية أيام بوش الابن، أو أميركا المسالمة في وقت أوباما. وقد يقول البعض إن الصين ليست النموذج المثالي، بسبب ملف حقوق الإنسان، وهنا نقول لا مشكلة، ماذا عن الهند؟

http://1.1.1.2/bmi/www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
مصر.. خوفنا كبير
طارق الحميد
السبـت 24 صفـر 1432 هـ 29 يناير 2011 العدد 11750
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
من حق المصري أن يطلب من حكومته ما يريد، ولو مست مطالبه الرئيس والحكومة. لكن مصر ليست للمصريين وحدهم، وخوفنا عليها كبير، هذا ما يجب أن يعيه المصريون، وهذا ما قلناه مرارا وتكرارا.
واليوم ليس وقت ذكر الأخطاء، بل هو وقت استيعاب الدروس، وما أقساها، وما أهمها، وليست للمصريين وحدهم، بل لكل العالم العربي الذي أدمن الجمود، حتى باتت لدينا عشوائيات مباني، وعشوائيات فكرية وإعلامية، وأكثر. عالمنا العربي الذي أدمن أيضا نسج الوعود، وتمسك بالمركزية القاتلة، لا يرى الكوارث التي تتنقل حولنا من كل حدب وصوب، والرد كما قال الدكتور مأمون فندي في مقال له: «إحنا مش جماعة تونس»، فالرد دائما «إحنا مش العراق»، و»مش لبنان»، و»مش الصومال».. و»مش اليمن»، والقائمة تطول.
وعليه، فإن المطالب المشروعة لا تأتي بالعنف، وإحراق أوطاننا، ولا تأتي بهدم الاقتصاد، فاقتصاد مصر يئن، ينهار. والأمن في فوضى، فمناظر العنف في مصر مرعبة من إحراق لسيارات الأمن، ونهب، وإصابات، ورمي للحجارة، وكأنها الانتفاضة الفلسطينية. وهذه ليست مظاهرات بل عنف، وهو عنف لا يشبه الشباب الذين نرى وجوههم في الصور. والخوف اليوم من التخريب، وممن يريدون ركوب الموجة في مصر. فها هو المناضل بشوكة وسكين محمد البرادعي يعود بمنظر مزرٍ للقاهرة ويبدي استعداده لقيادة فترة انتقالية، هكذا بكل سذاجة.. والإخوان المسلمون قرروا اليوم القفز أيضا لاستثمار تحرك الشباب. ولذا، فإن الفوضى كبيرة ومرعبة. وهذا داخل مصر، أما خارجيا فنحن أمام نفاق غير مسبوق، وأول المنافقين الأميركيون.
واشنطن صرحت بقرابة عشرة تصريحات متضاربة في 24 ساعة، كلها متناقضة، مرة تعلن الحياد، ومرة تطالب بالإصلاح، وكأن الإصلاح يأتي في يوم. واشنطن التي نهجت سياسة اليد الممدودة لإيران بينما الأمن الإيراني كان يذبح مواطنيه أمام العالم، رغم كل المناشدات لواشنطن لمساعدة المتظاهرين المقموعين، بل إن قمة نفاق واشنطن هو خوفها على المظاهرات في مصر، وهي لا تحرك ساكنا لما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين، وهذه قصة تحتاج إلى كتب.
أما بريطانيا فيكفي أن نذكر بما حدث في مظاهرات الطلاب، وكيف تصدت الشرطة هنا بقوة لعنف الطلاب، بل مازالت لندن تلاحق من ألقوا البيض على سيارة ولي العهد الأمير تشارلز. أما فرنسا فذاك نفاق من نوع آخر، فيكفي أن نذكر بأن فرنسا قبل أيام تذكرت وقامت بإلغاء معدات مكافحة الشغب المقرر إرسالها لنظام بن علي!
المراد قوله هنا أن كل المطالب الشعبية مشروعة، وتوفير الحياة الكريمة حق لنا كعرب، ومحاربة الفساد أمر حتمي لنبقي على خيراتنا، ونحافظ على الطبقة الوسطى. وهذا ليس حديثا عن مصر فقط، بل لكل العالم العربي بدون استثناء. فواجب الحكومات هو توفير الأمن، والرعاية الصحية، والوظائف، وتفعيل الطاقات كلها، وليس التدخل في حياة الناس وقمعهم. هذا الأساس، وهذه هي القاعدة. ولكن - وهذا المهم والأهم - أن لا نحرق أوطاننا.. لا نهدم مكتسباتنا.. لا نعمق تأخرنا، وجراحنا. أوطاننا لنا، دعونا نحميها، مهما كانت مطالبنا، ومهما كان غضبنا.
tariq@asharqalawsat.com



http://1.1.1.2/bmi/www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
درس مصر.. الدولة هيبة
طارق الحميد
الاحـد 25 صفـر 1432 هـ 30 يناير 2011 العدد 11751
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
نشاهد ما يحدث في مصر ولا نملك إلا الدعاء إلى الله ليجلي هذه الغمة عن المحروسة، لكن - وكما أسلفنا أمس - ليس لنا اليوم إلا استخلاص العبر، ومحاولة الطرح بتعقل لأن الفوضى والارتجال هما المتسيدان في مصر، وفي فضاء إعلامنا العربي.
درس مصر القاسي للمصريين، والعرب: أن الدولة هيبة، وإذا ما ضاعت هيبة الدولة فإن المصير هو ما نراه من نهب وفوضى في كل مصر. والهيبة لا تتم بالقمع، أو التعالي على الناس، بل هي وفق مقولة معاوية بن سفيان «لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها»، وهذا لا يتم بالوعود الخيالية، ولا بالقبضة الأمنية، بل من خلال بناء مؤسسات لا تترهل، وتقوم على الكفاءة، فالدولة حكم، وليس طرف.
من يرى ما يحدث في مصر من فوضى ورعب، لا يملك إلا أن يتساءل سؤالا بسيطا جدا: هل يعقل أن جميع المؤسسات المصرية لا تملك وسائل قياس للرأي العام، لتعرف ما هو المزاج في الشارع، وما الذي يمكن أن يحدث في جميع السيناريوهات؟ هل يعقل أن يتلاشى الأمن بهذا الشكل السريع والمذهل؟ وهل يعقل أن في مصر جماعات قادرة بهذا الشكل المذهل على إحراق سيارات مكافحة الشغب المحصنة بقذف شحنة واحدة لا تتجاوز حجم كف اليد ولم يرصدهم الأمن من قبل؟
قبل أمس، قال الرئيس المصري إن الاقتصاد أخطر من أن يترك للاقتصاديين، وهذا صحيح. ولكن حتى السياسة أخطر من أن تترك للسياسيين، والحرب أخطر من أن تترك للعسكريين. فالمسألة هنا هي عقد اجتماعي متكامل، يقوم على مؤسسات، وكفاءات، ويكون دافعها مراعاة مصالح الدولة، وليس حزب، أو أفراد. وهذا أيضا ينطبق على كل العالم العربي، الذي يجب أن يعرف - وهذا أفضل وقت لقول الحقيقية - أن شعوبكم هي من الأصغر سنا، واقتصاداتكم من الأقل نموا، وشفافيتكم هي الأقل، وتعليمكم يئن، ووعودكم هي الأكثر، وهذه أفضل وصفة لأي انفجار.
لذا، فإن هيبة الدولة لا تقوم إلا من خلال تجنب الجمود. فالجمود قاتل، ولا بد من محاربة الفساد، وإدراك أهمية الإعلام، والإعلام الجديد، وكيفية التعامل معه، وليس قمعه، ولا بد من خلق فرص وظيفية، وفتح آفاق لمنع الاختناق الاجتماعي، والسياسي، وتسليك وسائل وقنوات للحوار، والأفكار، لكي لا يكون الوطن مسرح استقطاب وإقصاء، ولا يسمح للأفكار المتطرفة أن تموج بنا، ونجاملها، أو نسمح للقوى الخارجية أن تسرح وتمرح بأوطاننا، وتحديدا الشر الإيراني الذي تغلغل في دولنا، وتحالف مع قوى لدينا.
أزمة مصر خطرة، لكنها مليئة بالدروس، وأهمها الحفاظ على هيبة الدولة. فإذا ضاعت هيبة الدولة ضاع الوطن والمواطن، فالمطالب بدأت مشروعة، لكنها تحولت إلى فوضى، وتهديد لكل ما تحقق في مصر. فللأسف، فاق حجم الخسائر كل المكاسب التي كانوا يرجونها، فهزة الرعب التي دوت في قلوب المصريين أقوى من أن نتمكن من قياسها اليوم. وعليه، فإن أهم درس هو المحافظة على هيبة الدولة فعليا، وليس بالشعارات.
tariq@asharqalawsat.com



http://1.1.1.2/bmi/www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
هل هي أزمة النظام المصري وحده؟
طارق الحميد
الاثنيـن 26 صفـر 1432 هـ 31 يناير 2011 العدد 11752
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
دائما تحاول بعض الفضائيات العربية تشتيتنا بنقاشات بعيدة عن الواقع، ولا تلامس جوهر الأمر في منطقتنا، وأبسط مثال على ذلك هو النقاش الدائر الآن حول الوضع في مصر، ومنذ مظاهرات يوم الغضب.
فالرئيس المصري حسني مبارك، ومهما قال معارضوه، هو ليس صدام حسين، ولا زين العابدين بن علي، أو آخرين يحكمون في منطقتنا.. مبارك رئيس له تاريخ، جزء منه تاريخ يفخر به المصريون أنفسهم، ورجل وطني خبر الحرب والسلم. مبارك ليس ديكتاتورا، ولا ديمقراطيا، وهذا هو مربط الفرس. والقضية ليست الرئيس مبارك، أو باقي الرؤساء العرب، بقدر ما هي أزمة الجمهوريات العربية كلها.
أزمة جمهورياتنا أنها تحكم وفق منهج أقرب إلى الملكيات، وهي ليست ملكيات، ولذا تجد نفسها دائما في طريق مسدود، سواء اليوم، أو بعد سنين، خصوصا أن بعض الحكام العرب في الجمهوريات العربية قد عايشوا عدة ملوك، وأمراء عرب، تغير الملوك ولم يتغير الرؤساء. وهذه هي الأزمة الحقيقية، حيث لا مدة محددة للرئيس، وبالتالي فلا بد أن تصل الأنظمة إلى هذه المنطقة المسدودة مهما استخدم من حيل، ومن ثم تكون الأزمة أزمة مشروعية.
وعندما نلوم بعض فضائياتنا ذات الشعارات الكذابة بأنها تسطح النقاش، وتشتت المتابع، فذلك لسبب بسيط حيث نرى تركيزا شديدا على مصر، ليس اليوم؛ فالتغطية الآن مبررة، لكن ومنذ فترة طويلة. وأهم تلك الأسباب أن نظام مبارك أتاح حرية إعلامية تفوق كل حريات جمهورياتنا، بما فيها لبنان الذي لا يجرؤ إعلامه على قول كلمة بحق حسن نصر الله الذي لم ينتخبه أحد، أو بحق إيران التي شكا شعبها تزوير الانتخابات. ففضائياتنا تتجاهل ما حدث في لبنان يوم فرضت سورية تغيير الدستور اللبناني والتمديد للحود، وانتهى الأمر بنهاية مأساوية حيث اغتيل رفيق الحريري ورفاقه، ووصل البلد إلى مرحلة يسمي فيها نصر الله رئيس وزراء لبنان السني!
وعليه، فجل النقاش يترك الجوهر ويتعلق بالقشور. فالأزمة ليست أزمة النظام المصري، بل هي أزمة الجمهوريات العربية. فإذا كان خصوم مبارك يلومون نظامه بالأمس على أنه عميل لأميركا، فكيف يلومون واشنطن اليوم لأنها لم تقف ضده بقوة، بل ويتناسون أن هناك جمهوريات عربية أخرى ورطتها أكبر من ورطة النظام المصري، لكنها ما زالت بعيدة عن دائرة الإعلام، بل إن المطالبين بتدخل أميركا يتناسون أن واشنطن سمحت لنوري المالكي أن يأخذ فترة حكم ثانية في العراق رغم خسارته الانتخابات! ولا أدري هل نحن في حالة نفاق عربي، أم أنه الضياع؟ فماذا عن النظام السوداني مثلا؟ وغيره من الجمهوريات القريبة من مصر، أو البعيدة؟
وهذا ليس دفاعا عن النظام المصري أو غيره، بل هو دعوة للتعقل، والتأمل، بدلا من الانفعال، ولنقول إنه يبدو أن لا مخرج لجمهورياتنا إلا باتباع النموذج التركي حيث يكون الجيش هو الضامن، والحكم، إلى حين أن ينضج اللاعبون في ملعب السياسة، مع تعديلات دستورية بالطبع تبدأ بتحديد فترة الرئاسة. وهذا ما نراه يتشكل في تونس اليوم، وهذا ما يبدو أنه سيحدث في مصر.
tariq@asharqalawsat.com

http://1.1.1.2/bmi/www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
حوار مع شاب في ميدان التحرير
طارق الحميد
الثلاثـاء 27 صفـر 1432 هـ 1 فبراير 2011 العدد 11753
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
بعيدا عن ما يقال خارج مصر، خصوصا ممن يريدون إلباس ألازمة ثوبا جاهزا ومفصلا، سواء عربيا أو خارجيا، تحاورت على الهاتف مع شاب مصري من قيادات المتظاهرين الشباب في ميدان التحرير بالقاهرة، وكنت قد شاهدته يتحدث بعقل، ومنطق، على برنامج «بلدنا بالمصري».
أول كلمة بادرني بها الشاب أحمد العسيلي هي «نحتاج صوت العقلاء أكثر من أي وقت آخر»، ونريد بناء الديمقراطية في بلادنا، «نعرف أنها لن تأتي في يوم وليلة، لكن المهم أن مشوارنا قد انطلق، وها نحن في ميدان التحرير». وبالطبع كان السؤال الأول: من يقودكم؟ وماذا تريدون؟ يقول: «لا أحد يقودنا، ونعلم أن في مصر قوى ستتصارع على السلطة، وهناك أناس انتهازيون، لكننا نريد من يحقق لنا مطالبنا».
وعن ترويج الغرب لاسم الدكتور محمد البرادعي يقول: قد يكون هناك أناس يؤيدونه، لكن هناك آخرين أيضا لا يريدونه. وبالطبع رأينا كيف أنكرت المعارضة المصرية أنها فوضت البرادعي للتفاوض مع النظام. ويقول العسيلي مضيفا «القوى الخارجية تروج للبرادعي لأنه وجه معروف، ويطمئنون إليه، نحن نفهم ذلك، لكن بالنسبة لنا لا فرق، يأتي البرادعي، أو عمر سليمان، أو يبقى الرئيس إلى نهاية موعده، ويحقق مطالبنا.. هناك من يختلف معي، لكن الهدف الرئيسي هو تحقيق مطالبنا»!
وعن مطالبهم يقول «بسيطة جدا.. أولا: التصويت في الانتخابات يكون وفق الهوية الوطنية بدلا من «البطاقة الانتخابية» التي توزع في أقسام الشرطة حاليا، وفي فترات محددة. ثانيا: تعديل مادتين في الدستور: التي تشتمل على من له حق الترشح للرئاسة، ومادة تحديد فترة الرئاسة لتصبح فترتين رئاسيتين فقط، وغير مهم إذا كانت أربعة أو خمسة أعوام.
ثالثا: (ويقول هذا مطلب حققناه بالفعل)، وهو أن لا ترفع العصا علينا مرة أخرى». ويقول العسيلي: «نعلم أن مطالبنا ستأخذ بعضا من الوقت، ونحن نحاول أن نهدئ الناس». مضيفا «لا نريد الفوضى، ونعلم أن بناء البلد ديمقراطيا يتطلب وقتا، لكن المهم أننا بدأنا».
ما نقلته أعلاه صورة مختلفة بالطبع عن ما يدور خارج مصر، سواء في بعض الفضائيات المرجفة، أو لدى الغرب وإعلامه. وصحيح أن الحركة الشبابية واعية لصراع القوى الداخلي، كما تعي وجود انتهازيين مدعومين من الغرب، وأن هناك من يريد تعميق الجرح المصري، ولو عربيا للأسف، لكن الحركة الشبابية بلا رأس، وهذا مكمن الخطر. وكما قال لي أحد النبهاء «السياسة مثل المسرح.. لحظة فتح الستار لا بد أن يطل الممثل على الجمهور، والخوف أن يطل من ليس لديه المقومات»!
وطالما أن الشباب يقولون إنه لا يهم من يأتي بالتغيير، سواء الرئيس، أو عمر سليمان، فمن الأفضل أن يستوعب النظام هذه الحركة، ويحولها إلى حركة تصحيحية تحت مظلة المؤسسات الشرعية، لما فيه خير مصر، بدلا من أن يقفز عليها انتهازيون لا يريدون الخير لمصر، ويفترض أن النظام قادر على فعل ذلك، وحينها قد نقول «رب ضارة نافعة».
tariq@asharqalawsat.com



http://1.1.1.2/bmi/www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
حزب شباب مصر
طارق الحميد
الاربعـاء 28 صفـر 1432 هـ 2 فبراير 2011 العدد 11754
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
من المؤكد أن شباب مصر قد وضعوا لهم موطئ قدم حقيقي، ولكن في حال سارت الأمور إلى ما يرجوه الجميع ويتمنونه، وهو خير مصر وتقدمها، فمن الواجب الحذر من البعض الذي يقفز على ما قام به هؤلاء الشباب.
وطالما أن مصر ستسير في مرحلة الحوار حول الإصلاح الدستوري والتشريعي، فمن الواجب أن يكون لهؤلاء الشباب حضورا قويا، وإلا فإن آخرين سيقفزون على المشهد. ولذا، ولكي لا يضيع النجاح الذي حققته المعارضة الشابة التي حركت الشارع فعليا، ولكي لا تخسر مصر كل ما تحقق لها، وبثمن غال، فقد آن الأوان لإشهار حزب جديد في أرض الكنانة يسمى حزب شباب مصر، ليحول دون أن يقفز الآخرين على جهود الشباب ويقتطفوا النجاح الذي تحقق. وكما أسلفت، فمن شأن ذلك أن يكون نجاحا لمصر كلها.
والسؤال الآن هو عندما يتم إجراء الحوار مع المعارضة، فمن سيمثل الشباب؟ هل هم الإخوان المسلمون، أم الوفد، أو البرادعي؟ بالتأكيد أنه لا أحد من هؤلاء يمثل الشباب المصري الذي قام بالجهد الحقيقي منذ يوم الغضب، ومن مصلحة مصر الدولة أن يتم إشهار هذا الحزب، أي حزب شباب مصر، وذلك لعدة أسباب مهمة.
فالواضح أن الشباب المصري المطالب بالتغيير، أو ما تعارف على تسميتهم بشباب الفيسبوك، يمثلون طاقة حقيقية وهم من سن الـ20 إلى الـ40 عاما، وقاموا بفرض واقع جديد في مصر، وهم قوة فعلية على الأرض، لم تفاجئ النظام وحسب، بل - بحسب ما أسمع من أصدقاء مصريين - فاجأوا حتى آباءهم وأمهاتهم. والأهم من كل شيء هو أن هؤلاء الشباب قوة غير مؤدلجة كالإخوان المسلمين الذين لن يجلبوا لمصر والمنطقة إلا الضرر، بل إن الشباب قد أثبتوا أنهم واعون ولم ينساقوا خلف شعارات الإخوان الدعائية، حيث أشارت كثير من التقارير الرصينة إلى أن هؤلاء الشباب قد تصدوا لكل محاولات الإخوان لرفع شعارات إسلامية في المظاهرات مصرين على أن تكون الشعارات وطنية.
هؤلاء الشباب طاقة لا ينبغي إهدارها، فهم نواة طبقة سياسية جديدة من شأنها أن تضخ الدماء الشابة في المرحلة المقبلة، وتساعد على إفراز وجوه مصرية جديدة، كما من شأنها أن تسهم في ربط طبقات المجتمع المصري ببعضه البعض، من كافة الأعمار، فتجربة مصر علمتنا أن الهوة بين الأجيال خطر حقيقي.
وكما ذكرت في مقال الأمس، فإن الشباب - وحسب ما قاله لي أحدهم وهو أحمد العسيلي - مقتنعون بأن العمل الديمقراطي يحتاج إلى سنين من البناء، ولبنة تلك البناء هو إعطاء الشباب فرصة من خلال تأسيس حزب شباب مصر. فإذا كان العسيلي قد قال لي بأنهم قد حققوا أحد مطالبهم وهو ألا ترفع عليهم عصا، فها هم الشباب اليوم يحققون جل أهدافهم. وبالتالي، فيجب ألا يترك الشباب المجال لغيرهم ليختطفوا جهودهم، كما أن من واجب مصر الكيان ألا تهدر هذه الطاقة الهائلة دون استثمار إيجابي يعود بالمصلحة على البلاد كلها.
tariq@asharqalawsat.com






http://1.1.1.2/bmi/www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
مصر.. الجَمل ضد الـ«فيس بوك»!
طارق الحميد
الجمعـة 01 ربيـع الاول 1432 هـ 4 فبراير 2011 العدد 11756
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
أيا يكون ذاك الذي أخذ قرار خروج المتظاهرين المؤيدين للرئيس المصري صباح الأربعاء بالجمال والخيول مستخدمين العنف المرعب الذي رأيناه بحق الشباب في ميدان التحرير، فقد ارتكب خطأ قاتلا لا يغتفر بحق مصر، والرئيس مبارك نفسه.
مساء الثلاثاء الماضي، وبعد الخطاب الثاني الذي ألقاه الرئيس، وقال فيه إنه لن يترشح للرئاسة، وإنه سيقوم بكل التغييرات الدستورية المطلوبة، وقوله إنه سيموت على أرض مصر، بعد ذاك الخطاب العاطفي انقسم المصريون والمعارضة، وانقسم حتى المعترضون عليه عربيا، ومصر لكل العرب، وبدأت بشائر التنفيس تلوح بالأفق، وحتى معتصمو وسط القاهرة كانوا في نقاش جاد حول ضرورة الاستجابة لدعوة الرئيس، إلا أن تلك المظاهرة الهمجية التي قام بها أنصار الرئيس نسفت كل أمل في الحلول العقلانية التي تحافظ على أمن واستقرار مصر، حيث بات السؤال: كيف تحافظ مظاهرة مليونية قام بها معارضو الرئيس على الأمن ودون إراقة قطرة دم واحدة، بينما يفعل أنصار الرئيس ما فعلوه من إرهاب؟ هل يعقل أن يكون الرد على الشباب الذي استخدم الـ«فيس بوك» هجمة بالجمال والخيول وكأننا نشاهد فيلم «معركة القادسية» التاريخي؟
وما زاد الأمور تعقيدا تصريح نائب الرئيس بأن التفاوض مع قوى المعارضة لا يمكن أن يتم إلا عندما تغادر المعارضة الشارع، فكيف يقال ذلك والقيادة المصرية تتعهد بمصر ديمقراطية، وخصوصا أن الرئيس قد قال بأن مصر ستكون بعد خروجه أقوى بكثير! وما زلت على قناعتي بنصاعة تاريخ الرئيس المصري مبارك، وأنه ليس زين العابدين بن علي، أو صدام حسين، مهما قال معارضوه. لكن أسلوب معالجة الأزمة، وخصوصا بعد خطاب الرئيس الأخير، يثير الاستغراب والألم والغضب! فحتى بعض القنوات الأجنبية لم تندفع لتسمية ما يحدث في مصر بالثورة. محطة «بي بي سي» الإنجليزية، وهي أكثر حرفية في معالجة أزمة مصر من خدمة المحطة نفسها العربية التي لا تقل سوءا عن الإعلام المصري الرسمي، لم تسم أحداث مصر بالثورة إلى الآن، ومثلها شبكة «سي إن إن» الأميركية، لكن المعالجة الخاطئة من أصحاب معركة الجمال والخيول قد تجعلها ثورة حقيقية بالفعل، وخصوصا أن مزيدا من النخب المصرية قد بدأت تأخذ موقفا مضادا للنظام.
مصر الكيان اليوم في خطر حقيقي، ومصر أهم من كل الأفراد، وخصوصا أن الذئاب باتوا يحومون حول القاهرة من كل نوع.. من دول وميليشيات وآيديولوجيات، وهذا أمر يهددنا كلنا، فاستقرار وقوة مصر أمر حيوي للجميع، وما يحدث اليوم هناك يعد مشهدا جنونيا، وخصوصا أن النظام قد أوشك أن يكون في صدام حقيقي مع المجتمع الدولي الذي بات يرفع عنه الغطاء بشكل واضح، وبات يطالبه علنا بالرحيل، في مشهد غير مألوف، وغير متوقع، ولم يتخيله حتى أكبر المتشائمين.
والسؤال الآن هو: أين عقلاء مصر؟ وهل يجوز أن تكون هذه هي نهاية نظام الرئيس المصري؟ يا خسارة!
tariq@asharqalawsat.com


http://1.1.1.2/bmi/www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
ما بعد زلزال مصر السياسي
طارق الحميد
السبـت 02 ربيـع الاول 1432 هـ 5 فبراير 2011 العدد 11757
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
لم أجد أدق من وصف «زلزال» لتوصيف الوضع السياسي في مصر الآن. فنحن نمر بمرحلة ما بعد الرئيس مبارك، سواء استقال أو استمر، إلى أن تنقضي فترته الرئاسية، إلا أن هناك واقعا قد تشكل على الأرض وارتداداته طالت العالم كله.
هناك صمت عربي مطبق، إلا من بعض حلفاء إيران التي عادت تلتزم الصمت خوفا مما قد يترتب عليه نجاح المتظاهرين في القاهرة، وقد ينعكس عليها من خلال إحياء روح التظاهر في طهران مجددا. وهناك قلق دولي يتضح من حجم الربكة الأميركية في التعامل مع ما يحدث في مصر، والقلق كبير، فهناك مصالح حيوية قد تتأثر بشكل دراماتيكي.
الأسئلة الآن كثيرة، إلا أن الإجابات كلها تخمين. فإلى أين تسير مصر؟ هل يُختطف جهد الشباب وتنتهي مصر محكومة من قبل الإخوان المسلمين؟ أم هل تُختطف مصر من قبل العسكر مرة أخرى وتذهب في ديكتاتورية حقيقية، وتخسر ما تحقق لها، ناهيك عن الخسارة الاقتصادية؟ أم تغرق مصر في مشكلاتها وتنكفئ على نفسها لفترة طويلة؟ أم تسير إلى دولة ديمقراطية حقيقية، وتنهض اقتصاديا وسياسيا. وبالتالي، يصبح لمصر دور إقليمي فاعل، مجددا، وتتبدد مخاوف سقوط مصر بيد الإسلاميين؟
كلها أسئلة مستحقة، وتقض مضاجع المنطقة، عدوا وصديقا، وكذلك المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا. فدوليا هذه أول مظاهرة عربية لا تحرق فيها أعلام إسرائيل أو أميركا، وليس فيها شعارات سياسية دولية. هي صرخة محلية تطالب بقيم متعارف عليها دوليا، مثل العدالة والديمقراطية ومحاربة الفساد، وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه. والواضح أن الغرب، وتحديدا أميركا، يقفون عاجزين عن فعل أي شيء، فالموجة أعلى مما كانوا يتوقعون، ورياح التغيير أسرع من مقدرة واشنطن على التفكير، والدليل كثرة التصاريح الصادرة من هناك، ويد أميركا عاجزة إلى اللحظة.
ومن هنا، فإن ما سوف يحدث في مصر ما بعد مبارك سيترتب عليه الكثير سياسيا، خصوصا السياسة الخارجية لدول المنطقة، وتحديدا الكبرى منها. فمصر حليف استراتيجي للسعودية وبعض من دول الخليج، ناهيك عن الأردن ودول أخرى في المنطقة، ومصر حليف استراتيجي للغرب أيضا. كما أن تأثير مصر حتى على خصوم سياستها في العالم العربي كبير، مهما ادعوا إظهار عكس ذلك. فدمشق بشكلها الحالي، مثلا، لن تحتمل مصر كديمقراطية حقيقية، كما لن تحتملها وهي تحت سيطرة الإخوان، إن على دمشق حينها - إن أرادت التعايش مع القاهرة - تقديم تنازلات قاسية. كما أن السوريين سيدفعون ثمنا لو غرقت مصر في الفوضى، وترتب على ذلك خلل قد يقود إلى تدخل إسرائيلي لا تحمد عقباه.
وعليه، فأينما نظرنا فالصورة ضبابية، وكل شيء يترتب على ما سوف يحدث في مصر، إما على مدار الساعة، أو الأيام والأشهر الماضية، وليس لأي طرف مقدرة على التأثير، إلا غير الإيجابي بالطبع، لكن يظل التأثير الحقيقي بيد عقلاء مصر وحدهم حتى اللحظة.
فهل يقودون التحول بهدوء من دون أن تنزلق البلاد إلى غياهب المجهول؟
tariq@asharqalawsat.com


http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
«الأولاد» المؤسسون
طارق الحميد
الاحـد 03 ربيـع الاول 1432 هـ 6 فبراير 2011 العدد 11758
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
بعد إعلان كل من العاهل الأردني والرئيس اليمني عن خطوات إصلاحية في بلديهما، بادر الرئيس الأميركي بتهنئة الزعيمين، فلماذا فعل أوباما ذلك؟ وهل كان له دور فيما حدث؟
بالطبع لا، فليس لواشنطن دور، صحيح أن لدى الأميركيين مصلحة في استقرار دول منطقتنا، ومنها مصر، وذلك لدواعي السلم والحرب، لكن الواضح أيضا أن الإدارة الأميركية تريد تجيير ما حدث من تونس إلى مصر، وما حدث من إصلاحات بالأردن واليمن، إلى قائمة إنجازاتها لترويج ذلك بالداخل الأميركي، وإظهار أن إدارة أوباما استطاعت نشر الديمقراطية في منطقتنا أكثر من إدارة بوش الابن. وهذا غير صحيح، فما تم في تونس، مثلا، ليس للأميركيين يد فيه، بل لم يتوقعوه، خصوصا أن وزيرة الخارجية الأميركية كانت تقول أثناء أحداث تونس، وقبل فرار بن علي، إنها تنتظر انتهاء الأزمة لتتحدث مع الرئيس!
ما لا يريد الأميركيون إدراكه، أو تصديقه، هو أن من أحدثوا الحركة التصحيحية بمصر هم أبناء الكنانة أنفسهم، فبدلا من أن يأتي رجال الآباء المؤسسين، وهو تعبير يستخدم في أميركا لجيل المؤسسين للدولة الأميركية من جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وغيرهما، فبدلا من أن يأتوا هم لقيادة الحركة الإصلاحية في مصر فإن من قام بتلك الحركة هم «الأولاد» المؤسسون، أي شباب مصر، والذين إن سألت المصريين الساسة عنهم حتى مساء 24 يناير (كانون الثاني) لأجابوا بنبرة تهكمية: «آه.. دا العيال كبرت» وهو اسم المسرحية المصرية الفكاهية الشهيرة.
صحيح أن العيال كبرت، وأصبحوا «الأولاد» المؤسسين، أما تجربة أميركا، وآبائها المؤسسين، في منطقتنا، فما زالت تراوح مكانها، سواء في العراق، أو أفغانستان، حيث ما زالت تتورط واشنطن إلى اليوم في أفغانستان، وتحاول إجراء عمليات تجميلية من وقت لآخر في العراق، بينما، وفي حال تصرف العقلاء المصريين بحكمة، فإننا سنشهد تحولا مهما في مستقبل مصر، والمنطقة، على يد «الأولاد» المؤسسين.
ولذا فإن أفضل شيء من الممكن أن يفعله الأميركيون لنا هو أن يتركوا دول المنطقة تختار طريقها، وما يناسبها من أنظمة حكم وطنية وواعية، وشرعية، والقصة ليست احتجاجا على الديمقراطية، بالعكس، بل المطلوب أن لا تفرض ديمقراطية مفصلة على كل دول المنطقة، المهم أن يكون هناك اتفاق على أطر عامة، مثل ما هو موجود في كل العالم المتحضر، لكن يترك للدول والشعوب تحديد ما يناسبهم، وفق منظومة متفق عليها من احترام لحقوق الإنسان، وإعلاء مكانته، وتداول سلمي للسلطة، ومحاربة للفساد، ومزيد من الحريات، وفق مكونات كل بلد، وأبسط مثال هنا دول أوروبا؛ فليست كلها متشابهة، وإن كانت ديمقراطية، فحتى أكبر دول أوروبا لا تشابه ديمقراطيتها ما هو في أميركا، بيد أن الأطر واحدة.
أفضل ما يمكن أن يفعله الأميركيون لمنطقتنا هو الإسهام في إيجاد حل عملي للصراع العربي - الإسرائيلي الذي يعرض منطقتنا للخطر، ومن شأن ذلك أن يصد أيضا التمدد الإيراني بمنطقتنا.. هذا ما يمكن أن تفعله واشنطن، أما ما حدث في مصر فقد فعله «الأولاد» المؤسسون، لا الأميركيون.
tariq@asharqalawsat.com



http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
هل حماس تمزح؟
طارق الحميد
الاثنيـن 04 ربيـع الاول 1432 هـ 7 فبراير 2011 العدد 11759
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
ردت حماس، وهذا من حقها، على ما يقال في بعض وسائل الإعلام المصرية من دور لها في الأزمة المصرية الأخيرة. لكن رد الحركة الإخوانية بدا وكأنه نكتة سياسية، أو مزحة، حيث حذر القيادي في حركة حماس صلاح البردويل المصريين من تصدير الأزمة الحاصلة في مصر إلى قطاع غزة!
فيا سبحان الله.. هل باتت مشاكل مصر هي التي تصدر لقطاع غزة؟ أم إن حماس باتت تخشى من انكشاف أمرها لدى الكثيرين في مصر؟ ناهيك عن قلق الحركة الإخوانية من أوضاع غزة الداخلية نفسها، والدليل أن الحركة - وعلى وقع هزة مصر الأسبوع الماضي - أعلنت أنها لا تمانع في فتح دور السينما بالقطاع؟
السؤال الجاد الذي يحتاج إلى إجابة واضحة هو: كيف فر مساجين حماس من سجن أبو زعبل وشقوا طريقهم آمنين إلى قطاع غزة في لحظة الفوضى التي تسبب بها الانهيار المريب الذي حدث للأمن المصري؟ صحيح أن الفوضى كانت عارمة، وطبيعي أن يفر مساجين، أو مسجون، لحماس، وكذلك مساجين حزب الله، لكن غير الطبيعي هو أن يصل السجين إلى قطاع غزة بتلك السرعة، حيث قطع كل تلك المسافة الكبيرة بأمان وسلام، في الوقت الذي كان فيه المصريون يشكون من صعوبة عودتهم إلى منازلهم وهم في ميدان التحرير، وسط القاهرة.. فهل يعقل أن المصري كان يعاني من صعوبة العودة إلى منزله، بينما مسجون حماس يعود بتلك السرعة إلى غزة فارا من وسط مصر؟ بل إن الأمر الأكثر غرابة هو عندما يصل مسجون حزب الله إلى الضاحية الجنوبية، أو أي مكان في لبنان، بتلك السرعة، خصوصا أنه ليس هناك حدود مباشرة بين مصر ولبنان!
صحيح أن أمام المصريين قائمة طويلة من الأولويات الآن، وأهمها ترتيب البيت الداخلي، وإعادة تنظيم الدولة المصرية على كافة الأصعدة، سواء السياسية، أو الاقتصادية، وبالطبع الاجتماعية، بعد أيام عاصفة. لكن أيضا هناك أولوية ملحة لا بد من التعاطي معها وهي الأمن الداخلي. ومثلما يطالب المصريون بمعرفة ما الذي حدث يوم انهار الأمن في بلادهم، فلا بد من التحقيق والتحقق حول حجم اختراق الجماعات الخارجية لأمن مصر؛ فكيف استطاع كل من حركة حماس وحزب الله تسهيل فرار مساجينهم من داخل مصر، وليس السجون المصرية، إلى الخارج بتلك السرعة والسهولة. فهذا أمر ليس بالسهل أبدا! وعلى المصريين الآن عدم الانشغال بكيل التهم، فالأهم الآن هو ضبط الأمن، والتنبه للذئاب الحائمة حول مصر، من دول وميليشيات.
وكما أسلفنا، فإن تحذير حماس اليوم للمصريين بضرورة ألا يصدروا مشاكلهم إلى غزة أمر مضحك، لكنه ضحك كالبكاء، ويجب أن يذكرنا وينبهنا إلى حقيقة كثيرا ما يتم التشويش عليها في منطقتنا من قبل إعلام ودول، وهي أن هذه الجماعات من أمثال حماس وحزب الله ليسوا إلا تعميقا لمفهوم الانقسام في منطقتنا ودولنا، فهم جزء من المشكلة، وليسوا جزءا من الحل.
tariq@asharqalawsat.com



http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
نصر الله والاعتراف الخطير
طارق الحميد
الثلاثـاء 05 ربيـع الاول 1432 هـ 8 فبراير 2011 العدد 11760
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
بعد خطبة المرشد الإيراني الجمعة الماضية وحديثه عن ما حدث في مصر، ها هو زعيم حزب الله حسن نصر الله يطل علينا بخطاب جديد متحدثا فيه للمصريين عن ثورة مصر، والكرامة العربية، مبشرا بأن انتصار المتظاهرين في مصر سيغير وجه المنطقة العربية.
وما رأيناه في خطاب نصر الله ما هو إلا ديماغوجية لا نظير لها، وتزوير للحقائق كما هو معتاد في الخطاب الإيراني، إلا أنه لا بد من التوقف عند عدة نقاط في خطاب المرشد الأعلى اللبناني. نصر الله اعتذر لكل من التونسيين والمصريين على التأخير في تنظيم مهرجان التضامن معهم، مبررا ذلك بحماية «الثورة الكاملة» من الاتهامات، حيث يقول إنه لو عقد المهرجان من قبل «كان سيقال إن المعتصمين في ميدان التحرير والمتظاهرين في مدن مصر العديدة تحركهم خلايا تابعة لحزب الله أو لحماس أو للحرس الثوري الإيراني، وسيتحول هذا التحرك الوطني الأصيل الحقيقي إلى متهم بأنه يخدم أجندة خارجية».
وبالطبع فهذا اعتراف خطير من حسن نصر الله بأن حزب الله، وحماس، يتحركان دائما مع الحرس الثوري الإيراني، وهذه المرة الأولى التي يقول فيها نصر الله ذلك بهذا الشكل، إلا أن الأمر المهم الآخر، بل والواضح، أن تأخر نصر الله في الحديث عن تونس ومصر لم يكن بسبب خشيته من وصم المتظاهرين بالعملاء لأجندات خارجية كما يقول، بل لأنه كان ينتظر الإشارة من طهران. وها هو يصرح بهذا الشكل بعد أن خرج المرشد الإيراني في خطبة الجمعة قائلا إن المصريين يسيرون على طريق ثورة إيران!
لو كان نصر الله جادا في دعوته للشعوب بأن تهب وتطالب بحقوقها وكرامتها، لكان اعتذر للإيرانيين، على الأقل، الذين قمعت ثورتهم الخضراء، وخرج نصر الله مؤيدا لقمعها بتأييده لنظام الولي الفقيه، واحتفاله الكبير بالرئيس الإيراني يوم زيارته الأخيرة للبنان من أجل أن يساند نجاد داخليا. فمن يؤمن بحق الثوار، ويرى الخير في الثورات، لا يقبل ما تم من قمع وعنف بحق الإيرانيين يوم ثورتهم الخضراء. وها هم رموز المعارضة الإيرانية قد بادروا - وفور خطاب المرشد الإيراني عن مصر - بطلب تنظيم مظاهرات في الشارع الإيراني، فهل يؤيدهم نصر الله؟
أما الحديث عن الكرامة العربية، فلو كان نصر الله معنيا بكرامة العرب - كما يقول - لما احتل بيروت بقوة السلاح، بل ولم يكن ليختطف لبنان كله بسلاحه، حيث بات هو من يسمي رؤساء وزراء لبنان.
لذا، فإن حديث نصر الله عن مصر لا يعدو كونه محاولة للقفز على ما فعله المصريون في بلادهم، ومحاولة واضحة لغسل رصيد شائن وغير قليل من محاولات اختطاف عالمنا العربي من قبل إيران وأعوانها. فكما قلنا مرارا، إن الذئاب تحوم حول مصر لمحاولة استغلال فترة ترتيب البيت.
كل ما يريد حسن نصر الله قوله هو أنه صديق للمواطنين العرب، ولمصر، والشارع المصري. وهنا لا يملك المرء إلا ترديد المثل الشهير «مع أصدقاء مثل هؤلاء من بحاجة إلى أعداء»!
tariq@asharqalawsat.com


http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
مصر.. وفارق التوقيت!
طارق الحميد
الاربعـاء 06 ربيـع الاول 1432 هـ 9 فبراير 2011 العدد 11761
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
التأخير في اتخاذ القرارات في الأزمة المصرية بات أمرا محيرا، وقد يقول البعض: أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي على الإطلاق. وهذا غير صحيح في معالجة الأزمات التي تهدد كيان دولة. أهمية التوقيت بمعالجة الأزمات السياسية أحيانا لا يقل عن أهمية التوقيت في الإقلاع والهبوط بالطيران، ففي الدقيقة حياة وموت.
مؤشرات الأزمة المصرية كانت واضحة منذ أزمة تونس، وكان الرد الرسمي أن ذلك «كلام فارغ». وعندما خرج الشباب متظاهرين ورافعين شعار «كرامة.. حرية.. عدالة اجتماعية»، كان الرد بأن حذر رئيس الحكومة السابق من أنه «سيكون هناك تدخل قوي وسريع من جانب رجال الشرطة..». وبدأت تلوح في الأفق مظاهرة «يوم الغضب»، وخرج من الحزب الحاكم من قال: «لا المظاهرات جديدة ولا الإضرابات شيء جديد».
وجاء «يوم الغضب» واهتزت مصر كلها وخرج الرئيس مخاطبا شعبه، وأعلن أنه طلب من الحكومة الاستقالة، وكانت أيضا خطوة متأخرة، ثم جاء الحدث المحير حيث تلاشت الشرطة، وفتحت السجون، ونكلت مصر بنفسها بشكل غير مسبوق، وارتفع سقف المطالب، وازداد الضغط الدولي، ثم ظهر الرئيس مرة أخرى وأعلن تعيين عمر سليمان نائبا، وباتت المطالب أكبر حيث الطعون الانتخابية، والتعديلات الدستورية، وتأخر النظام، والأمور تتعقد. ثم أعلن اللواء سليمان أن الرئيس قد كلفه بإجراء حوار مع كافة الأطراف، ومناقشة التعديلات الدستورية، وبدا أن مبارك قد استجاب لمطالب الشعب، لكن الأوضاع كانت تتفجر على الأرض، والمطالب تتصاعد، والنظام يتأخر.
بعد ذلك، خرج الرئيس بخطابه الشهير معلنا أنه لن يترشح للرئاسة، وبدا خطابا مؤثرا، وتنفس الشارع المصري والعربي الصعداء، وظن أن الأزمة باتت تنفرج، حتى جاءت المفاجئة المذهلة، وهي معركة الجمل بميدان التحرير، وبعدها أصبح المطلب رأس النظام!
السرد أعلاه يرينا كيف أن التأخير كان يفاقم الأزمة التي كان يمكن تجنبها، ليس حفاظا على أشخاص، بل للحفاظ على مصر كلها. وها هو اللواء سليمان أعلن بالأمس فقط تشكيل اللجنة الدستورية المنوط بها تعديل الدستور، واشتملت على أسماء طالب بها الشباب من قبل. وأعلن سليمان أيضا عن خارطة طريق للانتقال السلمي للسلطة، وهو ما طالب به الشباب كذلك من قبل.
نقول ذلك لأن مصر أهم من الأسماء، وأكبر من أن يحاضرها أشخاص مثل حسن نصر الله، خصوصا أن المطالب التي قدمها الشباب حقيقية وتنبع من أرضية قوية، وليس كما كان يقول الإعلام المصري الرسمي، الذي بدأ يتغير هو نفسه متأخرا. فها هي صحيفة الأهرام تصدر ملحقا للشباب يوزع مجانا بميدان التحرير، فالمطالب حقيقية، وأهل مصر يعرفون طبيعة بلدهم ومجتمعهم جيدا، وما يؤكد ذلك هو ما قاله الرئيس مبارك نفسه عام 2005 في حوار له مع قناة «العربية» حين سأله الزميل سعد السيلاوي عن الاستمرار في الحكم، فكان رد الرئيس بلهجة مصرية: «دي إرادة شعب.. إذا الشعب مش عايزك لما تعمل إيه.. مفيش فايدة».
وعليه، فإن المراد قوله هنا هو أن اتخاذ القرار الجيد في الوقت الخاطئ أمر خطر جدا على مصر وأهلها.
tariq@asharqalawsat.com



http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
مصر.. نرى لكن هل نستوعب؟
طارق الحميد
الخميـس 07 ربيـع الاول 1432 هـ 10 فبراير 2011 العدد 11762
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
يبدو أن الجميع في حاجة إلى مترجم يسهل لغة الحوار ما بين مصر القديمة، ومصر ميدان التحرير، فالواضح أن هناك صعوبة في استيعاب ما يدور في مصر اليوم. فيوم أمس كان هناك حدث لافت وله دلالة مهمة، وهو ما حدث للفنان المصري الشاب.. نعم الشاب، تامر حسني، حيث طرده شباب ميدان التحرير أشد طردة عندما حاول أن يلقي بهم كلمة.
نقم الشباب على الفنان تامر لأنه حاول مساندة النظام عند اندلاع المظاهرات الشبابية في مصر، وليس هذا هو المهم هنا، بل إن المهم هو رد فعل الفنان تامر حسني، الذي كانت لديه شعبية عالية بين الشباب، حيث انخرط في بكاء هستيري وهو يحلف أنه كان مخدوعا، وأنه قد قيل له أول الأزمة: اخرج وقل شيئا وأنقذ الناس، مضيفا أنه حضر للميدان ليقول للشباب إن فهمه كان خطأ للأحداث!
بكاء الفنان تامر يعني أنه باتت هناك شرعية أخرى في مصر، وتؤخذ من ميدان التحرير، والقضية ليست قضية فنان، بل ها هو الإعلامي عمرو أديب يتعرض لنفس الأمر، بحسب ما ذكرته صحيفة «المصري اليوم»، حيث لم يرغب فيه الشباب في ميدان التحرير، وهذا يعني أن ميدان التحرير بات يفرض واقعا حقيقيا في مصر. وما يكرس هذا الأمر هو نزول رموز مصرية رصينة إلى الميدان بين المتظاهرين مثل عمرو موسى، وأسامة الباز، وغيرهما من رموز المجتمع، ناهيك عن جموع من الأكاديميين، والقضاة، ورجال الدين، وبالطبع الفنانون والإعلاميون، هذا غير أطياف أخرى من المجتمع المصري.
بل وهناك أمر مهم جدا؛ فالمظاهرات لم تنحصر في أبناء القاهرة والإسكندرية، أو بين طبقات محددة، بل إنها طالت أيضا أبناء الريف المصري، ووصلت إلى الوادي الجديد، الذي دبت فيه أعمال عنف وحرق لمبنى الحزب الحاكم، ومراكز الشرطة! كما شملت المظاهرات كلا من بورسعيد، والسويس، والإسماعيلية، ناهيك عن أن المتظاهرين قد حاصروا مبنى مجلس الوزراء، والبرلمان، وهذه كلها دلالات مهمة، وكما أسلفنا أمس، فحتى الإعلام الرسمي المصري بات يخرج عن مساره الأول، ومن يشاهد عناوين الصحف المصرية الرسمية بات يختلط عليه إن كان يقرأ الصحف المستقلة، أو صحف المعارضة!
ولذا نتساءل: عندما ننظر إلى ما يحدث في مصر، هل نستوعبه؟ هنا تكمن الخطورة. مصر ليست في حالة تغيير.. مصر تغيرت، لكن لا ندري إلى أين تسير، هناك تفاؤل، وهناك تشاؤم، وكلنا متشبثون بأهداب الأمل، لكن أكثر ما يثير القلق هو أن منطقتنا لم تستوعب إلى الآن أن مصر قد تغيرت. ولذا فإن هناك حاجة ماسة اليوم لأمرين مهمين، وهما مساعدة مصر على اجتياز ما تمر به بسلام، وسهولة، ودون تدخل سافر، لكن من خلال قاعدة أساسية وهي أن الشعب هو الأهم، والأمر الآخر يكمن في ضرورة إعادة النظر في كيفية التعامل مع المرحلة القادمة بمنطقتنا سياسيا، ودبلوماسيا، فنحن أمام تحولات خطيرة، وآثارها ستظهر قريبا.
tariq@asharqalawsat.com



http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
«الحمد لله على سلامتك يا مصر»
طارق الحميد
السبـت 09 ربيـع الاول 1432 هـ 12 فبراير 2011 العدد 11764
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
العنوان أعلاه ليس من بنات أفكاري، بل هو نص ما قاله الشاب المصري وائل غنيم بعد إعلان خبر تنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه تحت ضغط الثورة.. نعم هي الثورة المصرية، وكما قال السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أمس، على قناة «العربية» بأنها «الثورة البيضاء».
الحمد لله على سلامة مصر التي تفاجأت بنفسها وشبابها، الذي أجرى نيلها من جديد في عروق المصريين وكل العرب.. مصر التي تفاجأت بمكانتها ونظرة العالم كله لها. والأهم من كل ذلك حب العرب لها، فعلى مدى الثمانية عشر يوما الماضية كانت مصر محور النقاش، ولها الدعاء. عربيا، كلٌ عبر عن خوفه على مصر بطريقته، وكلٌ عبر عن حبه بطريقته أيضا، لكن الجميع كان يدعو لمصر، وأمنها وسلامتها.
العاطفة هي سيدة الموقف اليوم، حتى لدى أكثر الناس عقلانية، لكن ما حدث في مصر يعد أمرا مذهلا. فهي ثورة لم يُرِق ثوارها قطرة دم واحدة، بل كانوا أكثر حكمة وتعقلا ممن حاولوا قمعهم. ظلت مصر عهدة بيد المعتصمين في شوارعها لقرابة أسبوعين دون إخلال أمني، عدا ذاك الذي حدث يوم انسحب الأمن العام. رأينا شعبا، وشبابا، يلتحفون العلم، ويقفون بجانب الجيش المصري الحكيم مرددين «الشعب والجيش إيد واحدة». رأينا حب مصر على أرض الواقع، وليس قصائد، أو خطابات.
هي ثورة الشعب، ثورة ليس لها قائد يأتي بالطائرة من الخارج مثل ما رأينا في حالة إيران يوم جاء الخميني من فرنسا، ولا هي أيضا انقلاب قصر، ولا هي أمر أبرم في مكان ما في الخارج. كل الحكاية أن مصر عادت شبابا من جديد بيد شبابها، وهذا أجمل ما رأيناه في أرض الكنانة طوال الأيام الماضية، ولكن الاستحقاقات اليوم كبيرة، سواء على المصريين أو العرب جميعا المحبين لمصر وأهلها.
اليوم لا بد أن يشمر المصريون السواعد لبناء بلد ديمقراطي حقيقي. اليوم يجب أن يقول المصريون لأنفسهم: لا للانتقام، ولا للتشفي.. ونعم لأخذ العبر. اليوم على الشباب أن يؤسسوا حزبهم، ويصدروا قياداتهم الجديدة. اليوم على المصريين، بكافة مشاربهم، أن يلتزموا كلمة شرف، أو قل «كلمة شباب» كما فعلوا في ميدان التحرير يوم كانت «كلمة الشباب» كبيرة، وهي «سلمية.. سلمية» بأن لا تكون مصر دولة آيديولوجيات، أو انقسام، بل يعلنون بناء الدولة الحديثة، دولة المواطنة والعيش الكريم، خصوصا أن المصريين قد حققوا كل مطالبهم، واليوم عليهم تحقيق أحلامهم.
أما العرب، كل العرب، فعليهم اليوم الوقوف مع الدولة المصرية، والشعب المصري، لتخرج مصر من أزمتها الاقتصادية، ولتتعافى سريعا من شدة الاهتزاز الذي حدث. فمصر ليست للمصريين وحدهم، بل هي لكل العرب. ونحن بانتظار مصر قوية، سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا، وعلميا، وإعلاميا، وحتى فنيا. وهذا ليس كلام عاطفة، بل هذا عين العقل، فما فعله الشباب في مصر يقول لنا إن مصر ستكون دائما بخير.
ولذا نقول «ألف حمد لله على سلامتك يا مصر»!
tariq@asharqalawsat.com


http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
سقوط نظرية «هم يقولوا ونحن نطنش»!
طارق الحميد
الاحـد 10 ربيـع الاول 1432 هـ 13 فبراير 2011 العدد 11765
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
كان نظام الرئيس المصري السابق هو صاحب نظرية الحرية الإعلامية القائلة «خليهم يحكوا»، أي دع الصحافة تقول ما تقول، فلها حرية النقد وللدولة حرية التطنيش، وها هو النظام المصري يدفع ثمن تلك النظرية الفاشلة.
فبعيدا عن جدلية الأرقام، ونسب من هم في ميدان التحرير من المتظاهرين، وهل هم يمثلون كل المصريين أم لا، فإن الواضح هو أن النقد الإعلامي، والحديث عن الفساد، والخلل والقصور في المؤسسات المصرية وأدائها دون حلول حقيقية، قد أدى إلى احتقان شعبي لدى شريحة كاملة من الشعب التي ترى الخلل أمامها دون إصلاح رغم كل ما ينشر في الإعلام. فالنظام اعتقد أن سياسة التنفيس، «وخليهم يتكلموا» ستنفس الأمور وتحول دون لحظة الانفجار. وهذا كلام غير صحيح، ودليل فشله هو ليس حجم المتظاهرين، بل إصرارهم على الصمود.
فنظرية حرية النشر مقابل حق التطنيش من قبل الدولة المصرية ثبت فشلها؛ فثورة الشباب، وتأييد شريحة عريضة من الشعب لهم، تثبت ذلك. وبالطبع، فلا يمكن أيضا أن تقوم الحكومة المصرية، أو غيرها في العالم العربي، باتباع سياسة التكميم والقمع اليوم في ظل كل وسائل الاتصال الحديثة، وانفتاح الإعلام الذي لا يمكن السيطرة عليه كما كان يحدث في السابق. وبالتالي، فإن الحل هو أن تنفض الحكومات العربية عن نفسها غبار الكسل، وتحارب قصورها، وفسادها، وتتعاطى مع المشكلات بشكل جدي، فلو أنفقت كثير من الحكومات العربية على الإصلاح الوقت نفسه والجهد الذي تنفقه على النفي والتبرير لكان الحال العربي أفضل بكثير، ولو استجابت الحكومات لنقد الصحافة، بل واستغلتها كعين رقابية لها، لكان الوضع أفضل بكثير أيضا، وجنب دولنا كثيرا من المشكلات. درس مصر كبير، ولو تأمل العقلاء الأخطاء التي وقع فيها النظام، وهي كثر، فسيجد أن أبرزها هو أن حرية التطنيش لها عواقب وخيمة، حيث الاحتقان، وترسيخ اليأس لدى المواطن، مما يجعل البلاد معرضة لخسائر كبيرة.
مصر دولة كبيرة، مكانا وحجما وسكانا، وكذلك فكرا، لكن رأينا كيف أن النظام قد عجز عن فهم شبابه، وكيف يفكرون، فالرئيس مبارك اعترف بالشباب متأخرا، حيث استهل خطابه الثالث بتوجيه الحديث إلى شباب ميدان التحرير. واللواء عمر سليمان تعهد، قبل تنحي الرئيس، بالحفاظ على مكتسبات ثورة الشباب، وحتى الصحف الغربية لم تكن تسميها «ثورة» ذاك الوقت، بينما أقر سليمان بأنها ثورة، وهذا دليل على أن النظام قد أدرك أنه لم يكن يفهم أكثر من نصف شعبه، لأنه لم يكن ينظر لهم بجدية، بل كان يتعامل معهم بالتطنيش. وكيف ينظر لهم بالجدية ما دام شخص مثل الدكتور بطرس غالي يقول لصحيفة «المصري اليوم» إنه يعتقد أن من يقف خلف المظاهرات تنظيم أجنبي وقد يكون جناحا شيوعيا، أو وهابيا، أو شيعيا، أو صهيونيا.. تخيلوا، فهل هناك عبث وسخف أكثر من هذا، خصوصا عندما يصدر هذا الحديث من دبلوماسي كان وزير خارجية، بل كان أمينا عاما للأمم المتحدة؟
ولذا نقول إنه قد سقطت نظرية «لهم حق أن يقولوا، ولنا حق التطنيش»، وثبت أن لها ثمنا باهظا، فهل نستفيد من الدرس؟
tariq@asharqalawsat.com






عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط

http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
مصر الجائزة الكبرى
عبد الرحمن الراشد
السبـت 24 صفـر 1432 هـ 29 يناير 2011 العدد 11750
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
هذه العبارة ليست لي.. بل قالها أحد المحاضرين، الذي حاول إغراء مجلس السياسات الدفاعية الأميركية بالهيمنة المباشرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وصف مصر بالجائزة الكبرى مقترحا احتلالا تدريجيا يمر بالسعودية ويتوج بمصر. انتهت الفكرة بالرفض واختار جورج بوش احتلال العراق بديلا. 
مصر بالفعل هي الجائزة الكبرى لمن أراد أن يحكم المنطقة، تملك من المقومات ما يجعلها محل إغراء الطامعين داخليا وخارجيا، وهي الآن محل متابعة شديدة من دول العالم بسبب الجموع التي أغرقت عددا من مدنها في مظاهرات لا سابقة لها في تاريخ البلاد الحديث وهزت النظام. 
دول مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها تعجلت بمطالبة النظام المصري أن يدمقرط نفسه. عيب النصيحة الوحيد في توقيتها لأنها قد تقضي عليه، مثل توبيخ من أدخل غرفة الإنعاش المستعجلة بدلا من إسعافه. ترسل إشارات للمعارضة بالهجوم في وقت النظام مضطرب فيه للغاية. 
هل يترك النظام المصري ليقضى عليه أم تمد له يد النجدة؟ بالتأكيد لا يستحق أي نظام البقاء إن كان يحتاج للدعم الخارجي حتى يقف على قدميه في الداخل. 
ومن المهم أن نتذكر أن نظام مبارك ظل واقفا على قدميه طوال الثلاثين السنة الماضية رغم التشكك في قدرته منذ حادثة المنصة التي اغتيل فيها الرئيس أنور السادات وهزت أركان الحكم. استمر يحكم عاما بعد عام بخليط من الوسائل الناعمة والقاسية. مثلا وسع دائرة الحريات السياسية عما كانت عليه في عهدي السادات والناصر وفي نفس الوقت أبقى على نظام الطوارئ بلا مبرر. نجح مشروعه في منح الحريات الاستثمارية والاقتصادية لكن لم يكن للدولة مشروع تنمية ناجح يستوعب ملايين من طالبي العمل. أعطى حريات إعلامية لا مثيل لها في العالم العربي لكنه في الوقت نفسه، جعل نفسه وعائلته هدفا سهلا لنقاده في مسالة التوريث التي كان عليها أن يحسمها منذ عشر سنوات على الأقل. لم يورث ولم يحم نفسه من تهمة التوريث فتحول إلى هدف سهل في مجتمع صار له إعلام نافذ.  
الكثير يمكن أن يكتب في تحليل سنوات الحكم الثلاثين، ومهما قيل فإن حكم مبارك كان في معظمه ناعما مقارنة بمعظم دول المنطقة. السيئ فيه أنه ارتكب العديد من الأخطاء التي كان في غنى عن ارتكابها. إن بناء نظام انتخابي والسماح بحرية الإعلام لا يتسق مع فكرة الإقصاء بل هي أسوا معادلة يمكن تركيبها. أما أن تكون ديكتاتورا كما كان عبد الناصر وتخترع قضايا وطنية وتحكم البلاد باسمها بقبضة من حديد أو أن تفتح الحريات وتسمح للآخرين بالمشاركة في الحكم، من دون أن ننسى الرئيس هو الحكومة هو النظام الذي يجعله صاحب الحظ الأكبر في الفوز على كل المستويات. علميا، لا يعقل أن يفوز من حكم عشرات السنين بنحو مائة في المائة ولا حتى بخمسين في المائة. العاهل المغربي الراحل الملك الحسن أتى بزعيم معارض عبد الرحمن اليوسفي ليرأس الحكومة، ملك استعان بزعيم اشتراكي. مبارك استمرت كل حكوماته بكل كراسيها تمثل حزبه فقط! وأعرف أن هناك من سيصححني بأن مصر جمهورية الحزب الفائز يشكل حكومته، صحيح.. لكن هل هي حكم أبوي أم أنها بالفعل جمهورية؟
المشاركة تعزز النظام، وذلك عندما يصبح تداول السلطة تناوبا مستحيلا. احتكار السلطة بالكامل هو غلطة مبارك التي ليس فقط أوصلت النظام إلى الطريق الوعر الذي تمر به اليوم بل أيضاً هي التي أرهقته وأضعفته في السنين الماضية. وأنا أختلف مع الكتاب الذين يقولون إن مبارك حكم بلاده بالقوة لأن مظاهر القوة محدودة والرجل حكم أكبر دول المنطقة سكانا لثلاثة عقود.  
عندما يخرج النظام من أزمة اليوم، عليه أن يصلح من شؤون كثيرة؛ مثل صفة الحكم وإنهاء إشاعة التوريث، وإنهاء الديمومة الرئاسية، وإلغاء نظام الطوارئ المزمن، واعتماد شفافية في الانتخابات.
alrashed@asharqalawsat.com


http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
تغييرات مصر مبشرة؟
عبد الرحمن الراشد
الثلاثـاء 27 صفـر 1432 هـ 1 فبراير 2011 العدد 11753
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
أي فجر سيشرق على مصر، هل تكون انتفاضة يلتسين في روسيا، أو تحولات الصين السياسية، أم ثورة آية الله الخميني في إيران؟
الوقت سيجيب عن هذه التساؤلات المهمة، وبعيدا عن المراهنات يمكن أن نقول: الاحتمالات كلها ممكنة، مع اعتقادي أن الثالث، أي الثورة الشاملة على غرار إيران بات شبه مستبعد. فالنظام، وتحديدا القطاع العسكري، تمكن من الانتشار والإمساك بالمفاصل الأساسية للبلاد. ولو افترضنا أن الأيام المقبلة برهنت العكس وتهاوت الأركان بما فيها القوة العسكرية، وتغير النظام فإننا أمام مصر مختلفة تماما، تشابه حقا إيران في ثورتها عام 79. وهذا السيناريو البعيد الاحتمال تماما مرهون بدوره بأن التغيير يحدث داخل القيادة العسكرية وليس من خلالها، أعني أن قيادتها الحالية تفقد السيطرة. أمر لم أسمع أحدا تخيله بعد، لهذا يكاد يكون أمرا مستحيلا.
الحقيقة إن القوات المسلحة هائلة، والقوات التي نزلت إلى شوارع القاهرة لم تكن الجيش، بل لواء رئاسي واحد. أيضا النظام المصري كبير رغم الانهيار السريع لأجهزة الأمن، والذي فاجأ الجميع، وأعتقد أنه فاجأ القيادة المصرية نفسها. فهو يملك واحدا من أكبر الجيوش الأمنية في العالم، مليون وأربعمائة ألف فرد. وربما من حسن حظ الجميع أن الأمن المصري انسحب وترك الساحة لأن هذا حال دون الصدام وحقن الدماء.
ظهر أن الرئيس حسني مبارك ليس مثل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي هرب فورا، لكن الأزمة مستمرة، وتطورات الأيام السبعة الماضية تجعلنا أمام احتمالين كليهما يعني بقاء النظام مع تغيير في رأسه أو في سلوكه. وهناك احتمال رابع، وهو أن قصر عابدين سيستأنف أعماله لاحقا كالمعتاد، وهذا  أمر مستحيل اليوم ولا يستحق حتى نقاشه هنا.
ورغم الحرائق والنهب والسلب والغضب، فأنا متفائل كثيرا من أن مصر في الحالتين الأخريين ستخرج من الأزمة أقوى من أي يوم مضى. إنه تعافي الرجل المريض، وهذا له ثمنه الباهض بالتأكيد. أعني الاحتمالين الوسط. فالاحتمال الذي يتنبأ بأن القيادة المصرية، ومعنى كلمة القيادة هنا المدنية والعسكرية والقوى السياسية المرتبطة بالحكم، ستستطيع التوصل إلى حل وسط بتغيير قيادي بالتراضي. أعني نصف التغيير، بمعنى أن الرئيس يقبل بنهاية رئاسته بصيغة معقولة ومحترمة تؤمن انتقالا دون تصدع النظام الكامل، وسيفسح المجال لدخول الكثيرين داخل المظلة نفسها.
وهناك سيناريو التغيير الناعم الذي يقود إلى تغيير السلوك الرئاسي لا الرئيس. وفي الحالتين مصر ستخرج أقوى سياسيا، لأن الجميع في الداخل والخارج سيعتبره انتصارا، وعليه أن يتعامل مع مصر الجديدة، ستكون مصر أقوى داخليا. مشكلة مصر لم تكن قط خارجية، فسياسة مبارك الخارجية لم تتورط في مغامرات كبيرة، لا حروب ولا مشاريع سياسية أجنبية مكلفة كما كان يحدث في عهد عبد الناصر، مواقف أعطت مصر بعدا دوليا مهما، وأي قيادة تبقى أو تأتي لن تغير في سياستها هذه. ويبقى التغيير داخليا، وهنا توجد مساحة هائلة ستكون محل جدال ونقاش لكن لا يستطيع المصريون هذه المرة الشكوى من التوريث أو التنفيع، فقد كان درس الجمعة بليغا.
alrashed@asharqalawsat.com


http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
سباق أوباما وخامنئي على مصر
عبد الرحمن الراشد
السبـت 02 ربيـع الاول 1432 هـ 5 فبراير 2011 العدد 11757
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
أظن أن هذه المرة الوحيدة التي يتفق فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما والزعيم الروحي لإيران آية الله علي خامنئي. الاثنان أيدا المتظاهرين المعارضين للنظام المصري، وأعلنا عن حماسهما لإقصاء الرئيس حسني مبارك من رئاسة الجمهورية. ووقف وراء كل زعيم موظفوه، فقد كرر دعم المتظاهرين نائب الرئيس الأميركي، وزاحمه أيضا رئيس مجلس الشورى الإيراني، ولم يبق إلا أن تسير مظاهرات تطالب برحيل مبارك في واشنطن وطهران، فهل نحن أمام تسابق أميركي - إيراني على الرئيس الآتي؟
أفهم جيدا الموقف الإيراني المتحمس لإسقاط النظام في القاهرة، لأن مصر هي العمود الرئيسي في المنطقة، وإسقاط نظامها، أو إضعافه، أو إشغاله يصب في مصلحة إيران التي تجاهد للتوسع، وهي في حالة حرب غير معلنة مع مصر منذ سنوات.
لكنني لا أفهم أبدا الحماس الذي دب في البيت الأبيض والخارجية الأميركية والمطالبة الصريحة بخروج مبارك. فالمصريون، عدا عن أنهم سيرفضون الوصاية الخارجية وتدخل الغير في شأنهم الأول، أي الحكم، فإنهم أيضا لن ينظروا إلى الموقف الأميركي الحالي على أنه مناصر لهم، بل لا يهمهم ألبتة. في الوقت ذاته دعوات واشنطن تضعف الموقف التفاوضي القائم بين الأطراف، ويعطي إشارات خاطئة تعمق الأزمة. فالخلاف بين القصر وميدان التحرير في القاهرة هو حول تغيير الرئيس أو تغيير النظام. ويبدو أن رحيل مبارك مقبول، وهو تعهد شخصيا بالخروج، وربما يكون خروجا سريعا أيضا. أما تغيير النظام الذي يدعو إليه المعارضون مطالبين بتشكيل حكومة انتقالية، ونقل السلطات لهم، أو بمشاركتهم، فهو مرفوض.
حشر واشنطن أنفها في الأزمة لن يمنحها شرف التأثير ولا الشكر والامتنان على تحقيق التغيير. بل على العكس تماما سيضعف النظام ويحرج المعارضة، وسيوسع الهوة بين الجانبين.
وهذا ما دفع كثيرين لمحاولة تفسير موقف واشنطن، فيما إذا كان حالة انتقام لأن مبارك رفض الإنصات لنصائح الحكومة الأميركية التي كررت عليه مطلب الإصلاح لكن الرئيس المصري رفض، بل سمح بإقصاء المعارضة تماما في الانتخابات الماضية. أو هل تريد واشنطن إصلاح العلاقة مع القوة الجديدة في مصر من الشباب والمعارضة وأخذ موقف داعم لهم. أم هي سباق دولي للتأثير على الأحداث والنتائج؟
أعتقد أن المراهنة على سقوط النظام خطأ كبير ترتكبه الجهتان، الإيرانيون والأميركيون، وحتى لو شاركت في الحكم وجوه جديدة من المعارضة ستبقى المصالح الخارجية لمصر ثابتة، وغالبا ضد التوسع الإيراني وضد محاولات توسعها.
واشنطن عرفت دائما أنها تؤيد الشرعية حتى تسقط، وعندما تسقط تسارع إلى منح الشرعية للمنتصر الجديد، وهي بذلك تخدم مصالحها. لكنها الآن تغامر كثيرا عندما تتدخل وتقرر أن على الرئيس أن يرحل فورا، وتعلنه على الملأ. فهي تستفز جماعات كثيرة داخل مصر، وتصيب المنطقة بأكملها بالقلق، وتشجع إيران على التدخل.
أما بالنسبة لخامنئي فإنه قبل المعارضة المصرية قبلة الموت عندما خصص عشرين دقيقة من خطبة الجمعة باللغة العربية لتأييد المتظاهرين زاعما أنهم يسيرون على هدى ثورته وداعيا إلى إقامة نظام ديني مماثل لإيران. فخصوم إيران والخائفون منها سينفضون عن تأييد الحركة المعارضة التي بدأت شبابية وعفوية. والبقية تعرف أن النظام الإيراني نموذج رديء وحاليا مريض. فهو الآخر يعاني من ثورة شبابية مضادة وقد مارس قمعا وحشيا ضدهم.
دعوا مصر للمصريين يحسمون أمرهم سريعا وبأنفسهم، وإلا فإن الاحتجاجات السلمية ستصبح معسكرات داخلية وخارجية.
alrashed@asharqalawsat.com


http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
نهاية الرئاسات مدى الحياة
عبد الرحمن الراشد
الاحـد 03 ربيـع الاول 1432 هـ 6 فبراير 2011 العدد 11758
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
قبيل العاصفة الأخيرة، روى أحد المسؤولين الخليجيين أنهم تدارسوا مرة مقترح ضم اليمن إلى مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي الست، وقرروا إرسال وفد للرئيس اليمني بحثا عن إجابات أولية، وكان من بينها سؤال خجول حول صفة الحكم. فكل الدول هنا نظمها ملكية، أما اليمن فنظامه جمهوري، لكنه ليس جمهوريا حسب التوصيف الدستوري، رئيسه يحكم أكثر من ملك. الرئيس علي عبد الله صالح عمّر في الحكم أطول من كل نظرائه ملوك وأمراء الخليج.
وعندما ثارت المظاهرات الضخمة ضده أثبت الرئيس اليمني أنه أذكى الرؤساء المحاصرين، حيث سارع وأرضى المحتجين. أعلن على الملأ تخليه عن فكرة البقاء مدى الحياة في الرئاسة، وتعهد لشعبه بأنه لن يسمح لابنه بأن يخلفه في الحكم. أطفأ بذلك الحريق بكوب ماء، ولم ينتظر حتى تبلغ النيران بيته. وبذلك فإن الرئيس صالح سيكمل رئاسته حتى آخر يوم، وسيجد من الوقت ما يكفي لترتيب شؤون الحكم من بعده بحيث يدعم خلفه، وهذا في صالح مستقبل الرئيس والرئاسة.
ثورتا الشارع في تونس ومصر فعلا تعبران عن حالة ملل واستنكار من رئاسات دائمة، مهما كانت منتجة أو خاملة، قاسية أو ناعمة.
وكما يعلم المواطنون العرب، الرئيس صالح أو مبارك أو بن علي ليسوا وحيدين في ديمومة الرئاسات، بل الجميع مثلهم، باستثناء رئيسي لبنان والعراق. ولأنه لا يولد في أي مكان في العالم حكام يتنازلون بإرادتهم تكتب التشريعات التي تحمي الناس من الحكام، وتحمي أيضا الحكم من القفز عليه من الخارج، وهنا أهمية الشرعية. فلا يمكن أن تكون هناك شرعية لحاكم هو نفسه يخالف الدستور الذي أقسم عليه. فالرئيس صالح يحكم منذ عام 78، وفي عام 2003 أدخل إصلاحات تحد من الديمومة، لكنه قال إنها رئاسته الأولى، متجاهلا أنه يحكم منذ ربع قرن، حتى يجدد ويمدد لنفسه، ثم تعهد بأنه لن يجدد في 2006، لكنه بعد ثلاثة أيام غير رأيه وقرر الاستمرار.
صالح ليس الوحيد، فمعظم الرؤساء العرب حكموا أكثر من معظم الملوك العرب، مثل القذافي في ليبيا لأربعين عاما، وبن علي تونس لثلاثة وعشرين عاما، وصالح في اليمن ثلاثين عاما، ومبارك مصر ثلاثين عاما، والبشير في السودان ربع قرن، ومن قبلهم صدام العراق ربع قرن، وحافظ الأسد في سورية لثلاثين عاما. نظموا انتخابات ولم يخسر أحد منهم قط فيها! استهلكوا كل مبررات البقاء من وعود بمحاربة إسرائيل، وانتخابات نزيهة، وإصلاحات، وأخيرا صاروا لا يبالون كثيرا برأي شعوبهم، ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
الشرعية المكتوبة وحدها لا تكفي، فالممارسة تفوقها قيمة، لهذا ابتكرت أنماط من الحكم هدفها ضمان استمرار النظام، والاستقرار، ومنح الطرفين، الحاكم والمحكومين، الأمان ضمن أطر دستورية تحميه وتحميهم. وكما رأينا في تونس، فقد همش الرئيس الأطر الشرعية لحكمه حتى أصبح عاريا بلا مشاركة أو تمثيل شعبي حقيقي، واضطر يوما بعد يوم إلى الاتكال أكثر على أمنه وحرسه حتى فقد كل شيء. الوضوح في قواعد الحكم والتزاماته، واحترام الأنظمة، والاحتكام إليها عند الخلاف، هي الضامن أمام هبّات الناس وثوراتهم.
alrashed@asharqalawsat.com


http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
هل كان مبارك وديعا أم شريرا؟
عبد الرحمن الراشد
الاثنيـن 04 ربيـع الاول 1432 هـ 7 فبراير 2011 العدد 11759
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
راجت صورة رئيس تونس المخلوع زين العابدين بن علي بعد رحيله، على أنه الرجل الوحش. والآن، هناك من يريد تقديم الرئيس المصري حسني مبارك أيضا بأنه غول مصر. ومن المبكر إطلاق الأوصاف لأننا في وقت يصنع التاريخ لا وقت يكتب فيه التاريخ. إنما الانطباع السائد أن التعامل المصري مع مبارك، حتى الآن، أقل عداء تجاهه على الرغم من صوره المشوهة والدمى المشنوقة في ميدان التحرير. فأقصى مطالب المعارضة هو تنحية الرئيس لا ملاحقته، ومعظم أحزاب المعارضة، التي خاضت حربا طويلة ضد مبارك، عبرت عن رغبتها في أن تحفظ كرامته في حال تنحيته. ولا أدري إن كانت تلك هي طبيعة الشخصية المصرية التي عاملت بلطف الملك فاروق بعد خلعه وعبد الناصر بعد هزيمته في 67، أم أنه إرث ثلاثين عاما في ما سمي حكم الأبوة.
وقائمة عيوب مبارك التي وصف بها طويلة؛ بينها عجزه عن إدارة البلاد داخليا وفشله في التعامل مع المعارضة. وحتى الموالون له يعترفون بأن مبارك فشل تماما في توسيع النظام السياسي ليستوعب الجميع، مع أنه أكثر الرؤساء الثلاثة الذين حكموا الجمهورية انفتاحا على أحزاب المعارضة، وفي عهده ارتفع سقف الحريات. مشكلته أنه كان في كر وفر مع المعارضة، مثل أن يوسع حريات الصحافة لكن يبقي على قانون الطوارئ.
سياسته الخارجية، بخلاف ذلك، كانت مسالمة. فقد عرف مبارك بأنه زعيم وديع نادر الانتقام، يبحث لمصر عن دور في كل قضية، لكنه يحذر المغامرات، ولا تعرف له مغامرة واحدة بخلاف سلفيه السادات وعبد الناصر. حتى عندما تعرض لمحاولة اغتيال كاد أن يقتل فيها في أديس أبابا، واتضح له لاحقا أنها دبرت من قبل أطراف في النظام السوداني، لم ينتقم، ولم يحرك ساكنا عدا الاحتجاج الدبلوماسي. في حين أن الرئيس السادات عرف بشراسته، حيث إنه بسبب خلاف طارئ نشب بينه وبين جارته ليبيا، دفع بدباباته فورا عبر الحدود، ولولا الوساطات لكان احتلها في لحظة غضب. وعبد الناصر كانت أصابعه في كل مكان، نشر قواته في أنحاء العالم تقاتل على جبهات ثورية مختلفة حتى جاءت نكسة 67.
أما مبارك، فقد عرف بأنه بطيء ومتردد وحذر، مثلا رفض إرسال قواته إلى العراق للمشاركة في الغزو، ورفض إرسالها للمشاركة في قوات سلام اقترحت عليه، ورفض مشاركة المصريين مع قوات الناتو في أفغانستان على الرغم من التلويح بقطع المعونات الأميركية. وحتى عندما أرسل حزب الله فريق تخريب قبض عليه في مصر، ودعا نصر الله إلى الانقضاض على نظام مبارك، لم يرد بأكثر من تصريحات هازئة. وعرف بأنه في كثير من خصوماته السياسية يعتمد أسلوب المقاطعة الشخصية كنوع من إعلان الغضب.
مشكلة الرئيس مبارك جلية للعيان، داخلية، في إدارته لبلد ضخم كمصر يواجه تحديات صعبة. فقد ورث الحكم لبلد في حالة انفجار سكاني بلا موارد كافية تصاحبه، وهذا حديث مهم سأتطرق إليه لاحقا، لأنه التحدي الحقيقي لمن يخلف مبارك، ومن دون حسمه ستبقى انتفاضات ميدان التحرير تحت مسميات مختلفة.
alrashed@asharqalawsat.com



http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
الشعب المصري من نابليون إلى مبارك
عبد الرحمن الراشد
الثلاثـاء 05 ربيـع الاول 1432 هـ 8 فبراير 2011 العدد 11760
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
بعد هذه الأزمة سيخرج حسني مبارك من حكم مصر وعدد سكان بلده أكثر من ثمانين مليون نسمة، نفس البلاد التي دخلها نابليون وكان عدد سكانها ثلاثة ملايين شخص فقط. وهي عندما تقلد حكمها جمال عبد الناصر كان عددهم نحو عشرين مليونا فقط، وقفز عددهم إلى 38 مليون نسمة عندما حكمها أنور السادات، ثم صاروا خمسين مليون نسمة تقريبا عندما صار مبارك رئيسا.
ما علاقة السكان بالانتفاضة؟ الرابط في أنها حركة شبابية، هم الأغلبية الساحقة فيها، 68% دون الثلاثين عاما. أما الذين أعمارهم فوق 65 عاما فلا تتجاوز نسبتهم 3%. وبالتالي، فنحن أمام مواجهة بين فريقين مختلفين تماما، عددا وعمرا، ولا عجب أن القيادة السياسية فشلت في التنبؤ بالمشكلة وفشلت في مواجهتها.
فقد اعتادت السلطات على التعامل مع المعارضة التقليدية، تعرفهم وتعرف مساكنهم، وتعرف عن أتباعهم وترصد منشوراتهم. تدير العلاقة معهم سلبا وإيجابا، تمنع من تشاء وتسمح لمن تشاء، تدخل بعضهم السجن، وتسمح للبعض منهم بالترشح، وأحيانا تتركهم يكسبون مقاعد في البرلمان، وتغض النظر عن صحفهم وندواتهم وهكذا. تعرف حجم مظاهراتهم، وتعرف كيف توقفها أو تقلصها، وهكذا. لكن الانفجار الأخير حدث في الشوارع الخلفية، ومن فئة لم تكن تبالي بها السلطات، ولم تضعها من قبل تحت رقابة راداراتها، لأنهم صغار السن ولا ارتباطات سياسية لهم، ومظاهرهم لا تخيف أحدا.
إنما هؤلاء، عدا كونهم الأغلبية السكانية، هم أيضا المتضررون من الوضع القائم، فتسعة من كل عشرة عاطلين عن العمل شباب دون سن الثلاثين. ولأن صغار الشباب ليسوا مسيسين بطبعهم، غفلت عنهم السلطات السياسية الأمنية مع أنهم شاركوا في مناسبات أثبتوا قدرتهم على التجمع والتغيير. ففي ربيع عام 2008 التحق الشباب الذين نراهم اليوم في ميدان التحرير بعمال تظاهروا في مدينة المحلة الكبرى الصناعية، لبسوا قمصانا موحدة، وسموا أنفسهم بـ«حركة شباب 6 أبريل». كان عددهم على شبكة الـ«فيسبوك» أكثر من مائة ألف آنذاك، ومع هذا لم تفهم السلطات التغيرات الجديدة في المجتمع، واستمرت تراقب المعارضة التقليدية والإعلام التقليدي.
الفراغ بين الفريقين، الشباب والحكومة، سبب فشلا ذريعا في التواصل. فالكبار يقرأون الصحف ويشاهدون التلفزيون ويسمعون مباشرة أو من خلال وكلائهم على الأرض. في حين أن الشباب يتواصلون من خلال شبكات تحت الأرض مختلفة تماما عن ما فوق الأرض، ولهم توقعات مختلفة، ولغة مختلفة. سياسيا يتناقشون حول قضايا بلدهم ويقارنون بين ظروفهم ويطالبون بحقوق مماثلة للشباب الآخرين في دول بعيدة. هؤلاء ليسوا أعضاء في حزب الوفد أو الوطني أو الإخوان، هم مخلوقات مختلفة بالفعل. وهذا ما صدم الحكومة يوم 25 يناير (كانون الثاني) عندما انفجرت القاهرة. المألوف أن أعمار المتظاهرين ثلاثون فأكبر، يحتجون لبضع ساعات ثم يتفرقون، ويهربون عند ظهور البوليس. أما هؤلاء فإن معظمهم في العشرينات، خرجوا في ساعة واحدة بعشرات الآلاف بعد حملة نظموها عبر «التويتر» و«الفيسبوك». استمروا يتظاهرون لأيام ووقفوا بصدورهم العارية في وجه البنادق. الحقيقة الجديدة أن الشعب المصري تغير، وتغيرت الشعوب العربية في نسبة الشباب السكانية، وتطور وعيهم السياسي ولن يكون ممكنا إسكاتهم. وبدون إدراك هذه الحقائق الجديدة، وفهم دوافع المتظاهرين المتعددة، واعتماد الإصلاح، لن تنتهي الأزمة.
alrashed@asharqalawsat.com



http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
احتمالات النهاية في القاهرة
عبد الرحمن الراشد
الخميـس 07 ربيـع الاول 1432 هـ 10 فبراير 2011 العدد 11762
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
في أعقاب موجات المظاهرات، وانهيار الأمن المصري، ودخول الجيش العاصمة، غلب الاعتقاد بأن الرئيس حسني مبارك في طريقه إلى الرحيل برغبته أو بانقلاب. لكن بقي مبارك يمارس حياته الوظيفية بشكل ما، رغم أن ملامح الأزمة تبدو على وجهه بشكل جلي. ولا شك أنه رجل صاحب بأس شديد، فالمعلومات القديمة تحدثت عن إصابته بسرطان البروستات، وهو ما أكده المستشفى الألماني عندما قال إنه مستعد لاستقباله لاستكمال علاجه دون أن يسمي مرضه.
أثبت أنه رجل صعب لا ينحني بسهولة، وهو ما راهن عليه عارفوه منذ ساعة الصدام الأولى، قائلين: لن يتنحى الرجل هكذا، مبارك ليس بن علي، متمسك بإكمال مدته. المتظاهرون مصرون أيضا بعناد مماثل على رحيله. الآخرون منقسمون، فالجيش ظل طيعا وصامتا، والمؤسسة الرسمية استمرت تدافع عن الرئيس وتفاوض قيادات المعارضة، وصعّد الأميركيون لهجتهم مستعجلين إسقاط مبارك، مرددين عليه أن يرحل فورا، وأن يوقف نظام الطوارئ حالا. ربما هم في قلق أن تتعقد الأمور أكثر وتخرج عن السيطرة وتصبح البلاد في فوضى أو تحت قيادة معادية. لكن مصر دولة تميزت على الدوام بالاستقرار، على مدى مائتي عام ومنذ محمد علي إلى اليوم لم تمر بفراغ سياسي ولا انهيار للنظام، حتى مع خروج الأتراك، ثم خروج الإنجليز، وحتى بعد سقوط الملكية وقيام ثورة الجمهورية، مرت جميعها بتواصل عجيب بلا انقطاع، بخلاف دول دمرت وانهارت في التغييرات مثل العراق والصومال وأفغانستان وغيرها.
هناك الكثير يمكن ملاحظته في الحدث المصري المهم، فنحن أمام تظاهرة مختلفة، الوحيدة التي لم نر فيها - بعدُ - حرق أعلام أميركية أو إسرائيلية أو صيحات تكبير دينية. قصة داخلية موضوعها الوحيد الحكم في مصر الذي يعني الكثير للمصريين أولا، ودول المنطقة ثانيا، والقوى الدولية بالتأكيد.
في الداخل معركة ذات زوايا متعددة؛ الرئاسة والمتظاهرون والجيش. الرئاسة معروفة مواقفها، أما المتظاهرون فهم قوى يجمعهم ميدان التحرير وهدف إسقاط مبارك ويختلفون على ما بعد ذلك.
المقلق جدا أن دراما الأزمة طالت فعمقت الخلاف ربما لأنها انتفاضة شعبية، ففي حالات الانقلاب العسكري الدستور والدولة هو القائد الانقلابي، وفي الثورات عادة يوجد زعيم أو قيادة أيضا يقرر كما فعل آية الله الخميني في ثورة إيران، وهكذا. أما في الحالة التونسية والمصرية فإننا أمام فرقاء اندفعوا نحو قلب العاصمة وقرروا إسقاط النظام أو إقصاء الرئيس.
الوقت يمضي ولعبة الوقت هنا ليست في صالح أي من الجانبين، رغم أن كثيرين يعتقدون أنها جزء من التكتيك الحكومي لإرهاق المعارضة وتقليص مكاسبهم. فقد تخرج الأمور عن السيطرة وتقع مواجهات دامية بين المتظاهرين والعسكر ويقتل فيها الكثيرون، هنا سيزداد الوضع تعقيدا، وتخسر الحكومة كل آمالها في مخرج كريم، كما كاد يحدث في موقعة الجمل الشهيرة في ميدان التحرير. ومن الاحتمالات الواردة أيضا أن التعطيل والتطويل سيلحق خسائر هائلة في قطاعات مرتبطة بمعيشة المواطنين مثل السياحة والصناعة والخدمات مما يوسع دائرة المواجهات المتضادة، قد تدفع الجيش لإعلان الأحكام العسكرية وقيادة البلاد باسم حمايتها من الانهيار. وأسوأ من ذلك أن يبقى الجيش متفرجا على الاضطرابات، رافضا أن يكون طرفا، فتتسع دائرة الصدامات وتدخل البلاد في دوامة فوضى خطيرة. إذن الوقت ليس في صالح أحد، والأفضل أن يقبل الجانبان الحلول المعقولة التي تؤدي إلى التغيير بأقل قدر من الضرر.
alrashed@asharqalawsat.com



http://www.aawsat.com/01common/pix/Asharq-alawsat-logo.jpg
أي مصر.. مانديلا أم خميني؟
عبد الرحمن الراشد
الاحـد 10 ربيـع الاول 1432 هـ 13 فبراير 2011 العدد 11765
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
مصر بالفعل مختلفة عن بقية دول المنطقة؛ ها هو وسط العاصمة حيث يحتفل الناس، يلتقطون الصور ويأكلون الحلويات وليس المظهر المألوف بعد البيانات العسكرية وتغييرات الحكم. مظهر يدعو للتفاؤل والتأمل في المستقبل القريب. وهنا في رأسي طن من الأسئلة حول أكبر الدول العربية.
نتجادل مثلا: هل تنحى الرئيس حسني مبارك متأخرا أسبوعين؟ أم مبكرا سبعة أشهر؟ خروجه، على أية حال، كان محتوما منذ خطابه الأول. الأهم من مبارك الماضي، هو مصر المستقبل، من سيحكمها وكيف؟ ولأننا لا ندري الإجابة، سنفتش عن الأسئلة، وهناك الكثير أكثر مما تسمح به مساحة هذه الزاوية.
هل سيكون حكما عسكريا شاملا ولعدة أشهر حتى موعد الانتخابات الرئاسية، والأرجح أن ترافقها الانتخابات البرلمانية؟ وهذا يعني تغييرا شاملا على كل مستويات الحكم.
أم سنرى حكما عسكريا لبضعة أسابيع يتم خلالها نقل الصلاحيات إلى مجلس حكم مدني مؤقت؟
هل سيكون للعسكر دور الرعاية، على اعتبار أن المؤسسة العسكرية كانت الفاعل منذ نصف قرن وحتى ليلة خروج مبارك؟ أم إننا سنرى نهاية حقبة العسكر لا مبارك وحده؟
هل سيستمر ميدان التحرير طرفا في إملاء صيغة المرحلة الانتقالية المقبلة؟ وهل سيصمد؟ أم يمل الشباب؟ وكيف سيواجهون حلفاء الثورة، القوى الحزبية ذات الخبرة والمشروع الأوضح؟
هل سيتفق المنتصرون ويستمرون صفا؟ أم انتهى هدفهم المشترك بإسقاط مبارك وسيتنازعون على إدارة ما بعد مبارك؟
هل سنرى زعيما بين الشباب يصبح لاعبا أساسيا؟ فالحركة الشبابية هي التي أنجزت ثورة مصر الجديدة والمعضلة في الحركة أنها جيش من النمل لم يتبين لنا قائده.
وعلى مستوى الإدارة، لا ننسى أن الدولة المصرية منظومة ضخمة من البيروقراطية تسير عادة بشكل شبه ذاتي، فهل ستستطيع الاستمرار من دون قيادة واضحة؟ وإلى متى؟
هل ستواجه القيادة الفورية إشكالات أمنية في ظل سقوط معظم قيادات النظام، وكيف ستتعامل مع الفلتان الأمني لو حدث، خاصة في المدن البعيدة؟
هل ستكون هناك حملة انتقامات؟ وهل سيستطيع الجيش تحديها؟ أم سيختار الجلوس في الدبابات حتى تحسم على الأرض؟
تونس إلى حد ما خرجت من عنق الزجاجة بنقل السلطة مع الاحتفاظ بهيكل النظام، فهل ستختار القيادة المصرية العسكرية أو المدنية أو المختلطة المحافظة على النظام؟ أم ستتركه يتهاوى؟
أخيرا، وهو الأمر الأهم، ما طبيعة الشخصية القيادية التي ستحكم؛ عسكريا كان أم مدنيا؟ هل سنرى في القاهرة زعيما يضمد الجراح مثل نيلسون مانديلا زعيم التحرر في جنوب أفريقيا؟ أم شخصية حاسمة مثل آية الله الخميني زعيم الثورة الإيرانية؟
بمجرد أن نتعرف على الزعيم أو القيادة المقبلة ستتبين لنا ملامح المرحلة المصيرية لمصر. أعرف أن مصر ليست إيران، ونظام مبارك ليس أبارتايد البيض الأفارقة، لكن لا أحد يستطيع أن يتجاهل حرارة الشارع الثائر ومدى تأثير القيادات الفردية والجماعية في مثل هذه الظروف. كل ذلك مرهون بشخصية القائد وإلى أي مدى يريد التخلص من تركة السنين الثلاثين الماضية.
خارجيا، هل ستتغير بوصلة مصر فتنتقل إلى المعسكر الآخر، معسكر الثوار؟ أم ستلتزم بمعسكر الاعتدال؟ يجب أن لا ننسى أن السادات غادر الحلف السوفياتي إلى الغربي بقراره الشخصي، وهكذا تغير التاريخ.
alrashed@asharqalawsat.com






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق