2011-08-07

الفساد في مصر: اسئلة عديدة و محاولات - مبسطة - للاجابة




بقلم م/أحمد سرحان

هذا مجرد تحليل مبسط تختلط فيه العامية بالفصحى و أرجو أن لا يكون التبسيط مخلا بتعقيدات موضوع مثل هذا



في موضوع  الفساد أسئلة عديدة. السؤال الأسهل هو هل هناك فساد في مصر؟
 الاجابة الأسهل أيضاطبعا

ولكن الاسئلة الأصعب هي من عينة ما حجم الفساد؟
 نوعيته؟
 اساليب مواجهته؟
 هل هناك جهات مسؤولة عن محاسبة الفساد؟

لا أحد يحب هذه الأسئلة. وان سألوها، فانهم يلجأون للاجابات السهلة من عينة الفساد المستشري  الذي زكم الأنوف و أن مصر أكثر دول العالم فسادا... الخ

عشان نعرف الاجابة لازم نقارن مصر اليوم بماضيها ونقارنها بالدول من حولنا.

 المقارنة لا تكون فقط بطريقة مطلقة بل ايضا بطريقة نسبية لأنه عندما تنسب الاشياء الى غيرها يعرف حجمها الحقيقي.. نحن في مصر نحتاج الى نافذة ننظر منها الى العالم كما نحتاج الى مرآة نظر فيها الى أنفسنا لنعرف و نقارن و نفهم.

ولابد ايضا من تحديد مقياس معين و محدد لتحديد حجم الفساد بدلا من الحديث عنه بالمصطلحات الفخيمة العربية مثل  الفساد العظيم والفساد المهول والفساد المستشري.. الخ. كل هذه المصطلحات لا تقول شيئا عن حجم الفساد بدقة. اللغة العربية رغم مزاياها الكثيرة، الا أننا نسئ اليها باستخدام الالفاظ والتركيبات اللغوية بدون دلالة و نزيد و نعيد و نلت و نعجن وذلك عكس اللغة الانجليزية.

وكمان لازم نتفق ان احنا مش هنخترع العجلة او نؤلف مقياس خاص بنا كأن مصر مكتوب عليها ان تظل متفردة عن كل العالم.. الأوزان بالكلج او الرطل مش بالمكيال والصاع و الصاعين.. المسافات بالكلم او الميل مش بالفرسخ او مسيرة الجمل شهر او شهرين..

وكذلك الفساد له مقياس دولي متعارف عليه وان انتقده الكثيرون كما سأبين فيما بعد...

ناس كتير مش هتصدق لما نقول انه في تقرير منظمة الشفافية مصر في نفس الفئة مع ايطاليا و البرازيل و الصين و الهند و تايلاند و جورجيا .. و افضل من روسيا و الارجنتين واندونيسيا .. و ليست اسوأ كثيرا من اسبانيا و البرتغال وتركيا (راجع الرابط التالي و ايضا الرسم البياني في آخر المقال)

الامر اصبح كالمريض يذهب للطبيب يشتكي من كل العلل التي تخطر على باله، ويكشف عليه الطبيب بالسماعة و جهاز الضغط فيجده سليم النبض والقلب فيصر المريض ان قلبه عليل ويحتاج تغيير شرايين مثلا. المريض يصر انه لا يقبل ارقام الطبيب و اجهزته و لا يعترف الا بما يشعر به.. و يجرب طبيبا بعد طبيب و هو مقتنع ان الارقام لا تفيد .. الذين يتعاملون مع الفساد وغيره من الأمور الاجتماعية بناء على شعورهم فقط وليس الارقام المعبرة عن مقارنات، هم كمن يرفض الاعتراف بالذهاب للطبيب المتخصص و يفضل اجراء الحجامة عند حلاق الصحة.. ده غير ان كثير من المصريين غارقين في الذاتية وليس لديهم اي معرفة  بالعالم من حولنا.. حاطط رجل على رجل بيتفرج على ام بي سي و يقولك اصل امريكا فيها كيت و كيت. 

واذا سلمنا ان الفساد في مصر كبير ، الا ان هناك جزءا كبيرا من الانطباع العام عن الفساد له اسباب غير موضوعية :


أولا: تغلغل الفكر الاشتراكي في العقلية المصرية. المصريين الذين تربوا على ان الحكومة لابد ان توفر لهم كل شيء من مأكل و ملبس و مسكن لا يستطيعون بسهوله استيعاب أساليب السوق الحر و الرأسمالية. وبرغم ان الاسلام مثلا (وهو دين غالبية المصريين) يشجع على الابداع و الملكية الخاصة و تنمية الثروة، الا أن كثير من المصريين المتدينين أو المتأسلمين يرون العدالة الاجتماعية فقط عندما يتساوى الجميع في الفقر، ويعلون شأن قيم مثل الزهد حتى تصل الى الزهد في الحياة نفسها. عدا ذلك، فان أي ثراء هو مصدره الفساد بلا شك، وأي قطاع خاص فهو مؤسس على الفساد بلا ريب. اليوم القطاع الخاص يساهم بنسبة 75% من الاقتصاد و بالتالي زاد احساس الناس بالفساد لأن كل بيزنس خاص هو فساد !! معضلة القطاع العام الذي -يغرم به المصريون- تبدأ من الملكية العامة، التي قد تعني مسئولية الشعب الذي يعطي العمل و يحصل على العائد، وقد تعني ملكية لا أحد و من ثم مسئولية لا أحد .. و هو الأصح !


ثانيا تغير الزمن ووضع الاقتصاد يحتم تغيير القوانين بوتيرة أسرع.. لكن الكثير من المصريين يعتقدون أن تغيير القوانين تعني فقط أن القانون القديم كان مفسدا و كل ما بني على اساسه فهو فساد. في الثمانينات كان تخصيص الاراضي يتم للمستثمرين بسعر زهيد لدفع الاقتصاد و خلق فرص عمل لمواجهة اكبر مشاكل مصر وهي البطالة.. الساحل الشمالي كله مراقيا و مرابيلا و مارينا مثلا كانت بداياته التخصيص. ده احنا كنا في زمن مستعدين ندفع فيه فلوس للمستثمر عشان ياخد الأرض الصحراء بتاعتنا دي و يعمرها (كلام وزير السياحة الأسبق فؤاد سلطان).. بعد سنوات عندما زادت المساحة المأهولة في مصر من 3% الى 10%، كان لابد ان يتغير الفكر من التخصيص الى المزادات. بلاد العالم النامية و المتقدمة مرت بنفس التجارب. لكن في مصر كان الانطباع أن كل تخصيص هو فساد كما أن كل قطاع خاص هو فساد أيضا. والغريب أن تخصيص الاراضي للشركات الحكومية في الستينات مثل شركة مصر الجديدة للتعمير او شركة مدينة نصر او شركة النصر واهمال الاراضي عشرات السنوات من غير تعمير، الغريب ان الناس لا ترى في هذا فسادا. واليوم تبني هذه الشركات في اراض خصصت لها مجانا و تبيع المتر بسعر السوق!
 قوانين زي الاصلاح الزراعي في الخمسينات كانت تبدو انها في منتهى الشفافية وتقدم خدمة عظيمة للاقتصاد. اليوم اصبحت قوانين بالية و تطبيقها هو الفساد بعينه


ثالثا: الاعلام المعتمد على صراعات السوق. مثال واحد نشوفه في مشروع حضاري زي مدينتي وينقلب بقدرة قادر من اقصى درجات النزاهة الى اقصى درجات الفساد. اسلوب تخصيص الارض مقابل نسبة من الوحدات والمباني هو الاسلوب الافضل في كل مكان في العالم، ونسبة 7% التي حددتها الحكومة تعتبر من اعلى النسب خصوصا ان المقابل المالي يزيد مع الزمن.  مشروع مدينتي بدأ البناء من أول يوم و وفر مئات الآلاف من فرص العمل واعتمد على محطات ذاتية للكهرباء والمياه والري (يعني ماخدش من الدولة حاجة) ورفع ايرادات الدولة من الضرائب و تسبب في ارتفاع دخل الدولة من سعر الاراضي في اماكن اخرى، واليوم يراه الناس فسادا بواحا ولا يرون الارض المخصصة لشركة مصر الجديدة للتعمير فسادا رغم انها ارض صحراء لمدة 40 سنة.
مثال اخر في رخص شركات المحمول. هل نعتبر انه مادامت الشركة الثالثة دفعت 17 مليار جنيه ثمنا للرخصة فان الشركتين الاولى و الثانية استولت على الرخصة بالفساد لان السعر كان يومها أقل؟ الغريب ان ده اللي الاعلام بيحاول ينشره بين الناس. ولو فكر احدهم ان يرى تجارب الدول الاخرى لربما عرف ان رخص الاتصالات تزيد بارتفاع المنافسة وجاذبية السوق. زي واحد باع شقته ب 100 الف جنيه و السنة اللي بعدها قفز سعرها الى 200 ألف، فيندم ويعتقد انه انضحك عليه وان الموظف اللي وثق العقد مشارك في جريمة فساد ضده مع المشتري.


رابعا: البيروقراطية التي تضخمت و اصبحت اكبر عوائق التنمية والابداع. تضارب اللوائح و القوانين تسبب في ثغرات عديدة للفساد. والمؤسف ان الناس تكره الخصخصة وتريد الحكومة ان تتحكم في الاقتصاد بكل بيروقراطيتها و بطئها واعتمادها على الواسطة في تعاملاتها. واليوم يطالب الناس بالمزيد من التضييق و المزيد من القوانين التي تكبل أيدي كل من يتحمل المسؤولية فترتعش و تتخلى عنها.. عايزين مسؤولين زي الرجال الآليين يمشوا على قضيب القطار بدون اي ابداع او خيال او تفكير خارج الصندوق. لو الموضوع كده يبقى فعلا اي حد ممكن يشتغل وزير او رئيس يمشي على قضيب القطار بدون تفكير وهنحاسبه على آلاف اللوائح والقوانين والتي لا يعرف عن اغلبها انها موجودة اساسا. جزء كبير من احساس الناس بالفساد هو ان بعض المسؤولين حاولوا تكسير قيود البيروقراطية بحسن نية لصالح البلد.. صحيح ان بعضهم حاول تجازها بسوء نية و فساد، ولكن ليس كلهم.. القوانين لا بد ان تكون عبارة عن قواعد عامة تسمح لمن ينتخبهم الشعب في السلطة ان يتحركوا بحرية وابداع لصالح البلد.. اذا فشلوا او سرقوا يخلعهم الشعب ايضا بالانتخاب . ولكن الشعب أدمن الديكتاتورية.. يريد ان تكون علاقته بالسلطة محكومة بديكتاتورية القوانين البالية و هو راض ... عموما، كل شيء يزيد عن حده ينقلب لضده.
ده غير تدخل السلطة القضائية و في مقدمتها القضاء الاداري في العديد من اختصاصات السلطة التنفيذية السياسية بشكل لم تعرفه اي دولة في العالم. السلطة التنفيذية يبراقبها البرلمان، وليس القضاء الاداري الذي يتدخل في ما نصدره او نستورده وبدون ان يكون لديه الخبرة والكفاءات اللازمة في الاقتصاد و السياسة.
جزء كبير من الفساد حسب تعريف المنظمة العالمية للشفافية مرجعه هو ضعف بعض قوانين الضرائب و الجمارك مما يؤدي الى تهرب ضريبي او جمركي يدخل في حساب الفساد. المهن الحرة -مثل الطبيب في عيادته والذي لا يعطي فاتورة حساب ضريبية – يساهم في جزء كبير من الفساد في مصر. المهن الحرة التي لا تدفع الضرائب الصحيحة سبب من اسباب تأخر مركز مصر على مقياس الشفافية و الفساد في العالم. ايضا غياب الضريبة العقارية يعتبر احد الاسباب، لأنه ذلك أدى الى ضياع ايرادات كان لابد أن تدخل خزينة الدولة.. وضياع الايرادات يعني فساد.


خامسا: الحجم المطلق و الحجم النسبي ونسبة الفساد الى الاقتصاد. احساس الناس بتزايد حجم الفساد نابع عن رؤيتهم للحجم المطلق واغفالهم لنسبته الى الحجم الكلي للاقتصاد مثلا او نسبته الى ماكان الوضع عليه في الماضي. كل ما كبرت التورته كل ما ظهر لها ناس اكتر تتشارك فيها . ورغم ان نصيب كل منهم ثابت كنسبة الى حجم التورتة الا ان عددهم يوحي بأنه زاد. وللقياس مع الدول الأخرى لا بديل عن القياس النسبي وليس المطلق. كما انه من السهل ان تكون معارضا بدون ان تقرأ شيئا عن ان تقرأ و تدرس وتفهم و تتدبر ثم تصل الى حكم عقلاني بعيدا عن تاثيرات اعلامية في اغلبها واجهة لصراعات في البيزنيس والسياسة. المصريين اتعودوا على الشكوى لانها اسهل، ولكن نادرا ما تلاقي مصري شاكر و ممتن لأحد. كثيرون يتبعون خطوات قارون: قال انما أوتيته على علم عندي .. يعني لا فضل لأحد فأشكره على ما وصل الي من نعمة بل هي من عندي.


سادسا: محاسبة الفساد. من الطبيعي عندما تنشط اجهزة الرقابة و المحاسبة، يظهر ما خفي من جبل الجليد. في الطب مثلا كان التقدم في التشخيص و العلاج سببا في اكتشاف امراض كثيرة وعديدة موجودة منذ آلاف السنين وكان الناس يموتون بها ولكن الاسباب دوما كانت اما غير معروفة او تلقى على الشيخوخة. اليوم تقدم الطب وأدركنا انواع عدة من السرطان مثلا. هي لم تظهر من الفراغ بل ان ادراكنا لها كان قاصرا في الماضي. نفس الشيء ينطبق على الفساد... كل ما نشط الناس في محاسبته و مواجهته كل ما ظهر من حجمه الكثير. دائرة لا تنتهي. أحد أهم اسباب احساس الناس بالفساد هو نشاط الاجهزة المقاومة للفساد و تعددها من اجهزة رقابية و قضائية و شعبية.


سابعا: التحول الرأسمالي دائما ما يكون مصحوبا بدعاوى الفساد من قوى الاشتراكية التي تحن للماضي الجميل.. فكل ماض هو جميل بالطبع!!!.. ومن فات قديمه مات!!!..ما علينا.. يكفي ان ننظر الى حال روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي و بدء التحول للسوق الحر. كل دول اوروبا الشرقية عانت من نفس الامر.. الهند كذلك، رغم نظامها الديموقراطي الا انه لا يقضي على الفساد الذي تعاظم من تحول الهند للسوق الحر و النمو والاقتصادي في التسعينات. البرازيل، الارجنتين، اسبانيا، ماليزيا، اندونيسيا... الخ. القائمة تطول، لكن الرأسمالية قادرة على تصحيح نفسها بنفسها و تقويم مسارها لانه تعتمد على قوى السوق التي تحقق عدالة التوزيع وعدالة الاسعار والانتاج في نهاية المطاف. مرة اخرى: المصريون مغرقون في الذاتية ولا يجدي دائما معهم الحديث عن الدول الاخرى. 


وتجدر الاشارة هنا الى آخر فضائح الفساد في الهند، أكبر ديموقراطيات العالم و صاحبة تجربة عريقة في الانتخابات النزيهة. فقد أعلن في شهر ابريل 2011 عن القاء القبض على رئيس دورة ألعاب الكومنولث التي أقيمت في الهند بتهمة الفساد في منح عقود الاعداد للدورة – في بداية لسلسلة طويلة من فضائح الفساد التي هزت أركان البلاد. فقد أقيمت الألعاب في الهند و تكلفت 2 مليار دولار وهو الرقم الاكبر في تاريخ هذه الدورات. و أذكر هنا للتدليل على حجم الفساد الذي تم اكتشافه أن فواتير توريد بكرات ورق التواليت التي دخلت ضمن هذه الموازنة الضخمة قد بلغت 80 دولارا للبكرة الواحدة !! نعم 80 دولارا أخضرا أمريكيا للبكرة الواحدة في دورات المياه !! وقال مسئولون في لجنة الرقابة المركزية إن شهادات الجودة التي خضعت للتدقيق في 16 مشروعا يتعلق بدورة ألعاب الكومنولث باتت "مزورة أو مشكوكا فيها".

وقبل ذلك في مارس 2011 وجه الادعاء العام خمس تهم لوزير الاتصالات الهندي ورؤساء 3 شركات منها شركة ريلاينس العملاقة و عدد كبير من المديرين التنفيذيين تتعلق بفساد في منح تراخيص شركات المحمول. ويُتهم وزير الاتصالات السابق أنديموثو راجا بالشطط في ممارسة السلطة والتآمر في ملف يعود لعام 2008 ويخص منح شركات بعينها رخصة للهاتف المحمول من الجيل الثاني، وخسرت فيها خزينة الدولة قرابة 39 مليار دولار، وقد هزت الفضيحة الأوساط الحكومية ورجال الأعمال في بلد ينتمي للبلدان الصاعدة المسماة اختصارا "بريك".

هل منعت الديموقراطية والانتخابات و القوانين و التشريعات مثل هذا الحجم الغير مسبوق عالميا في الفساد؟

لقد قيل الكثير عن بيع مصر و أن الخصخصة كانت وبالا على المصريين و أنها ترقى الى الخيانة العظمى وأنها أبو الفساد وأمه. والحقيقة أنه لا يوجد تقرير دولي واحد يعتبر مصر من بين الدول التي حولت اقتصادها من الاقتصاد العام -الذي تسيطر عليه الحكومة - الى اقتصاد السوق الذي تسيطر عليه الملكية الخاصة. فالدولة بعد 20 عاما من بدء برامج الخصخصة لا تزال تسيطر على كل مفاتيح الاقتصاد من أرض و طاقة و موانئ و مطارات و أموال و اعلام و صحافة و مواصلات و تأمين ... الخ.

وعلى مدى 30 عاما لم تتحدث الخصخصة سوى عن طرح 314 شركة عامة فقط لهذا البرنامج لا يزيد نصيبها من الاقتصاد القومي عن 18% . و بعد كل هذه السنوات، كان كل ما تم خصخصته (أي دخول مستثمر من القطاع الخاص جزئيا أو كليا) أقل من نصف هذه الشركات!! و قبل عامين طرحت فكرة بيع ما تبقى و هي 147 شركة للمصريين عن طريق برنامج للصكوك، وهو ما سخر منه الاعلام و رفضه الرأي العام و رفضته الحكومة نفسها. و اليوم تمتلك الدولة 167 شركة قطاع عام، أي أن 20 شركة قد عادت الى حضن الحكومة الدافئ !!! هل هذا هو الفساد الذي زكم الأنوف؟؟؟ 

القضية هنا: هل قطاع الأعمال العام -المحبوب- مهمته أن يقدم للدولة عائدا؟ أم أنه مخزن للعمالة تقدم الدولة له الدعم (الأفضل نسميه اعانة بطالة) وتسدد قروضه ثم تدعو الله أن يكون نزيف خسائره بنفس القدر الذي تتحمله الخزانة العامة !

كتب الدكتور عبدالمنعم سعيد ساخرا عن عودة عمر أفندي:
نحمد الله ونشكره علي عظيم فضله بعد أن حكمت الأحكام بعودة محلات عمر أفندي إلي أهلها من المصريين بعد أن غابت في غربة الخصخصة سنوات طويلة تنتقل من فساد إلي فساد‏, ومن خراب إلي آخر, حتي أصيب الاقتصاد القومي بالمرض العضال بعد أن ضاعت عليه الأرباح الطائلة, والسلع المعمرة, والملابس الصينية الفاخرة التي كان يوفرها لأهل المحروسة الطيبين.
ذهبت أيام المحنة التي غاب فيها عمر افندي عن السوق المصرية حتي سيطرت عليه سلاسل التوحيد والنور ومولات سيتي ستارز وداندي والعرب والفريست والمئات منها في شرق البلاد وغربها. وهي كما هو معلوم للكافة لا تعبر عن الشخصية القومية, والروح الوطنية, التي كان يمثلها عمر افندي الذي كان يقبل خسائر طائلة من أجل زبائنه المحترمين, ولديه من الموظفين من يفهم حاجات المصريين وحالتهم السيكولوجية وفقا للتقاليد التي أرساها العظيم حسن شحاتة مع الفريق القومي لكرة القدم.
ومع العودة المظفرة توقفت حملة بيع مصر التي نجحت في بيع نصف شركات القطاع العام ـ314 شركة ـ علي مدي ثلاثين عاما, وبوسع الوزارة المصرية وطاقمها الاقتصادي المجد أن يسعد الآن بعد عودة واحدة من أصوله العظيمة والتاريخية ليس فقط للدماء التي سوف يعيدها للاقتصاد القومي بعد طول فراق, وإنما أيضا لوقوفها وصمودها أمام ما انتشر في البلاد من سقيم المولات والمحلات والبوتيكات المتخصصة في آخر موضات المحجبات.





عشان كده اي حديث عن الفساد بدون ارقام و مقارنات مع دول العالم فهو حديث فارغ لا وزن له

باختصار... الفساد في أغلبه انطباعات وصلت لحد المسلمات التي يرفض الجميع أي تشكيك فيها... 


انا مهندس لا أعرف سوى الارقام. المقياس العالمي للفساد أو مؤشر الشفافية هو المرجعية الوحيدة في هذا الموضوع -و ان كانت غير دقيقة دائما- الا انها توفر فرصة للمقارنة بالدول الاخرى.

ومع ذلك ، هناك انتقادات قوية لهذا المقياس حيث يشتكي الكثير من المحللين أن المؤشر يعتمد على استطلاع رأي المواطنين حول شعورهم بوجود فساد في بلادهم وهو ليس بالضرورة انطباع سليم. ايضا ينتقد المؤشر لأنه يقوم بملاحظة على مجموعة صغيرة من المبحوثين و يرفض الملاحظة على نسبة أوسع من السكان بالاضافة الى أن اساليب المسح تتغير من عام لآخر مما يصعب من مهمة متابعة مستوى الفساد أو مستوى الشفافية. هذا المؤشر يقوم أساساً على الاستفتائات, النتائج كانت أكثر تمثيلاً، ولكن اقل مصداقية للبلدان التي لديها مصادر اقل للمعلومات. بالإضافة ما يُعرف قانونياً بالفساد يخلتف باختلاف البلدان: التبرع السياسي قانوني في بعض البلدان قد لا يكون كذلك في نطاق سلطة لبلدان اُخرى ,ما قد يُعتبر بقشيشاً مقبولاً في بلدان قد لا يكون كذلك في أماكن أخرى ويعتبر رشوة. الإحصائيات من هذا النوع تكون غامضة وغير دقيقة، والإحصائيات منذ اعوام مضت ليست بالضرورة مشابهة وقابلة للمقارنة.
باختصار، يعتبر الكثيرون من الخبراء أن المؤشر عديم الفائدة عند محاولة قياس تاثير السياسات الجديدة و القوانين المستحدثة على حجم الفساد
يكفي أن الاسم العلمي للمؤشر هو : مقياس انطباع الفساد .. انطباع او شعور او ادراك حسي


القضاء على الفساد هدف لم ولن يصل له اي مجتمع في العالم.. لا بالقوانين ولا برفع المرتبات ولا بالضرب بيد من حديد. الموظف اللي مرتبه 1000 جنيه رشوته 500 جنيه. واللي مرتبه مليون رشوته نصف مليون...


لكن هناك طرق لمواجهة الفساد و أهمها في رأيي أمرين:

أولا: الخصخصة وتحرير قيود الاقتصاد Privatization and Deregulation
وهي أهم وسائل القضاء على الفساد و ليس كما يصورها الاعلام كسبب له: من أسباب الفساد هو التعامل مع الجهاز الحكومي البيروقراطي. زمان الناس كانت تدفع رشاوي وتجيب وسايط عشان تقدم بس على خط تليفون في البيت او تجيب طبق بيض زيادة. اليوم ممكن يشتري اي خط محمول من اي شركة بدون قرش رشوة زيادة او واسطة، و يشتري اي كمية من الغذاء من اماكن وبدائل متعددة. الخصخصة ورفع القيود المفروضة على حركة السوق والاقتصاد هي خطوات ضرورية لتحجيم الفساد والاعتماد على السوق الحر الذي يوفر السعر العادل والتنافس في جودة الخدمة المقدمة للمواطن بدلا من تسليمه الى موظفين مرتشين يقع مضطرا تحت رحمتهم. مافيش صاحب عمل خاص يتسبب في خسارة عمله بسبب فساد موظفينه، لكن القطاع الحكومي فيه المال السايب يعلم السرقة


ثانيا: الميكنة Automation or Computerization.. أي الاعتماد على الكمبيوتر في التعاملات بدلا من العنصر البشري الذي يسبب تسريب للفساد. اعتاد الناس أن يقفوا طوابير طويلة أمام نوافذ الموظفين و اعتاد بعضهم أن يقفز على الطوابير بالرشوة و الفساد و المحسوبية.. وهي كلها أمور لا يعرفها الكمبيوتر فالكل أمام الويندوز سواء. كلما تم الفصل بين مقدم الخدمة (الموظف) و طالب الخدمة (المواطن) عن طريق واجهة آلية أو كمبيوترية كلما قل الفساد الناجم عن احتكاك المواطن بالموظف المرتشي

اقول ثانية، مؤشر منظمة الشفافية أو مقياس الاحساس بالفساد يعتمد على استطلاع رأي المواطنين عن احساسهم و ادراكهم للفساد و الشفافية في بلادهم. لابد من التضييق على هذا الاحساس و الانطباع السائد...

 
الخصخصة و الميكنة هما أفضل الطرق التي سبقتنا اليها الدول المتقدمة لمحاصرة الفساد الذي يواجه المواطن يوميا و يزيد من احساسه او انطباعه بفساد الأوضاع، وذلك بالطبع بجانب التشريعات و القوانين و أجهزة الرقابة التي تراقب و تحاسب نشاط الفساد في قطاعات الأعمال المختلفة ، بالدقة و الأرقام والحقائق وليس بالتهويل والعويل.


 أزعم أننا اذا استطعنا محاصرة الفساد على المستويات الدنيا من رشوة و محسوبية ترهق كاهل المواطن، سنتمكن من خلق بيئة جديدة مختلفة تشمئز من الفساد و تنفر منه على المستويات العليا أيضا... فالفساد في أصله هو طبيعة بشر... والحد منه ليس بأن نأتي بقوانين تسير البشر كالآلات على أمل أن يصبحوا يوما ما ملائكة، بل بوضع نظم تقلل فرصه و دوافعه


لسنا أبدا أكثر الشعوب ممارسة للفساد، فقد رأيت في سفرياتي الكثيرة أشكالا مذهلة من الفساد.. و لكننا بالتأكيد أكثر شعب يحب يتكلم عن الفساد لدرجة الهوس: اعلام، أفلام، قصص و روايات، ....الخ 

 يتحدث المصري عن الفساد بصورة تجعله الشماعة الجاهزة لأي فشل يواجهه في حياته. ويهرب المصري من واقعه و لا يكاشف نفسه بتقصيره وعدم كفاءته وضعف امكانياته وكسله عن تطويرها من أجل أن يحمل فساد المجتمع من حوله أسباب هذا العجز و ذلك الفشل... يجلس على المقهى  ينفخ دخان الشيشية و يلعن تلك القوى الخفية الفوقية الخارجة عن ارادته، وذلك الفساد المستشري المكبل لحركته ...

ارتضى المصريون العيش في "فساد" لأنهم جميعا يستفيدون منه .. كلنا نمارسه، و كلنا نستفيد منه .. و لا نهاجمه الا من منطلق: اشمعنا غيري، انا كمان عايز نصيبي من هذا الشخص الفاسد

وأخيرا.. يقول الحق تبارك و تعالى في سورة الروم:


ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون


وهذه هي خريطة مؤشر "انطباع أو ادراك الفساد" في العالم و موقع مصر منها







مصر في نفس الفئة مع ايطاليا و البرازيل و الصين و الهند و تايلاند و جورجيا .. و افضل من روسيا و الارجنتين واندونيسيا .. و ليست اسوأ كثيرا من اسبانيا و البرتغال وتركيا

خريطة منظمة الشفافية العالمية



موقع مصر بين الدول المشابهة على مؤشر الشفافية العالمي






اللهم ان كنت أصبت فمن عندك، و ما أخطأت فيه فهو من نفسي و من الشيطان. و الله أعلم


مهندس أحمد سرحان.
ماجستير الادارة الاستراتيجية و دبلوم ادارة المشروعات










الهوامش: انتقادات مؤشر الشفافية العالمي:


Limitations of Corruption Perception Index:
Since the set of sources changes, comparing corruption over time with the CPI is inappropriate.

Criticism of Corruption Perception Index:

The Corruption Perceptions Index has drawn increasing criticism in the decade since its launch, leading to calls for the index to be abandoned.[10][11][12] This criticism has been directed at the quality of the Index itself, and the lack of actionable insights created from a simple country ranking.[13][14] Because corruption is willfully hidden, it is impossible to measure directly; instead proxies for corruption are used. The CPI uses an eclectic mix of third-party surveys to sample public perceptions of corruption through a variety of questions, ranging from "Do you trust the government?" to "Is corruption a big problem in your country?"
The use of third-party survey data is a source of criticism. The data can vary widely in methodology and completeness from country to country. The methodology of the Index itself changes from year to year, thus making even basic better-or-worse comparisons difficult. Media outlets, meanwhile, frequently use the raw numbers as a yardstick for government performance, without clarifying what the numbers mean.
The lack of standardization and precision in these surveys is cause for concern. The authors of the CPI argue that averaging enough survey data will solve this; others argue that aggregating imprecise data only masks these flaws without addressing them.[15] In one case, a local Transparency International chapter disowned the index results after a change in methodology caused a country's scores to increase—media reported it as an "improvement".[16] Other critics point out that definitional problems with the term "corruption" makes the tool problematic for social science.
Aside from precision issues, a more fundamental critique is aimed at the uses of the Index. Critics are quick to concede that the CPI has been instrumental in creating awareness and stimulating debate about corruption.[not in citation given] However, as a source of quantitative data in a field hungry for international datasets, the CPI can take on a life of its own, appearing in cross-country and year-to-year comparisons that the CPI authors themselves admit are not justified by their methodology. The authors state in 2008: "Year-to-year changes in a country's score can either result from a changed perception of a country's performance or from a change in the CPI’s sample and methodology. The only reliable way to compare a country’s score over time is to go back to individual survey sources, each of which can reflect a change in assessment."[17]
The CPI produces a single score per country, which as noted above, cannot be compared year-to-year. As such, the Index is nearly useless as a tool for evaluating the impact of new policies.[15] In the late 2000s, the field has moved towards unpackable, action-oriented indices (such as those by the International Budget Partnership or Global Integrity), which typically measure public policies that relate to corruption, rather than try to assess "corruption" as a whole via proxy measures like perceptions.[13] These alternative measures use original (often locally collected) data and so have the same non-comparability problem as the CPI and are limited in scope to specific policy practices (such as public access to parliamentary budget documents) and so they are only an indicator of visible corruption/policy corruption.
The inherent value-ladeness of any definition of what represents a corrupt policy is also a concern for the CPI or any other measure corruption. For example, any measure must weight the extent to which corruption has a negative impact on citizens of that country. Measures can focus on the extent to which corruption negatively impacts citizens' lives on many dimensions including quality of life, health, economic well-being and liberty. Therefore, current measures have also been criticized not just for their methodology but for their breadth and the value choices that are required to be made in deciding how to weight the importance of various aspects of corruption.

هناك تعليق واحد:

  1. تحليل جيد
    لكن المشكلة دلوقتى فى نفسية الناس متوهميين ان الاعتصامات و الفوضى و قفل الطرق والمليونيات هى طريق الصلاح و النهضة الشاملة هو دة وسيلة تحقيق تعليم جيد وخدمات صحية ممتازة واسكان و وظائف و غيرةوان المقصلة لكل من عمل مع النظام السابق هى عقاب مناسب وعادل
    المشكلة دلوقتى ان الناس تفضل الفوضى توجد حالة من غياب العقل او التفكير المتزن . كل فئة شايفة طلباتها بس وكل حزب عاوز السلطة بيستخدموا كلمات رنانة بدون وعى حقيقى زى الفساد ..الحرية ..حرية التعبير وفعلا يبدو ان صندوق الانتخابات حلم صعب التحقيق .

    ردحذف