2011-11-30

مقال عبدالله كمال: اخطر رجل ضد مصر - ياسر برهامي و سلفية الاسكندريه









اختار (ياسر برهامي) زوجته بطريقة غريبة. طلب من عائلها، واسمه الشيخ كمال، أن تقرأ كتاب (منة الرحمن).. وهو من تأليفه شخصيا (برهامي).. علي أن تكتب له من الذاكرة تلخيصا وافيا. فلما جاءه التلخيص أدهشته قدرتها.. لكنه أخضعها لنقاش شفوي تال.. انتهي بأن قرر الزواج منها.. رغم أنه طبيب أطفال وهي لم تكن قد حصلت سوي علي الشهادة الإعدادية. في هذه اللحظة كان عمر الفتاة لايزيد علي 17 عاما، بينما كان ياسر في الـ31 من عمره. 
لقد توقفت أم أولاده عن استكمال التعليم بناء علي نصيحة منه (برهامي) لعائلها (كمال). فقد سأله قبل الزواج منها بعامين.. حول رأيه فيما إذا كان علي ابنة زوجته أن تكمل التعليم.. فقال ياسر، الذي أصبح فيما بعد سلفيا مرموقا في الإسكندرية تتبعه جموع هائلة من السلفيين، إنه لايري ضرورة لذلك.. وأن تعليم البنات قد يؤدي إلي الاختلاط وخدش حياء البنات.. ويمكنها أن تكمل ما تريد في البيت.. وإنه لاحاجة إلي تعليم كل هذه الأعداد من البنات.. وإنهن يتعلمن لكي يحصلن علي شهادة يتزوجن بها.. وأنه لاتعليم للبنات إلا لضرورة أن تكون هناك طبيبة مسلمة ومدرسة مسلمة: (والعدد من هؤلاء متوافر والحمد لله).. هكذا قال هو حرفيا في حوار مطول موجود علي عشرات من مواقع الإنترنت.

أنجب (ياسر برهامي) من زوجته ثلاثه أبناء، يمنعهم من ارتياد الشواطئ في زحام الصيف، (تجنبا للاختلاط الحرام)، لكنه يرتب لهم عوضا عن ذلك رحلة سنوية.. وهم محرومون مثل كل تابعيه والمقتنعين بأفكاره من مشاهدة التليفزيون.. وعلي الرغم من ذلك فإن (برهامي) قد طور من مواقفه في الفترة الأخيرة.. وصار يساند فضائيات السلفية.. مساندة لاتنفي التحفظ.. وهو يعتبرها من الأدوات المكملة للدعوة.. وإن كان يؤكد أنها ليست بديلا للمسجد.. أما المسجد الذي يدير منه أموره فاسمه (الفتح) في منطقة مصطفي كامل بالإسكندرية.

لايشاهد التليفزيون.. ولايظهر في الفضائيات، لكن مئات من مقاطعه المصورة موجود بكثافة شديدة علي موقع (يوتيوب)، مشاهد تثبت أنه يعرف أن هناك من يصورونه، حيث يري وقد أمسك بخمس (لواقط صوت) علي الأقل تسجل كل ما يقول.. إذ إلي جانب (اليوتيوب) هناك عشرات من المواقع الإلكترونية السلفية تبث وتذيع خطبه.. وتسجيلات مجموعة هائلة من الموصوفين بأنهم (مشايخ) السلفية.. الذين صار يطلق عليهم في أوساط الجماعات الدينية اسم (مدرسة الإسكندرية السلفية).

ابن الكاسيت 

التطور مع عصر (اليوتيوب) لاينفي حقيقة أن (برهامي) هو ابن ثورة شرائط الكاسيت في الثمانينيات، التي لم تزل تطبع وتوزع له حتي اليوم، وهي نفس الوسيلة التي قادت فريق تلك (المدرسة) إلي الذيوع والانتشار من قلب جامعة الإسكندرية في السبعينيات إلي كل أنحاء الإسكندرية الآن.. وفي الصدارة من هؤلاء مع ياسر وحوله كل من: محمد إسماعيل المقدم، عبدالمنعم الشحات، أحمد حطيبة، سعيد عبدالعظيم، أحمد فريد.

