2013-05-28

من التخوين الى التثوير



من التخوين الى التثوير

"اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد ... وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش"

بهذه الكلمات، نقلت الاذاعة المصرية صوت أنور السادات في يوليو 1952 حاملا رسالة بسيطة: الفساد الذي تعيشه مصر سببه نظام خائن، ثوروا عليه. رحب المصريون بالحركة المباركة. ثاروا معها. فالوطنية والفساد لا يجتمعان. الصورة التي ترسخت عن نظام فاروق أنه خائن للوطن عميل للانجليز. هذه الصورة - وإن أثبت التاريخ أنها لم تكن كاملة - بنيت عليها شرعية يوليو.

صورة تكررت مع مبارك.

 دعاية الاسلاميين طوال حكم الرئيس السابق انطلقت من نقطة أساسية تتلخص في تخوين نظام الحكم: يتآمر مع اليهود في حروب غزة و لبنان. يدعمهم باتفاقيات الكويز و الغاز. يحميهم بمعاهدة السلام. يغلق المعابر وأبواب الجهاد. حليف الغرب عدو المسلمين.
تحالف غلاة اليساريين مع الاخوان لنشر هذه الصورة. في خطاب الاخوان، هو يعمل ضد الدين. في خطاب حلفائهم، هو ضد مصر والقومية. تراجعت صورته كقائد وطني منتصر في حرب أكتوبر أمام ضغط هذه الصورة: النظام الخائن.
كان منطقيا بعد ذلك أن تتقاطع خطوط هذه الصورة مع صورة أخرى مررها الاخوان عن مبارك: النظام الفاسد. مصر دولة غنية، لكن نظامها خائن. يخربها. فاسد يسرقها. يفرط في مصالح مصر الخارجية، بالتأكيد لا يحفظ ثرواتها. الخائن لن يتورع عن فتح السجون لنشر الفوضى. الخائن سيأمر بقتل المتظاهرين. الخائن ثروته سبعين مليار دولار. الخائن استولى على كنوز القصور الرئاسية. الخائن يحاكم بتهمة تصدير الغاز. الخائن باع البلد.

كان سهلا أن يصدق الكثيرون كل هذا. فالخائن فاسد.

ولكن هل انقلب الاخوان على سياسة مبارك الخارجية التي طالما خوّنوه بسببها؟ هل أصلحت "وطنية" الاخوان ما أفسدته "خيانة" مبارك؟ ما بين دعاوى الجهاد وتمزيق كامب ديفيد والزحف على القدس في الماضي، الى الحديث في الحاضر عن السلام والصمت عن انتهاك حرمة الأقصى، يتقافز حكم الاخوان بعيدا عن كل الشعارات التي قامت جماعتهم من أجلها و استمرت رسالتهم تحت لوائها، طوال عقود.
يدعي الاخوان أن هذه براجماتية سياسية، ويقتنع بهذا صديقي الليبرالي الذي صوت لهم قبل عام من اليوم، و يرحب بما يعتبره اعتدالا اخوانيا و انفتاحا نحو السلام.
كثيرون اصطفوا مع الاخوان ضد سياسة مصر الخارجية في السابق، بدءا من عملية السلام الى حرب غزة، مرورا بتحرير الكويت و غزو العراق والحرب على الارهاب. خدعهم الاخوان. يكتشف المصريون اليوم أن سياسات الأمن القومي المصري كانت في مجملها سليمة. وطنية. الواقع يؤكد، مبارك له أخطاء، لكنه لم يكن خائنا. استكمل استعادة الأرض و حافظ عليها وسلمها كاملة السيادة غير منقوصة. يستشعر المصريون اليوم أن الاخوان يستقوون بالأمريكان. يفرطون في سيناء. يتنازلون عن حلايب وشلاتين. يبيعون قناة السويس. يبددون حقوقنا في مياه النيل. يقايضون المستقبل بالقروض. التفريط في السيادة خيانة.
ضاعت سيناء قبل ذلك في زمن الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر. هكذا يشير اليه الناصريون. خالد الذكر لأنه طاهر اليد. صورة لم تتشوه حتى بعد رحيله بعقود. زعيم وطني، اذن فهو غير فاسد. للزعيم عبدالناصر أخطاء كارثية لا ينكرها أحد. ضابط برتبة صاغ يقفز الى رتبة المشير ليقود جيش مصر الى أكبر هزيمة عسكرية في تاريخها الحديث. انتكاسة لم تكن لتحدث الا والفساد يضرب كل أركان الحكم. لكن جمال مثال الوطنية، خانه المحيطون به. هم فاسدون. هو لا . خرج المصريون يودعونه بالدموع. يقولون أنه رحل لا يحمل من حطام الدنيا شيئا. و جاء بعده السادات ليسترجع الأرض ويمحو العار. قائد وطني. ولكن اغتيال السادات بدأ بتخوينه. القائد المنتصر باع البلد . خلعت عنه الوطنية فالتصقت به تهم الفساد وانفتاح السداح مداح.

تثوير الشعوب يبدأ بتخوين الحاكم. الثائرون ضد الخليفة عثمان بن عفان اتهموه بخيانة الأمانة. الثائرون ضد علي قالوا أنه خان دم عثمان. آيات الله أفتوا بأن الشاه خائن عميل للغرب. وبين هذين الزمانين، ثارت شعوب وجماعات، عندما نزعت رداء الوطنية عن من خلعتهم.

في مصر، بيع الوهم للناس. صدّقوا فغضبوا فثاروا، فاكتشفوا بعض الخديعة مع فشل الذين خدعوهم. مع انقلابهم على شعاراتهم. كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.

واليوم، يقاوم حكم الاخوان الفشل بقناع الايمان والوطنية. هو مؤمن، اذن هو أمين. هو وطني. اذن هو غير فاسد. ولكن المصريون يفهمون جيدا معنى الوطنية. عندها مبدأ كل شئ ومنتهاه. يقدّرون قيمة الدولة. أقدم دولة في التاريخ. الجيش قوامها. يفاخرون بوطنيته. بانتصاره. يدللون بمشروعاته المدنية على الانجاز والانضباط وعدم الفساد. عندما يستدعونه ضد الاخوان، فهم ينزعون عنهم كل وطنية. يسقونهم نفس الكأس: "الاخوان خائنون و حكمهم احتلال". لم يحاربوا يوما من أجل مصر . لم يدافعوا عن أرضها و لم يرابضوا على حدودها. 
هكذا يراهم قطاع عريض من المصريين. وهكذا سوف يسقطون.

أحمد سرحان