علي أحد مواقع الإنترنت السلفية قال معلق أنه «لو أتيح لهذه (المدرسة) أن تدعو خارج الإسكندرية فإن صورة مصر كلها سوف تتغير بالكامل». عمليا.. وبعد عدة ضربات أمنية كان آخرها في عام 2002 أتيح لهذه المجموعة أن تتحرك علي الأرض وأن تمتد إلي خارج المدينة وأن تنتشر في مزارع بالطريق الصحراوي من القاهرة إلي الإسكندرية وصولا إلي مطروح.. بل يصل تأثيرها إلي بعض السلفيين في سيناء.

الكذب الشرعي

في الأيام الأخيرة أفتي ياسر برهامي ببعض الأمور التي تعبر عن طبيعة الأفكار التي يروجها، هو ومن معه.. أفتي - وفق ما جاء علي موقع (صوت السلف) المنسق والمنمق المعبر عنه وعن (مدرسة الإسكندرية) وهو لا يختلف كثيرا عن موقع (أنا السلفي) - أفتي بأنه لا يجوز العمل في (هيئة البريد المصرية) إذا كان الموظف سيكون في إدارة دفتر التوفير، وأفتي بحرمانية التأمين، وأفتي بأنه لايجوز أن تقبض موظفة مكافأة نهاية الخدمة من عملها في بنك إلا بقدر يكفيها إذا كانت تعمل في عمليات الإقراض، وأفتي بأنه لا يجوز رفع شعار (الهلال مع الصليب).

في الفتوي الأخيرة (الهلال والصليب) بني (ياسر برهامي) رأيه علي أساس الآية القائلة: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) واستند إلي أن الرسول (ص) لم يكن يحتفظ في بيته بأي شيء فيه (تصاليب)، وقال: (كيف للمسلم أن يرفع شعارا يناقض القرآن وثبت في الحديث أنه وثن).. وأردف: (اعتقاد مساواة الملل تكذيب للقرآن، كما أنه لا يوجد شئ اسمه (صلاة مشتركة) أو (لنصلي معا).
لقد أصدر (برهامي) هذه الفتوي علي الرغم من أنه كان قد أصدر قبل ذلك بأيام بياناً وقعته ما أسمت نفسها (الدعوة السلفية) أدان فيه جريمة الإرهاب في الإسكندرية تلك التي طالت كنيسة القديسين في حي سيدي بشر ليلة رأس السنة، واعتبرها (مفتاح شر بمصر)، و(سفكا للدماء بدون وجه حق)، واعتبر أن (المصريين مسلمين وأقباطاً قد تعايشوا قرونا في تسامح وسلام رغم اختلاف عقائدهم). غير أنه عاد في فتوي تحريم رفع الهلال مع الصليب ليقول: (نحن رغم إدانتنا للحادث إلا أنه لا يمكن قبول ما يخالف نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة).

تعمد (برهامي) ألا يصف ما وقع في الإسكندرية بأنه (إرهاب)، وفيما يبدو فإن البيان كان (مطلوبا) أو (متطلبا) لكي يبعد الشبهات عن المجموعات السلفية التي كانت قد شنت موجة من المظاهرات المتوالية علي مدي ثلاثة أشهر ضد الكنيسة تطالب باستعادة (الأختين وفاء وكاميليا) فهما في عرف السلفية (مسلمتان محتجزتان في الكنيسة).. وقد استمرت هذه المظاهرات حتي بعد أن ظهرت علي موقع اليوتيوب تسجيلات لكاميليا شحاتة تؤكد فيها مسيحيتها.

يقوم منهج (السلفية) علي مبدأ (درء المفاسد)، وهو (تكئة) يتم الاستناد إليها في تبرير تصرفات مختلفة تقوم بها، ومن بين عناصر (التكئة) استخدام تكتيك (الكذب من أجل تحقيق مصلحة الدعوة).. في هذه الحالة التي يري فيها السلفي أن مصلحة الدعوة سوف تتحقق فإنه يمكن له أن يكذب ويناور.. وهو ما يعرف فقهيا بمبدأ (التقية).. أي إظهار ما لا تبطن.. (التقية) نفسها هي التي تجعل الوثوق في أي تصريح أو كلام معلن من قبل تلك التيارات نوعا من الهذر.. لأن لديهم دائما وجهين لكل شيء حين تقتضي الضرورة التي يرونها ذلك. ذات مرة قال (ياسر برهامي) في تقدمة أحد أجوبته لكي يقنع الآخرين بما يقول ومصداقيته: «لاأداري ولاأهادن ولاأكذب لمصلحة الدعوة».. أي أنه يعرف أنه يمكن توقع أن يكون الرأي المعلن لا يعبر عن موقفه الحقيقي.. ما يمكن أن نسميه وفقا لمقاييس السلفية (كذبا شرعيا).

فتاوي ضد المسيحيين 
بيان إدانة جريمة الإسكندرية يمكن أن يندرج تحت هذا البند (الكذب لمصلحة الدعوة).. فقد وصف (برهامي) من قبل، تحديدا في منتصف أكتوبر الماضي بياناً لما يعرف بجبهة علماء الأزهر يطالب بمقاطعة المسيحيين بأنه (بيان ممتاز وقوي)، وإن تحفظ علي ما أسماه البيان (المقاطعة الاجتماعية)، ليس لأنه يختلف معها ويرفضها ولكن لأن البيان اعتبرها واجبة مع (النصاري) ولا تجوز إلا مع المحاربين.. وقال برهامي: (الصحيح إنها لاتجوز إلا مع كل كافر).

البيان الصادر عن جبهة علماء الأزهر أعلن في 12 سبتمبر الماضي، والموصوف من برهامي بأنه (ممتاز وقوي)، طلب من جميع المسلمين مقاطعة جميع المصالح المسيحية التي - علي حد قول البيان - تستقوي بها الكنيسة، ووصف الكنيسة بالغطرسة وتحدي الدولة، وتطرق في مطولة كبيرة إلي مجموعة هائلة من الاتهامات والأوصاف ضد المسيحيين والمسيحية والكنيسة، منطلقا من رأي الجبهة في أمور مختلفة، لاسيما حالتي كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين.

(المقاطعة) في حد ذاتها تعبير لم يستخدم من قبل إلا تجاه البضائع الإسرائيلية والمنتجات اليهودية، وقد سبق البيان الصادر عن الجبهة التهديد الخطير الذي توعد به تنظيم القاعدة في العراق، وسبق تأييد (برهامي) له التهديد نفسه، وهو موقف معلن ومدون يعني ببساطة أن البيان الذي أصدره (برهامي) لإدانة ما وقع في جريمة الإسكندرية يندرج تحت ما يسمي بالكذب من أجل مصلحة الدعوة.

في باب (فتاوي حول النصاري)، في موقع (صوت السلف) الذي يحرره ياسر برهامي، يمكن العثور ببساطة علي مجموعات من الفتاوي التي تحض علي الكراهية، وتعبر عن قناعات شديدة التطرف تناقض أبسط مبادئ الوحدة الوطنية وأسس التراص المجتمعي.. إذ قال بوجوب عدم حضور حفلات عقد قران الأقباط لأنها تذكر فيها عبارات تخالف العقيدة، لكنه أباح الذهاب للتهنئة بالقران في البيت بشرط (إن كانوا من غير المحاربين لنا في الدين).. وقد وافق علي أن النصاري الموجودين اليوم هم أهل كتاب، ولكنه أضاف: (هم أهل كتاب ممن قال فيهم الله: «إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية).. متجاوزا عن الاستثناء الواضح في الآية التي تقول: (إن الذين كفروا من....) ولم تقل كل أهل الكتاب.. وللكفر أحكام واضحة في القرآن تنطبق أيضا علي المسلمين الذين قد يكفرون. وأفتي (برهامي) بأنه يجوز تعزية الأقباط، لكن لا يجوز السير في جنائزهم، إذ يرفع فيها الصليب، وأجاز للطبيب المسلم أن يعالج (نصرانيا) مستندا إلي أن صحابيا رقي (مشركا) بالفاتحة، وأضاف: (فإذا كان الطبيب يعمل في مستشفي حكومي فإن هذا نوع من الإحسان)، وأجاز أن يدعو المسلم للنصراني بشرط أن يكون دعوة بالهداية.. وأن يكون ذلك سرا لا جهرا.. إلا إذا كان المسلم يمارس الدعوة من أجل الإسلام.

وأفتي (برهامي) بأن محاربة التنصير أولي من بناء مسجد، وأن من يقول لمسيحي سيادتك وحضرتك إنما يرتكب إثما لأنه يقول ذلك لمنافق، ونهي عن تهنئة المسيحيين بالأعياد، لأن فيها تعظيم شرك بالله، ما يعني أن كل من يحضرون عيد القيامة في البطريركية يرتكبون إثما، وقد اعتبر أيضا أن من يقول أن المسيحيين أفضل من المسلمين في المعاملة يجب إقامة الحجية عليه قبل تكفيره.

إن الموقف من المسيحيين، باعتبارهم مخالفين في العقيدة، موصوفين بالكفر في رأي السلفية، قضية محورية في أفكار تلك الدعوة، وقد وصل الأمر حد أن سئل (ياسر برهامي) عن فيلم كارتون تذيعه إحدي المحطات السلفية الفضائية، يقوم فيه مسلم بتقديم عون مادي لمسيحي قدره عشرة آلاف جنيه، فقال (ياسر) معلقا: (الإحسان إلي الكفار الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يظاهروا علينا أمر مشروع، علي ألا يكون هذا علي حساب حق مسلم آخر، أما الإيحاءات التي تضمنها المسلسل فهي مفهومة ومعلومة لكل عاقل في هذا التوقيت الذي يحاول فيه أعداء الإسلام هدم قضية الولاء والبراء في حس المجتمع المسلم خصوصا أن الذي يعرض عليهم جواز الإحسان والبر لا يعرض عليهم شيئا من معاني البراء الواجب كالبغض والعداوة، بل ويعرض عليهم نقيض ذلك من ادعاء عدم الفرق بين المسلم والنصراني وتسمية قتلة النصاري في الحروب القومية بالشهداء!).. وعلامة التعجب الأخيرة وضعها (ياسر) من عنده اعتراضا. وقد أضاف: (الانطباع الذي يخرج به المشاهد من هذا المجموع هو في حقيقته يصب في تمييع قضية الولاء والبراء كما يريد المنافقون).

مقال برهامي 
سيل منهمر من هذا النوع من الفتاوي، التي لاشك أنها أججت مناخ الإسكندرية، ولابد أنها قد أدت، بالتزامن مع المظاهرات، وعمليات التحفيز المختلفة الأنواع علي مواقع الإنترنت، وفي المساجد التي يسيطر عليها السلفيون، إلي سقوط شخص أو أكثر في غي الاندفاع نحو ارتكاب جريمة الإسكندرية البشعة.. أو وفرت له الشحن المعنوي والفكري الذي يدفع به إلي الانتحار علي أبواب كنيسة القديسين.. سواء كان ذلك ناتجاً عن توجيه محدد صدر من أحد مشايخ (مدرسة الإسكندرية السلفية).. أو كان المنتحر سلفيا تم التقاطه من قبل تنظيم آخر.. أو تأثر بمزيج من تفكير السلفية ومنهجها.. وفكر القاعدة.. عبر وسائل متعددة.

قبل أربعة أشهر، وبعد أيام من صدور بيان جبهة علماء الأزهر بالمقاطعة للمسيحيين، وقبل أن يصف (برهامي) نفسه البيان بأنه (ممتاز وقوي).. كتب هو ذاته مقالا نشر يوم 22 سبتمبر عنوانه: (الكنيسة.. استفزاز بلا حدود.. وفوق الاحتمال).. مهاجما فيه ما قاله الأنبا بيشوي.. وقد مضي بعيدا حتي قال: (والله ما استعلي هؤلاء المجرمون وتفوهوا بهذه الأقوال إلا بسبب ترك ما أمر به الله حتي وصلت بهم الجرأة علي سلطة الدولة التي أعطتهم المساواة بينهم وبين المسلمين في كل شيء بل في الحقيقة قدمتهم علي المسلمين).

وأضاف: (لو قارنا عدد من اعتقلوا ممن يسمون بالمتطرفين والإرهابيين من المسلمين بمن هم في الحقيقة المجرمون والإرهابيون ويستعدون بالسلاح والتدريب خلف أسوار الأديرة المحاطة بالأسوار الخرسانية المسلحة وذات الاكتفاء الذاتي لعلمنا يقينا عدم المساواة).

وفق هذا المعني، الذي تضمن تحريضا سافرا علي الأقباط، وعلي الدولة، فإن (برهامي) قد ردد ما قال به الدكتور محمد سليم العوا المعروف بانتمائه للإخوان المسلمين.. فقد سبقت تصريحات العوا مقال (برهامي).. وليس هدف هذا الربط هو أن نشير إلي من قد أخذ من الآخر.. وإنما أن نوضح الترابط الوثيق بين الخطابين السلفي والإخواني.. والعلاقة الممتدة بين الجماعتين.. حتي لو بدا أن هناك اختلافا بين هذه وتلك.. وحتي لو سمعنا عن أن هناك معارك فكرية بين الجانبين.. وحتي لو قرأنا مقالات عن (تسلف الإخوان) والعكس.

قبل فترة وجيزة، في نوفمبر الماضي، نشر الباحث المعروف في حركات الإسلام السياسي حسام تمام، في سلسلة (مراصد) عن مكتبة الإسكندرية، دراسة عنوانها: (تسلف الإخوان- تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين).. وقد قال فيها إن حالة الارتباك التي تشهدها جماعة الإخوان حاليا ناتجة عن نمو تيار سلفي كامن داخل الجماعة يخرج بها عن كونها- حسب وصفه- حركة جامعة ذات رؤية توافقية.

ابن الإخوان 
ظاهريا، يهاجم (برهامي) جماعة الإخوان ببعض الرفق، ويختلف معها في أمور كثيرة، ولكنه يحتد للغاية حين يكون الأمر متعلقا بالفريق الموصوف بأنه إصلاحي في الجماعة.. ونزولا من عند أبوالعلا ماضي ثم عبدالمنعم أبوالفتوح وإبراهيم الزعفراني ومن بعده عصام العريان.. فإن هجوم (برهامي) يتدرج هبوطا.. ولكن انتقاداته العنيفة توجه إلي هؤلاء.. كل حسب مستوي تصريحاته التي يؤيد فيها الديموقراطية والدولة المدنية ويعلن فيها موقفه من الأقباط.. وفي الأشهر الأخيرة وبعد الخلافات العنيفة التي ألمت بجماعة الإخوان وانتهت بانتصار القطبيين علي من وصفوا بأنهم الإصلاحيون- أو للدقة جيل السبعينيات- فإن (برهامي) انحاز علنا إلي فريق محمد بديع.. وهاجم من طرف خفي مرشد الإخوان السابق محمد مهدي عاكف.

يعطي هذا الموقف الأخير ترجيحا للرأي القائل بأن السلفيين، خصوصا في الإسكندرية، هم (قطبيون) بشكل مختلف.. حتي لو كانوا يتعمدون ألا يعلنوا تكفيرا صريحا للمجتمع.. وبغض النظر عن أن الخلافات مع جيل السبعينيات في جماعة الإخوان المحظورة قد تعود لأسباب فيها ماله علاقة بالمنافسات والعلاقات الممتدة شخصيا بين أبناء الجيل الواحد.. علي أساس أن كل هذه الأسماء في الإسكندرية ناظرت زمنيا جيل السبعينيات في الجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة الذين أصبحوا إخوانا.. وغالبيتهم من الأطباء.. هنا وهناك.. فإن الواقع التاريخي يقول أن المجموعات السلفية كافة تعود في نشأتها إلي بيئة إخوانية.. عائليا أو من خلال الممارسة.

(ياسر برهامي) نفسه، وفقا لما قال هو، أبوه كان إخوانيا وألقي القبض عليه في قضية 1965، كما أن عمه إخواني كذلك، ولكنه يفسر اتجاهه الشخصي إلي ماعرف فيما بعد بـ(الدعوة السلفية) بأنه لم تكن هناك جماعة إسلامية موجودة في ذلك العصر أمام أسرته إلا جماعة الإخوان فمضوا إليها.. ومن ثم فإن بعضا من أسباب انتحاء هذا التوجه لبرهامي يعود إلي رحلات عمرة وحج مطولة قام بها في السبعينيات.. حيث تقرب من الشيخ ابن باز والشيخ العثيمين.. وكان هذا التقرب سببا لنجاته من أن يتهم في قضية جهيمان العتيبي مقتحم الحرم الشهيرة.

ويدلف السلفيون عادة إلي الساحة من باب أنهم أقل شراسة من الإخوان.. ويمضون إلي المساجد في ظل تجاهل من الجهات المعنية علي أساس أنهم لايمارسون العنف ولايفعلون شيئا سوي الدعوة إلي الله، وتحت هذه الأستار فإنهم تمكنوا خلال سنوات ممتدة من أن ينتشروا بصورة رهيبة.. حيث تعود إليهم صناعة حالة ثقافية مضادة لأوضاع التسامح في البلد.. ولمواصفاته العصرية.. حتي لو كانوا يقولون أنهم لايرفعون سلاحا ضد أحد أو ضد الدولة.

أبو الخطر 
الخطورة ليست في حاجة إلي أدلة توثيقية.. والظواهر أوضح كثيرا من البواطن.. ويمكن القول أن هذه الفئة هي التي دفعت قطاعات من المجتمع، في ظل تراخ دعوي من الجهات الدينية المختصة، دفعتها إلي ارتداء النقاب.. حتي أصبح هذا النقاب أمرا لانقاش فيه بينهم علي الإطلاق.. ودليل تدين.. وجواز المرور إلي الحصول علي صفة (ملتزم) تلك التي يطلقها السلفيون علي كل تابع لهم.

علي الهامش هنا أشير إلي أن أحد أبرز انتقادات (برهامي) لإبراهيم الزعفراني هو أنه سمح لزوجته جيهان الحلفاوي بأن تخلع النقاب لكي تخوض انتخابات مجلس الشعب عن الإخوان في عام 2005.

ينتقد السلفيون ماعرف إعلاميا باسم (جماعة التكفير والهجرة).. أي أنهم يرفضون ظاهرا فكرة تكفير المجتمع علي عمومه.. والهجرة منه.. إلا أنهم واقعيا يكفرون المجتمع بالتقسيط.. كل علي حدة.. وفقا لقياسات معينة.. وعلي الرغم من أنهم لم يغادروا المجتمع إلي خارجه إلا أنهم غادروه إلي داخله.. وأصبح كل منهم مع ذويه عالماً خاصاً.. يتفاعل فيما بينه وبينهم.. وتكون الفتوي التي يقدمها ياسر برهامي أو غيره هي جواز المرور المطلوب مسبقا للتعامل مع المجتمع المحيط.. فيدخل السلفي إلي المجتمع لقضاء أمر ثم يعود.. وهو داخله.

في نقد السلفية يقول محمد سعيد البوطي في كتابه (السلفية مرحلة زمنية مباركة): (السلف لم يكن شيئا واحدا ولا طريقة واحدة.. بل عاش الإسلام في العصور الأولي.. تلك العصور التي يريد البعض اقتفاء أثرها ذراعا بذراع وشبرا بشبر.. عاش بين تشدد المتشددين وتيسير الميسرين.. عاشت تلك العصور بين أهل التقليد وأهل الرأي.. بين من يأخذ بالعزيمة ومن يأخذ بالرخصة.. دون أن ينكر هؤلاء علي أولئك ولا هذا علي ذاك).. «اقتباس من مقال لثروت الخرباوي عن دراسة حسام تمام».

كارثة ياسر وتابعيه 
وليس صحيحا أن هذه المجموعات، التي ترفع الآن علي موقعها عبارة (صبرا آل ياسر).. كنوع من التوجيه والشحذ بعد أحداث الإسكندرية وفي ضوء ملاحقة أجهزة الأمن لأعداد كبيرة منهم اشتبهت فيهم.. ليس صحيحا أنها مسالمة أو تباعد العنف.. حتي لو لم تكن قد حملت السلاح بعد، وفي ذلك أشير إلي الملاحظات التالية:

الخطورة لاتكمن في الفعل.. أو الجاني الأخير.. وإنما في الفكرة وفيمن رسخها.. وأجري غسيل المخ عبر مراحل متتالية علنية وسرية.. وفي هذا السياق أعود دائما إلي مثال معروف وهو أن الشيخ عمر عبدالرحمن لم يحمل سلاحا في حياته بل إنه ضرير.. ولكنه قاد تنظيما بالفكر إلي اغتيال رئيس الدولة.. كما أن الشيخين فوزي السعيد ونشأت إبراهيم المحكوم عليهما في قضية تنظيم الوعد لم يحملا سلاحا وإنما باعا فكرا.

وهذه الأسماء المتناثرة تحت عباءة (ياسر برهامي) فيما سمي بمدرسة الإسكندرية السلفية إنما تقوم بنفس الأدوار.. ومنتوجها الفكري موجود في كل موقع وعلي كل رصيف.. بل وفيهم من أصبح يمتلك قنوات فضائية.. وينتظر الثناء من برهامي ومن حوله لكي يحظي بمزيد من المصداقية بين عموم هذا التيار.

لاتكمن خطورة (ياسر برهامي) ومايسميه (مدرسة الإسكندرية) في مواقفه الحادة والمتطرفة والشاحنة ضد الأقباط، وإنما في مجمل الفكر الذي يمثل تناقضا حادا وسافرا مع الدولة العصرية، ودعوة مستمرة للتطرف، وفي أنه ومعه من معه إنما يقوم بتقليب رءوس الشباب في اتجاهات بعينها تصبح جاهزة علي الفور لأن تنتقل إلي مراحل أخري.. وتستقطب إلي تنظيمات أشد عنفا.. أو أن عنفها علني.

- المسافه مابين السلفية، والسلفية- الجهادية، هي تلك الشرطة (-).. أي أنه ببساطة يمكن للسلفي أن يصبح جهادياً في لحظة.. حين يكسر بإرادته أو بإرادة محرك آخر.. شخص قادر علي التجنيد أو مستقطب.. يكسر الحجج الواهية- بمقاييس التطرف الآخر- التي يقول بها السلفيون للامتناع عن تنفيذ العنف ضد المجتمع.. خصوصا إذا كان المبرر هو أنه لم يحن الوقت بعد.

في هذا السياق يقول (ياسر برهامي) عن فريضة الجهاد: إذا كانت هي ذروة السنام، فإن السنام لابد له من أربعة قوائم، وعلينا أن نبني القوائم في المجتمع.. مايعني أنه يؤجل الجهاد ولايلغيه.. هنا، الله أعلم بالتوقيت الذي سوف يري عنده أن القوائم قد تجهزت والتمكين قد حل.. أو أن علي شخص آخر من أتباعه أن يري ذلك.. من تلقاء نفسه بطريقة غير مباشرة.

لقد قال (ياسر برهامي) في مقاله المنشور يوم 22 سبتمبر الماضي مايلي: (الكنائس فعليا لاسلطان عليها ولاتستطيع الدولة تفتيشها لتأكيد خلوها من الأسلحة، والقساوسة والرهبان يعتبرون شعبهم ملكية خاصة لايجوز لأحد أن يتدخل في شأنهم ولاحتي أن يسأل عن مكانهم، استعبدوا الناس وفتنوهم عن دين الحق).. تري ماهي نتيجة مثل هذا الكلام علي شاب كان يتظاهر من أجل كاميليا ووفاء علي باب جامع القائد إبراهيم في الإسكندرية.. هل سيتعامل معه علي أنه مجرد (رطرطة).. أم أنه سوف يندفع انتحارا في اتجاه أي كنيسة من تلك التي لاسلطان لأحد عليها لكي يذكرها بأن هناك سلطاناً آخر.. بافتراض طبعا أن الكنيسة كما يصفها (ياسر برهامي).

- تواجه مجموعات السلفية منذ فترة ضغوطا مباشرة من جماعة الإخوان، تحديدا، عن طريق التحفيز ضدها ومحاصرتها بأسئلة حول أنها لاتمارس السياسة، متهمة بالإذعان للدولة، وهناك عشرات من المقالات التي تدور حول هذا.. في شكل تساؤلات.. تؤدي إلي نوع من الحرب المعنوية لدفع السلفيين إلي الانتقال من مرحلة تأجيل العنف إلي تفعيله.. وليس مقال (الكنيسة استفزاز بلاحدود ويفوق الاحتمال) سوي نوع من التعبير عن هذا التحول في المواقف علنا.

- لايوجد اختلاف حقيقي بين هذه الجماعات حتي لو كان ظاهرا، وحتي لو كان بينا وعميقا، وحتي لو أدي إلي اشتباكات طارئة كما حدث في السبعينيات بين السلفية والإخوان في الجامعة، وفي السنوات الأخيرة أصبح من المتعارف عليه أن هناك نوعاً من قبول التنسيق والتكامل بين التيارات المختلفة.. تحت قاعدة تعدد الأدوار.. وفي هذا النطاق فإن كل مجموعة تحدد ما الذي عليها أن تقوم به وماهي المرحلة التي تري أنها قد بلغتها.. وتستنبط لنفسها مايجب من أحكام تبرر لها ماتفعل.. ويلاحظ في مدرسة الإسكندرية التي تقول أنها (تنشغل بالسياسة ولاتشتغل بها) أنها من الآخذين بهذا الرأي التكاملي.. وأنها تنشر آراء ومواقف من تصرفات الجماعات الإسلامية الأخري.. سواء كانت قاعدة أو إخواناً أو غيرهما.. لاتذهب فيها إلي حد التناقض وإنما إعلان الاختلاف.

- تختلف تيارات السلفية في الإسكندرية عن بقية الجماعات في أمور منها قاعدة (شغور الزمان من الإمام) أي أنه لايوجد الآن إمام لمبايعته، وقاعدة وجوب العمل الجماعي، أي هل عليها أن تكون منظمة في جماعة أم لا، وقاعدة البيعة.. وفي هذا السياق فإنها تقول أنها ليست جماعة وإنما دعوة.. غير أنها عمليا وواقعيا جماعة منظمة وإن لم يكتب هذا في ورق.. والقيِّم علي الدعوة هو عمليا زعيم الجماعة ومرشدها وهو هنا (ياسر برهامي).. كما أن المساجد التي تسيطر عليها تلك المجموعات تبدو عمليا وحدات تنظيمية.. وهي حين تقول أنها لاتأخذ بيعة فإنها لاتقر بالحقيقة.. لأن هناك نوعاً من البيعة غير معلن.. وصولا إلي الاتباع والتبعية.. والسمع والطاعة للقيِّم أو الأمير بدون أن تكون هذه القاعدة معلنة.. يكفي أن يكون التابع قد تمتع بصفة «ملتزم» شفويا ثم تحجب عنه لكي يشعر بأنه قد رفع عنه الغطاء.

- تستخدم التيارات السلفية في الإسكندرية كل الوسائل الاجتماعية التي تستخدمها جماعة الإخوان سواء من خلال مشروعات كفالة اليتيم أو جمع التبرعات أو ماشابه.. وهي إلي جانب قدرتها علي استقطاب فئات فقيرة فإنها أيضا تعتبر الملاءة الداعمة لأنشطة الجماعة وتمويل الأعضاء ودفع المطلوب لهم.

- تنشغل مدرسة الإسكندرية بقاعدة «الولاء والبراء».. التي تقود إلي تعريف من يوالي المسلمين ومن يبرأ من حربهم.. تلك نفسها التي قادت تنظيم القاعدة إلي القيام بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.. لكن السلفية في الإسكندرية آثرت أن توجه جهدها إلي المسيحيين.. مبتعدة عن الدولة.. وغير عابئة بالخارج.. استنادا إلي قاعدة موازين القوي التي كتب عنها (ياسر برهامي) كثيرا.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

في الطريق إلي هذا المقال قرأت مجموعة من مقالات ياسر برهامي علي مواقع مختلفة- مقاطع صوتية - مجموعة فتاوي ياسر برهامي - مقالات لعبدالمنعم الشحات، ومقاطع صوتية لمحمد إسماعيل المقدم- حوارات مختلفة لياسر برهامي- حوار لأحمد فريد- حوار لأسامة القوصي- أسئلة وأجوبة علي منتديات السلفية في الإنترنت- مقالات لعلي عبدالعال وماهر فرغلي والسيد زايد علي موقع إسلام أون لاين- مقالين للشيخ محمود عامر- مقالات سابقة للزميل وائل لطفي- دراسة في الولاء والبراء لعبدالرحمن عبدالخالق، وبيانات الدعوة السلفية وجبهة علماء الأزهر ومقال لثروت الخرباوي وعرض لدراسة حسام تمام ومقال (تسلف الإخوان) في جريدة الرياض للباحثة بينة الملحم- بالإضافة إلي معلومات شفوية من مصادر متنوعة.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق